من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن ، قال: إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار.
73. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أنه أول من يدخل الجنة ،
فعن أنــس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :
آتـــــــي باب الجنة يوم القيــامة فأَســتفتِح [1] ، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد. فيقول: بك أمرت ، لا أفتح لأحد قبلك.
[2]
74. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أنه أول من يقرع باب الجنة ،
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :
أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، وأنا أول من يقرع باب الجنة
[3].
75. ومن دلائل عظم قدر النبي مـــحمد ﷺ اختصاصه بنهــــَـــــر [4]الكوثر الذي بالجنة ، ومعنى الكوثر: الخير الكثير ، وهو خاص به ، ولم يرد أن الله خص غيره من الأنبياء بأنهار بالجنة ، قال تعالى )إنا أعطيناك الكوثر(. قال ابن حجر رحمه الله:
"فالـمختص بنبينا ﷺ الكوثر الذي يَصُب من مائه في حوضه ، فإنه لم يُنقل نظيره لغيره[5] ، ووقع الامتنان عليه به في السورة المذكورة[6]."
76. ومن دلائل عظم قدره ﷺ توقير بعض الحيوانات له ،
ومن ذلك قصة الجمل الذي كان عند بعـض الأنصار ، فاستصعب عليهم فمنَعهم ظهرهُ [7]،
فلما جاء النبي ﷺ نظر الجمل إليه ، فأقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه ، فأخذ رسـول الله ﷺ بناصيته أذل ما كانت قط ، حتى أدخله في العَمَل
[8].
ومن ذلك أيضا أنه قُـرِّب إلى رسول الله ﷺ يوم النحر خمسُ بَـــدَنات [9]أو ستٌّ ينحرهن ، فأخذن يتقربن إليه ، كل واحدة ترجو أن يبدأ بها[10].
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أن النبي ﷺ دخل حائطا[11] لرجل من الأنصار
، فإذا فيه ناضِح[12] له ، فلما رأى النَّبيَّ ﷺ حنَّ وذرَفت عيناه [13]، فنزل رسول الله ﷺ فمسح ذِفراه[14] وسَراتَــهُ [15]فسكن ، فقال: من ربُّ هذا الجمل[16]؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء شاب من الأنصار فقال: أنا. فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها؟ فإنه شكاك إليَّ ، وزعم أنك تُـجيعه وتُدئِــــــبُــــــهُ[17].
[18]
ومن ذلك أيضا قصة الـحُمَّرةِ [19]– وهي طائر صغير كالعصفور - التي جاءت تشتكي إلى النبي ﷺ لما أخذ بعض الصحابة فَـــرخَيها ،
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنَّا مع رسول الله ﷺ في سفر
، فانطلق لحاجته ، فرأينا حُـمَّــــرةً معها فَرْخان ، فأخذنا فرخيها ، فجاءت الـحُمَّرةُ فجعلت تَـــــفْـــــرُش[20] ، فجاء النَّبي ﷺ فقال: من فَجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها.
ورأى قرية نمل قد حرقناها ، فقال:
من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن ، قال: إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار.
[21]
77. ومن دلائل عظـم قدره ﷺ تسليم بعض الجمادات عليه ، وتعظيمها ومحبتها له ، وانقيادها لأمره ، وتوقيرها له ، مع كونها مخلوقات جامدة ، لا تدب فيها الحياة ، كالحجر الذي بمكة ،
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :
إني لأعرف حجرا بمكة كان يُسَلم علي قبل أن أبعث ، إني لأعرفه الآن
[22].
ولما صعد النبي ﷺ جبل «أُحُـــد» ومعه أبو بـكر وعمر وعثمان
، رجـف بهم ، فضـربه برجله وقال: أُثبت أحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان.
[23]
كما جاء الخبر بمحبة جبل «أُحُـــد» للنبي ﷺ ،
فعن عباس عن أبيه رضي الله عنه ،
عن النبي ﷺ قال: «أحد» جبل يحبنا ونُـحبه.
[24]
ومن ذلك قصة حنين جذع نخلة كانت في المسجد إليه ،
فقد كان النبي ﷺ يخطُب يوما إلى جذع نخلة في المسجد ، فصنعوا له منبرا ، فلما كانت الجمعة قعد إليه النبي ﷺ ، فبكى الجذعُ حتى سمعوا له صوتا مثل صوت العِـشار [25]، حتى نزل النبي ﷺ فوضع يده عليه وضمَّهُ فسكت.
[26]
78. ومن دلائل عِظم قدره ﷺ انقياد بعض الأشجار له ،
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
أَتى النبي ﷺ رجل من بني عامر فقال: يا رسول الله ، أَرِنِي الخاتم الذي بين كتِفيك ، فإني من أطَبِّ الناس[27]. فقال له رسول الله ﷺ : ألا أُريك آية؟ قال: بلى. قال: فنظر إلى نخلة فقال: اُدعُ ذلك العَذْق[28]. قال: فدعاه ، فجاء ينقُز حتى قام بين يديه. فقال له رسول الله ﷺ : اِرجع. فرجع إلى مكانه ، فقال العامري: يا آل بني عامر ، ما رأيت كاليوم رجلا أسْحر.
[29]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا مع النبي ﷺ في سفر ،
فأقبل أعرابي ، فلما دنا منه قال رسول الله ﷺ : أين تريد؟ قال: إلى أهلي. قال: هل لك إلى خير؟ قال: ما هو؟ قال: تشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله. قال: هل من شاهد على ما تقول؟ قال: هذه الـسَّـمُرة[30]. فدعاها رسول الله ﷺ وهي بشاطئ الوادي فأقبلت تَـخُـــدُّ [31]الأرض خدًّا ، حتى كانت بين يديه فاستشهدها ثلاثا ، فشهدت أنه كما قال [32]، ثم رجعت إلى منبَـــتها ، ورجع الأعرابي إلى قومه وقال: إن يتبعوني آتيك بهم ، وإلا رجعتُ إليكَ فكنت معك
[33].
ومن ذلك أيضا أنه دعا شجرتين ليستتر بهما ليقضي حاجته فانقادت الشجرتان له فلما قضى حاجته رجعتا ،
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَح [34]، فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْضِي حَاجَتهُ ، فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ [35]مِنْ مَاءٍ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ ، فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى إِحْدَاهُمَا ، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا ، فَقَالَ: انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ[36] الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى ، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا لأَمَ بَيْنَهُمَا ، يَعْنِي جَمَعَهُمَا ، فَقَالَ: الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّه ، فالتأمتا.
[37]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
جاء جبريل عليه السلام ذات يوم إلى رسول الله ﷺ وهو جالس حزينٌ قد خُضِبَ[38] بالدماء ، قد ضربه بعض أهل مكة ، فقال: مالَكَ؟ فقال: فعل بي هؤلاء وفعلوا. فقال له جبريل عليه السلام: أَتُـحِبُّ أن أُريك آية؟ قال: نعم ، أرِني. فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال: اُدعُ تلك الشجرة. فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه ، فقال: قل لها فلترجع ، فقال لها فرجعت حتى عادت إلى مكانها. فقال رسول الله ﷺ : حسبي.
[39]
وعن معن بن عبد الرحمـٰن قال: سمعت أبي قال:
سألتُ مسروقاً: من آذنَ[40] النبي ﷺ بالجنِّ ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك – يعني ابن مسعود – أنه آذنت بهم شجرةٌ.
[41]