الحق الثاني: طاعته فيما أمر ، وفيه أحد عشر مبحثا الجزء الثانى

تحت قسم: النصر المؤزر للنبى الموقر

وقد بلغ عمر رضي الله عنه أن رجلاً يصوم الدهر ، فأتاه فَعَلاه بالدِّرَّة وجعل يقول: كُلْ يا دهري. وقد سار التابعون على طريقة الصحابة في اتباعهم لأمر النبي ﷺ ، فقد قال الزهري: مِـن الله الرسالة ، وعلى الرسول ﷺ البلاغ ، وعلينا التسليم. وقال سهل بن عبد الله التستري: أصولنا ستة أشياء: التمسك بكتاب الله تعالى ، والاقتداء بســنة رســول الله ﷺ ، وأكل الحــلال ، وكــف الأذى ، واجتــناب الآثام ، والتوبة ، وأداء الحقوق. وقال: من كان اقتداؤه بالنبي ﷺ لم يكن في قلبه اختيار لشيء من الأشياء ، ولا يجول قلبه سوى ما أحب الله ورسوله ﷺ. وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي[1] رحمه الله في «العقيدة الطحاوية»: (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام) ، أي لا يثبت العبد على دين الإسلام إلا بالتسليم

لنصوص الوحيين والانقياد إليها وعدم الاعتراض عليها بالرأي أو العقل أو القياس[2]. 11. والأسباب المعينة على الطاعة كثيرة ، 

وأهمها ثلاثة: الأول: 

اللجوء والتضرع إلى الله عز وجل بأن يعينه على طاعة النبي ﷺ ، وإظهار الافتقار له في ذلك. من أعظم الأسباب المعينة للعبد على اتباع ما جاء به نبينا محمد ﷺ ؛ لجوء العبد إلى ربه وتضرعه بين يديه وإظهار الافتقار والحاجة إليه ، بأن يهديه إلى الصراط المستقيم ، ويعينه على العمل ، وهذا هو دعاء المسلم في صلاته دائما ، ﴿إهدنا الصراط المستقيم﴾ ، ومن اشتبه عليه الحق أو أشكل عليه فهمه ، فلا يتفرد بفَهمٍ خاص ، بل عليه أن يدع ُربه أن يهديه للحق ، كما كان يفعل النبي ﷺ ،

فعن عائشة رضي الله عنها قالت:

كان [3]إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بيـن عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدنـي لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم[4]. وكان من دعائه أيضاً: اللهم انفعني بما علمتني ، وعلِّمني ما ينفعني ، وزدني علماً[5].

الثاني:

 تدبر آيات القرآن الكريم قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي[6] في تفسيره لقوله تعالى ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾[7] أي: فهلا يتدبر هؤلاء المعرضون لكتاب الله ، ويتأملونه حق التأمل ، فإنهم 

لو تدبروه لدلهم على كل خير ، ولحذرهم من كل شر ، ولملأ قلوبهم من الإيمان وأفئدتهم من الإيقان ، ولأوصلهم إلى المطالب العالية والمواهب الغالية ، ولبين لهم الطريق الموصـلة إلى الله وإلى جنته ومكملاتها ومفسداتها ، والطريق الموصلة إلى العذاب ، وبأي شيء يُحذر ، ولعرّفهم بربهم وأسمائه وصفاته وإحسانه ، ولشوقهم إلى الثواب الجزيل ، ورهبهم من العقاب الوبيل. ﴿أم على قلوب أقفالها﴾ أي: قد أغلق ما فيها من الإعراض والغفلة والإعتراض ، وأقفلت فلا يدخلها خير أبداً ، هذا هو الواقع. الثالث: صحبة طلبة العلم والعلماء وحضور مجالسهم والاستفادة من دروسهم العلمية  صحبة أهل السنة والجماعة المتمسكين بما كان عليه رسول الله ﷺ وصحابته من أعظم الأسباب التي تعين على الاتباع والاستمساك بالحق ، وذلك لأن الصاحب ساحب للمرء وقائد ، فالخليل يحمل صاحبه على ما هو عليه ، فإن كان صاحب سنة واتِّباع ؛ حَـمَله على ذلك ، وإن كان صاحب بدعة وفسوق حمله على ذلك ،

قال رسول الله ﷺ :

الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل

[8].

عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:

مثل الجليس الصالح والسوء كحامل الـمسك ونافخ الكير[9] ، فحامل المسك إما أن يُـحذِيك [10]، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة[11].

ولذا استفاضت أقوال السلف في الحث على صحبة أهل الاتباع والسنة وترك صحبة سواهم ، ومما يدل على تأثير الصحبة ما قاله يوسف بن أسباط: كان أبي قدرياً ، وأخْوالي روافض ، فأنقذني الله بسفيان. وعن أيوب قال: إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة. وعن ابن شوذب قال: إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يواخي صاحب سنة يحمله عليها. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ : إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا. ومن أقوال السلف في ذلك:  عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أغد عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ، ولا تكن الرابع فتهلك. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: لا يزال الناس بـخير ما بــــقي الأول حتى يتعلم الآخر ، فإذا هلك الأول قبل أن يتعلم الآخر هلك الناس. فائدة: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وحق الله تعالى في الطاعة ستة أمور ؛ وهي الإخلاص في العــــــمل ، والنصيحة لله فيه ، ومتابعة الرسول فيه ، وشهود مشهد الإحسان فيه ، وشهود منة الله عليه ، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله.

وانظر للفائدة أيضا ما قاله الشنقيطي رحمه الله في هذا الباب في كتابه «أضواء البيان» ، تفسير سورة محمد ، تفسير

قوله تعالى

]أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها{

، من عند قوله: (والحاصل أن نصوص الكتاب والسنة التي لا تُـحصى واردة بإلزام جميع المكلفين بالعمل بالكتاب وسنة رسوله ﷺ ) إلى قوله: (بل أدلة الكتاب والسنة دالة على وجوب تدبر الوحي وتفهمه وتعلمه والعمل به بكل ما عُلِمَ منه علما صحيحا ، قليلا كان أو كثيرا).

المراجع

  1. هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الحجري المصري الطحاوي الحنفي ، مات سنة 321 . انظر «السير» (15/27).
  2. وانظر شرح ابن أبي العز لعبارة الطحاوي رحمهما الله.
  3. أي النبي ﷺ .
  4. رواه مسلم (770).
  5. رواه الترمذي (3599) وابن ماجه (3833) ، وصححه الألباني رحمه الله.
  6. هو الشيخ العلامة المفسر الفقيه عبد الرحمـٰن بن ناصر السعدي ، من فحول علماء نجد ، استوطن بلدة عنيزة من مدن القصيم ، ولد عام 1307 وتوفي عام 1376 هجري ، تتلمذ على يده عدد من الطلبة صاروا فيما بعد من علماء المسلمين ، كالشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل ، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمـٰن البسام ، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وغيرهم ، رحمهم الله. 
  7. انظر ترجمته في كتاب «علماء نجد خلال ثمانية قرون» ، للشيخ عبد الله بن عبد الرحمـٰن البسام رحمه الله.
  8. سورة محمد: 24 .
  9. رواه أبو داود (4833) والترمذي (2378) ، وصححه الألباني رحمه الله.
  10. نافخ الكير هو الحدَّاد.يُحذيك أي يعطيك. انظر «النهاية».
  11. رواه البخاري (5534) ومسلم (2628).