﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾
، فقال تعالى
﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً﴾
[1]
قال تعالى لنبيه
]قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي[
الآية
وقال
]قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير[
منها قوله تعالى
)لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا( ،
وقوله تعالى
﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾
[3]
]قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين[
[4]
، وقوله تعالى
]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون[
[5]
، وقوله تعالى
}يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم{.
قال ابن القيم رحمه الله في هذه الآية:
أمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله ، وأعاد الفعل إعلاماً بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عرضِ ما أَمر به على الكتاب ، بل إذا أَمر وجبت طاعته مطلقاً ، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه ، فإنه أوتي الكتاب ومثله ومعه.
ولم يأمر[6] بطاعة أولي الأمر استقلالا ، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول ، إيذاناً بأنهم إنما يُطاعُون تبعاً لطاعة الرسول ، فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته ، ومن أمر منهم بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة ،
كما صح عنه أنه قال:
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.وقال: إنما الطاعة في المعروف.[8] انتهى
[7] .[9]
3 .وأمر عند التنازع بالرد إلى الله والرسول ، أي الكتاب والسنة ،
فقال
﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً﴾
[10].
4 .وتواترت النصوص النبوية في الحث على اتباعه وطاعته ، والاهتداء بهديه والاستنان بسنته ، وتعظيم أمره ونهيه ،
ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال:
كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قال ابن القيم رحمه الله: إن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول ﷺ هو الرد إليه نفسه في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته.[11] قالوا: يا رسول الله ، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى.[12] وعنه أن رسول الله ﷺ قال: من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله.[13] المراجع
وقال: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم[14].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : والذي نفسي بيده ، لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرَد على الله كشِراد[15] البعير. قال: يا رسول الله ، ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى[16].
قال ابن حبان بعده: طاعة رسول الله ﷺ هي الانقياد لسنته ، مع رفض قولِ كل من قال شيئاً في دين الله جل وعلا بخلاف سنته ، دون الاحتيال في دفع السنن بالتأويلات المضمحلة والمخترعات الداحضة.[17]
وقال ﷺ :
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ... الحديث.
[18]
ففي هذا الحديث نرى أن النبي ﷺ أمر بالجِـد في لزوم السنة ، فِـعلَ من أمسك الشيء بين أضراسه ، التي هي في مؤخر الفم ، وعض عليه منعاً من أن يُــنتزع ، وذلك أشد ما يكون من التمسك بالشيء ، إذ كان ما يُـمسكه بأسنانه التي بمقاديم فمه أقرب تناولاً وأسهل انتزاعا.
وقد علَّم النبي ﷺ أصحابه أن يجيبوه إذا ناداهم ولو كان أحدهم في صلاة ، مما يدل على عِظـم أمـر إجـابة أمـر النبي ﷺ ،
فعن أبي سعيد بن المعــلى قال:
كنــت أصلي في المسجد ، فدعاني رسول الله ﷺ فلم أجبه ، فقلت: يا رسول الله ، إني كنت أصلي. فقال ألم يقل الله )استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم(.
[19]
5. وقد أخبر الله تعالى أن جميع الرسل أمروا أقوامهم بطاعتهم
﴿وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله﴾
[20]
، ومن هذا قول نوح لقومه أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون [21]، وهكذا قال غيره من الرسل.
6. وطاعة الرسول سيسأل عنها الإنسان يوم القيامة
﴿ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين﴾.
[22]
فإن كان مطيعا للرسول فهذا ثوابه:
﴿ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما﴾ ،
[23]
وقال تعالى
﴿ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم﴾
[24] .
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:
إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: (يا قوم ، إني رأيت الجيش بعينيَّ ، وإني أنا النذير العُريان [25] ، فالنجاء[26] ) ، فأطاعه طائفة من قومه ، فأدلجوا[27] فانطلقوا على مهلهم فنَجَوا ، وكذَبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مَـثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ، ومَـثل من عصاني وكذَّب بما جئت به من الحق[28].
وإن كان عاصيا لرسوله ندم وعض على يديه ،
﴿ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتـىٰ ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا﴾.
[29]
قال الله تعالى
﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً﴾
[30].
يدل ذلك قول الله تعالى
﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾
[31]
أن الله سبـحانه قال في كتابه
﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله﴾
قال ابن كثير رحـمه الله: هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله ﷺ في أقواله وأفعاله وأحواله ، ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي ﷺ يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظار الفرج من ربه عز وجل.[32]
ومن هذا قوله ﷺ :
صلوا كما رأيتموني أصلي.
[33]
وقوله ﷺ :
لتأخذوا عني مناسككم
.[34]
وقال الحســن البصري رحمه الله: ليس الإيمان بالتــــمني والتحــلي ، ولكنه ما وقر في القلوب ، وصدقته الأعمال.[35]
يدل ذلك قول الله تعالى
﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾
[36] ،
قال في كتابه
﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله﴾
فأنـزل الله هذه الآية
﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾
الآية
كما ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال:
(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
ولهذا قال
]إن كنتم تحبون الله فاتبــعوني يحببــكم الله[
وقال أيضا: ثباتها إنما يكون بمتابعة الرسول في أعماله وأقواله وأخلاقه ، فبحسب هذا الاتباع يكون منشأ هذه المحبة وثباتها وقوتها ، وبحسب نقصانها يكون نقصانها ، كما تقدم أن هذا الاتباع يوجب المحبة والمحبوبية معا ولا يتم الأمر إلا بهما ، فليس الشأن في أن تحب الله ، بل الشأن في أن يحبك الله ، ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهرا وباطنا ، وصدَّقته خبرا ، وأطعته أمرا ، وأجبته دعوة ، وآثرته طوعا ، وفَنِيــْتَ عن حُكمِ غيره بحكمه ، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته ، وعن طاعة غيره بطاعته ، وإن لم يكن ذلك فلا تَــتَــعَــنَّ ، وارجع من حيث شئت فالتمس نورا ، فلست على شيء[42].
قال تعالى
﴿قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي﴾ الآية)
[43].[44]
قال تعالى
﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه﴾
[45].
فقال ﴿واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه﴾
فيكون كقوله
]ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة[
وقوله
]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم[
وقوله
]فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل[
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
لما أنزلت عﷺلى رسول الله ]للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ به اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ[[49]، قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ ، قال: فأتوا رسول الله ﷺ ثم بركوا على الرُّكَب فقالوا: أي رسول الله ، كلِّـفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله ﷺ : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا إليك المصير.
فأنزل الله في إثرها
]آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيْر[.
فأنزل الله عز وجل
]لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسَاً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ * رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا[.
]رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا[.
]رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ[.
]وَاعفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ[
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النَّبِي ﷺ :
إن الله تعالى حـــــــــرم الخمر ، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع.قال: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طريق المدينة ، فسفكوها.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ أمر مناديا فنادى في الناس:
(إن الله ورسوله ينهيانِكم عن لحوم الحمر الأهلية) ؛ فأُكفئت القدورُ وإنها لتفور باللحم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل ، لما أنزل الله ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ شققن مُروطِهن فاختمرن بها. وفي رواية: أخذن أُزُرَهن فشققنها من قِـــبَل الحواشي فاختمرن بها.
وعن أبي سعيد الـخدري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ أرسل إلى رجل من الأنصار
، فجاء ورأسه يقطر ، فقال النبي ﷺ : لعلنا أعجلناك؟ قال: نعم. فهذا كان في حال جماعه مع أهله ، فلما دعاه ﷺ استجاب له ولم ينتظر الإنزال ، فذهب واغتسل وسارع لنداء النبي ﷺ له.
فأنزل الله عز وجل
]ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين[
إلى قوله
]ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، والله غفور رحيم[.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما:
استأذن الحُـر لعيينة بن حصن ليدخل على عمر ، فأذِنَ له عمر ، فلما دخل قال: هَـيْ يا ابن الخطاب ، فوالله ما تعطينا الــجزْل ، ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حتى همَّ به.فقال له الحُـر: يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال لنبيه ﷺ )خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين[ ، وإن هذا من الجاهلين.
والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه [54]، وكان وقَّافاً عند كتاب الله.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه:
شهِدت من المقداد بن الأسود مشهدا لَأن أكون صاحبه أحب إلي مما عُدِل به ، أتى النبي ﷺ وهو يدعو على المشركين ، فقال: لا نقول كما قال قوم موسى )اذهب أنت وربك فقاتلا( ، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك ، فرأيت النبي ﷺ أشرق وجهه وسره ، يعني قوله[55].
وعن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
سمعت رسول الله ﷺ : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنَّكم إليها. قال: فقال بلال بن عبد الله بن عمر: والله لنمنعُهن[56]. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئاً ، ما سمعته سبه مثله قط ، وقال: أُخبرك عن رسول الله ﷺ ، وتقول: والله لنمنعهن؟!
وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يخذِف
، فقال له: لا تخذِف[57] ، فإن رسول الله ﷺ نهى عن الخذْف ، أو كان يكره الخذف ، وقال: (إنه لا يُصاد به صيد ، ولا يُـنكأ به عدو ، ولكنها قد تكسرُ السِّن ، وتَـفْقأُ العين). ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له: أحدثك عن رسول الله ﷺ أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف؟! لا أكلمك كذا وكذا[58].
وعن عطاء بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه باع سِقاية[59] من ذهب أو ورِق بأكثر من وزنــــها
، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن مثل هذا ، إلا مثلاً بمثل. فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأساً. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية ، أنا أخبره عن رسول الله ﷺ ، ويخبرني عن رأيه ، لا أساكنك بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له ، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلا بمثل ، وزنا وزن.