﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين﴾
الذب عن دين النبي ﷺ يتضمن أمورا ستة:
1. حفظ سنته من الضياع ، وقد بذل أئمة الإسلام رحمهم الله جهودا عظيمة في حفظ مخطوطات الحديث النبوي وآثار الصحابة والتابعين على مر القرون إلى وقتنا هذا الذي قامت فيه جهات حكومية متخصصة في حفظ السنة ، من جامعات ومتاحف ومراكز مخطوطات ونحوها.
2. ومن الذب عن سنته حمايتها من انتحال المبطلين وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين ، وهو باب عظيم من أبواب الذب عن الدين ، وقد قام به خير قيام علماء المسلمين منذ ظهرت البدع ،
عملا بوصية النبي ﷺ :
إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريُّون [1] وأصحاب ، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلوف [2]، يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
[3]
هذه الأحاديث والآثار تبين صفة أَتباع الأنبياء ، فهم يطيعون أنبيائهم ويأخذون بسنتهم ويأتمرون بأمرهم ، ولا يحيدون عن ذلك ولا يخالفونه إلى ما سواه.
وأما المخالفون لهم فمنهم الذين ابتدعوا أموراً في الدين لم تشرع لهم ، وأخذوا يتعبدون الله بها ، وهم المشار إليهم بقوله: (ويفعلون ما لا يؤمرون) ، وهؤلاء ينطبق عليهم أيضا
قوله تعالى
[قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً].
والذب عن الدين لا يقوم به إلا خواص المسلمين ، جعلنا الله منهم ، قال محمد بن المرتضى اليماني رحمه الله تعالى – الشهير بابن الوزير - في مقدمة كتابه «إيثار الحق على الخلق» ما نصه:
المحامي عن السنة ، الذاب عن حماها ؛ كالمجاهد في سبيل الله تعالى - ، يُعد للجهاد ما استطاع من الآلات والعدة والقوة ،
كما قــال الله سبحانه
﴿واعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾
[4]
، وقد ثبت في الصحيح أن جبريل عليه السلام كان مع حسان بن ثابت يؤيده ما نافح عن رسول الله ﷺ في أشعاره ، فكذلك من ذب عن دينه وسنته من بعده ، إيماناً به وحباً ونصحاً له ورجاء أن يكون من الخلف الصالح الذين
قال فيهم رسول الله ﷺ :
(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين)
، والجهاد باللسان أحد أنواع الجهاد وسبله.
وقال الشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمـٰن بن حسن آل الشيخ[5]:
إن الجــهاد بالعلم والحجة مــقدم على الجهاد باليد والقتال ، وهو من أظـهر شــعائــر السنة وآكـدها ، وإنما يختص به في كل عصر ومِصر أهل السنة وعسكر القرآن وأكابر أهل الدين والإيمان ، فعليك بالجد والاجتهاد فيه ، واعتد به من أفضل الزاد للمعاد[6].
3. ومن الذب عن سنته أيضاً الرد على الطاعنين في سنته ، المتنقصين لها ، من علمانيين وقرآنيين ورافضة وغيرهم ، وبيان أكاذيبهم ودسائسهم.
4. ومن الذب عن سنته أيضاً: الرد على شبهات المستهزئين بما ثبت من هديه في القول أو الفعل أو الاعتقاد ، كاستهزاء بعضهم بالحجاب ، أو باللحية ، أو برفع الإزار فوق الكعبيـــن ، أو بالسواك ، ونحوها.
5. ومن الذب عن سنة النبي ﷺ تنقيحها مما أدخله المبطلون فيها من الأحاديث الضعيفة والمكذوبة على النبي ﷺ ، وبيان صحيحها من سقيمها ، وقد كان لأئمة الحديث القدَح المعلى في تنقيح السنة ، وتمييز الطيب من الخبيث ، وفحص الرواة ومعرفة أحوالهم.
والاستهزاء بالسنة الصحيحة الثابتة والطعن بها كفر يخرج من الملة ،
قال تعالى
﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين﴾
[7].
6. ومن الذب عن دينه الجهاد في سبيل الله ، وكتب الحديث عامرة بذكر غزوات النبي ﷺ ونصرة الصحابة له ، وكذا كتب السير والتاريخ فيها الكثير من أخبار الغزوات في عهد الخلفاء وعهد التابعين ومن بعدهم ، والجهاد باق إلى يوم القيامة ، وهو من علامات صدق الإيمان وبذل النفس لنصرة الإسلام ، والكلام فيه يطول ، يوجد في مظانه.
ومن أروع ما سطره التاريخ في الذب عن دين الإسلام في ساحات الجهاد
ما قاله أنس ابن النضر يوم أحد لما انكشف المسلمون:
اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني أصحابه - ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ، ثم تقدم فاستقبله سعد ، فقال: يا سعد بن معاذ ، الجنة ورب النضر ، إني أجد ريحها من دون أُحُد ، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس بن مالك راوي الحديث: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل ، وقد مثّـل به المشركون ، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه[8].
[9]
والتهاون في الذب عن شريعة رسول الله ﷺ يعتبر من الخذلان الذي يدل على ضعف الإيمان ، أو زواله بالكلية ، فمن ادعى الحب ولم تظهر عليه آثار الغيرة على حرمته وعرضه وسنته ؛ فهو كاذب في دعواه.