سمعت النبـي ﷺ قبل أن يموت بخمس[1] يقول: ... ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبـيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تــتخذوا القبور مساجد ، فأني أنهاكم عن ذلك
المبحث الثامن: بيان مظاهر محرمة في الغلو بالنبي ﷺ مما هو دون الشرك بالله ، ورؤوسها ثلاثة عشر مظهرا
وهناك مظاهر محرمة في الغلو بالنبي ﷺ تدخل في حيز البدع ، وبعضها في حيز الكبائر التي دون البدع ، وليست هي من نواقض الإيمان بالنبي ﷺ ، ولا مكفرات بحد ذاتها ، ولكنها تؤدي إليه ، ففاعلها على خطر عظيم ، فلهذا حذر منها النبي ﷺ ، لأن من قواعد الشريعة أن ما كان وسيلة إلى محرم فهو محرم ، والوسائل لها أحكام المقاصد.
المظهر الأول: اتخاذ قبره مسجدا ، أي مكانا يصلى فيه ، وهذا متعذر بحمد الله بسبب الحجرة النبوية والحاجز الحديدي المحيط بها ، والدليل على تحريم اتخاذ قبر النبي ﷺ مسجدا
حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال:
سمعت النبـي ﷺ قبل أن يموت بخمس[1] يقول: ... ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبـيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تــتخذوا القبور مساجد ، فأني أنهاكم عن ذلك
[2]
.
ولهذا دَفن الصحابة رسول الله ﷺ في حجرة عائشة خلاف ما اعتادوه من الدفن في المقبـرة لئلا يُتخذ قبـره مصلى ، وقد صرحت عائشة بهذه العلة كما سيأتي ، رضي الله عنها وعن أبيها.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله ﷺ في مرضه الذي لم يقم منه: لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد.
قالت: لولا ذلك أُبرز قبـره غير أنه خُشي أن يتخذ مسجدا[3].
المظهر الثاني: بناء مسجـد على قبره ﷺ ، وهذا لم يحصل بحمد الله ، فالنبي ﷺ مدفون بحجرة عائشة ، قد كان بين الحجرة والمسجد باب يدخل منه النبي ﷺ ويخرج ، ودليل تحريم بناء مسجـد على قبره ﷺ
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن أم حبـيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ :
إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبـره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة
[4].
قال ابن عبد البر رحمه الله: هذا يُحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء والصالحين مساجد[5].
المظهر الثالث: دعاء الله عند قبره ﷺ ، والذين يفعلون هذا يظنون أن الدعاء عند قبره قريب للاستجابة ، وهذا قول على الله بغير علم ، ولهذا أنكره سبط النبي ﷺ ،
فقد رآى علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب رجلاً يجئ إلى فرجة كانت عند قبـر النبـي ﷺ فيدخل فيها فيدعو فنهاه فقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبـي عن جدي عن رسول ﷺ قال:
لا تــتخذوا قبـري عيداً ، ولا بـيوتكم قبوراً ، وسلموا عليَّ ، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم
[6].
قال ابن تيمية رحمه الله: فهذا علي بن الحسين ، زين العابدين ، وهو من أجل التابعين علما ودينا ، حتى قال الزهري: ما رأيت هاشميا مثله ، وهو يذكر هذا الحديث بإسناده ، ولفظه: لا تتخذوا بيتي عيدا ، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم.
وهذا يقتضي أنه لا مزية للسلام عليه عند بيته ، كما لا مزية للصلاة عليه عند بيته [7]، بل قد نهى عن تخصيص بيته بهذا وهذا[8].
المظهر الرابع: طلب الدعاء منه ﷺ بعد مماته ، وهذا سفه في العقل ، لأن النبي ﷺ قد مات بنص القرآن وإجماع الصحابة ، والميت ليس له اتصال بالحياة الدنيا البتة ، بل هو في حياة برزخية ، لا يعلم كُــنهها إلا الله ، ولو أن النبي ﷺ يدعو لمن طلب منه الدعاء لفعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم ، لاسيما وقد دهمتهم نوائب ، وأصابتهم خطوب ، ولم يرد عنهم طلب
دعاء ولا غيره ، بل يُصلون ويُسلمون عليه في اليوم والليلة ، ويتبعون أمره ويجتنبون نهيه ، ولم يرد عنهم غير ذلك البتة.
المظهر الخامس: الحلف به ﷺ ، وهذا محرم ، وقد يكون شركا مخرجا من الملة وقد لا يكون بحسب قصد الحالف ، فإن كان الحـالف معظما للمحلوف به كما يعظم الله فقد أشرك ، لأنه ساوى بين الله وبين خلقه في المنزلة ، وإن كان دون ذلك فهو من الشـرك الأصغر الذي هو من كبار الذنوب ، عافانا الله من ذلك ، والدليل على تحريم الحلف بغير الله
حديث سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع رجلا يقول:
لا والكعبة ، فقال ابن عمر: لا يُحلف بغير الله ، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك
[9].
المظهر السادس: اتخاذ قبره ﷺ عيدا ، أي معاودة قبره كل يوم أو كل أسبوع ونحو ذلك ، فهذا محرم لأنه من الزيادة في التعظيم فوق القدر المشروع ، ودليل التحريم
حديث أبـي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :
لا تــتخذوا قبـري عيدا ، ولا تجعلوا بـيوتكم قبورا ، وحيثما كنتم فصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني
[10].
والمأثور عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يزور القبر النبوي كلما جاء من سفر أو أراد سفرا ، وعلى هذا فما يفعله بعض الناس - من زوار المدينة خصوصا – من ارتياد القبر النبوي كل يوم ، أو بعد كل فريضة ؛ فهذا مخالف للشريعة ، وليس من التعظيم المشروع في شيء.
المظهر السابع:
السفر إلى قبره ﷺ ، وهذا محرم ، لقوله عليه الصلاة والسلام:
لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ، ومسجد الأقصى ، ومسجدي هذا[11].
[12]
فعـلى هذا فمن أراد السفر للمدينة فلتكن نيته شد الرحال للمسجد النبوي لا القبر النبوي ، وبعد زيارة المسجد النبوي يجوز له زيارة القبر النبوي ومسجد قباء ، ولكن لا يجعل ينته لهما ابتداء.
المظهر الثامن: تعظيم الأماكن التي مر بها ﷺ أو صلى عندها ، فهذا محرم ، لأنه من التعلق بالجمادات ، فعن المعرور بن سُوَيد قال: خرجنا مع عمر في حَجة حَجها ، فقرأ بنا في الفجر ]ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل[ ، و ]لإيلاف قريش[ ، فلما قضى حَجّه ورجع والناس يبتدرون [13]، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجدٌ صلى فيه رسول الله ﷺ .
فقال: هكذا هلك أهل الكتاب ، اتـخذوا آثار أنبيائهم بِــيَعاً [14]، من عَرضت له منكم الصلاة فليُصلِّ ، ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة فلا يُـصلّ[15].
وفى روايةٍ: أنه رأى أناسٌ ينزِلون فيُصلون في مسجدٍ ، فسأل عنهم فقالوا: مسجدٌ صلى فيه النبـي ﷺ .
فقال: إنما هلك من كان قبلكم اتخذوا آثار أنبـيائهم بِـيعاً ، من مرّ بشيء من المساجد فحضرت الصلاة فليُصل ، وإلا فليمضِ[16].
ولما بلغه أن الناس ينتابون الشجرة التي بايع تحتها رسول الله ﷺ أصحابه أرسل فقطعها ، رواه ابن وضاح في كتابه فقال: سمعت عيسى بن يونس يقول: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي ﷺ فقطعها ، لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها ، فخاف عليهم الفتنة[17].
المظهر التاسع: التبرك بقبره ﷺ ، بالتمسح بجدران حجرته والحديد المحيط بها ونحو ذلك ابتغاء البركة [18]، وهذا باطل من وجهين ؛ الأول أن الله لم يجعل البركة في التمسح بها ، ولم يرد به دليل لا في الكتاب ولا في السنة ، ثم إنه من التعلق بالجمادات ، بل قد ورد النص في النهـي عن ذلك ،
فعن أبـي واقد الليثي ، أن رسول الله ﷺ خرج وأصحابه إلى حنين
، فمروا بشجرة خضراء عظيمة يقال لها ذات أنواط ، كان المشركون يعكفون عندها ويتبركون بها ويعلقون عليها سيوفهم ، معتقدين أن ذلك يزيدها مضاءً فقالوا: يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط[19]. فقال النبي ﷺ : سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى }اجعل لنا إلـٰها كما لهم آلهة{ ، والذي نفسي بـيده لتركبن سنة من كان قبلكم
[20].
وروي عن أنس رضي الله عنه أنه رأى رجلا وضع يده على قبـر النبـي ﷺ فنهاه وقال:
ما كنا نعرف هذا على عهد رسول الله ﷺ
[21].
وروى البيهقي في «شعب الإيمان» عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر بدأ بقبر النبي ﷺ ، فصلى عليه وسلم ودعا له ولا يمس القبر ، ثم يسلم على أبي بكر ، ثم قال: السلام عليك يا أبتِ[22].
وروى أبو الحسن علي بن عمر القزويني في «أماليه» عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكره مس قبر النبي ﷺ [23].
المظهر العاشر: التوسل به ﷺ ، أي بذاته ، كقول: (اللهم إني أتوسل بجاه نبيك أن ترزقني الولد أو تسـقينا الغيث) ، فهذا من التوسل البدعي ، لأن النبي ﷺ لم يُعلّمنا أن نتوسل بذاته بــل علــمنا أن نتوسل بثلاثة وســائل: إما بطلب الدعاء منه ﷺ ، وهذا متعذر بعد موته ، أو بعمل صالح قام به الداعي نفسه ، أو بأسماء الله الحسنى ، أما التوسل بأعمال الآخرين أو بذواتهم فلم يرد إطلاقا ، لا في الكتاب ولا في السنة ، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة فالتعبد به بدعة كما تقرر آنفا.
المظهر الحادي عشر: ومن مظاهر الغلو بالنبي ﷺ اعتقاد أن الله ما خلق الدنيا إلا لأجله ، وقد جاء في تقرير هذا الأمر حديث موضوع مكذوب على النبي ﷺ ،
وهو الحديث الذي رواه ابن عساكر [24]وابن الجوزي في «الموضوعات» [25]عن سلمان الفارسي رضي الله عنه وفيه:
ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأُعرِّفهم كرامتك ومنزلتك عندي ، ولولاكَ يا محمد ما خلقتُ الدنيا. ورواه الديلمي [26]مختصرا عن ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه: وعزتي وجلالي لولاك ما خلقتُ الجنة ، ولولاكَ ما خلقتُ الدنيا.
والجواب أن هذا حديث موضوع ، كما قال السيوطي في «اللآلىء المصنوعة» [27]، والألباني في «الضعيفة»[28].
والحق الذي لا مرية فيه أن الحكمة من خلق الجنة والنار والناس كلهم هي العبادة وليست خلق محمد ﷺ ، هذا مع الإقرار بِعِظم قدره ﷺ، والدليل
قوله تعالى
[وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون]
، وقوله
[وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ليبلوكم أيكم أحسن عملا]
المظهر الثاني عشر: ومن مظاهر الغلو بالنبي ﷺ اعتقاد أن الله خلقه من نور ، وقد نسب بعضهم إلى عبد الرزاق في «المصنف»
حديثا عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال:
قلت يا رسول الله: بأبي أنت وأمي ، أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء. قال: يا جابر ، إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره ، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى ، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس ، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسَّم ذلك النور أربعة أجزاء، فخلَق من الجزء الأول القلم ، ومن الثاني اللوح ، ومن الثالث العرش ، ثم قسَّم الجزء الرابع أربعة أجزاء ، فخلق من الجزء الأول حملة العرش ، ومن الثاني الكرسي ، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسَّم الجزء الرابع أربعة أجزاء ، فخلق من الأول السماوات ، ومن الثاني الأرَضين ، ومن الثالث الجنة والنار ، ثم قسَّم الرابع أربعة أجزاء ؛ فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله ، ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد: لا إلـٰه إلا الله ، محمد رسول الله ...الخ.
والجواب: أن هذا الحديث باطل ، قد بـيَّــن بطلانه الشيخ العلامة محمد أحمد عبد القادر الشنقيطي بدلالة العقل والنقل في رسالته المسماة «تنبيه الـحُذاق على بـــــــــــــــطلان ما شاع بين الأنام من حديث النور الـمنسوب لـمصنف عبد الرازق» ، وقد قدم لها الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – ، وقال:
وكل من تأمل الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة علِم يقيناً أن هذا الخبر من جملة الأباطيل التي لا أساس لها من الصحة ، وقد أغنى الله نبيه ﷺ عن مثل هذا بما أقام من الدلائل القاطعة ، والبراهين الساطعة ، والمعجزات الباهرة على صحة نبوته ورسالته عليه الصلاة والسلام ، كما أغناه عن هذا الخبر المكذوب وأشباهه بما وهبه من الشمائل العظيمة والصفات الكريمة والأخلاق الرفيعة التي لا يشاركه فيها أحد من قبله ولا ممن بعده ، فهو سيد ولد آدم ، وخاتم المرسلين ، ورسول الله إلى جميع الثقلَين ، وصاحب الشفاعة العظمى ، والمقام المحمود يوم القيامة ، إلى غير ذلك من خصائصه وشمائله وفضائله الكثيرة صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله ونصر دينه وذبّ عن شريعته وحارب ما خالفها[29].
المظهر الثالث عشر: الاحتفال بذكرى مولده ﷺ ، وهذا الـمظهر يعتبر من المظاهر البدعية المشتهرة في بلاد المسلمين ، وقد أنكره علماء الإسلام على مر العصور ، وبينوا أنه من التشبه بالكفار من النصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، فإن النصارى تحتفل بيوم مولد عيسى ويتخذونه عيداً ، وذلك بإيقاد الشموع وصنع الطعام وارتكاب المحرمات وفعل الموبقات من شرب للخمور وفعل الفواحش وغير ذلك من القبائح.
وقد صرح بعضهم معللاً مشروعية الاحتفال بفعل المولد بقوله: (إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر) ، وهذا الكلام مردود على صاحبه ، فقد حذر النبي ﷺ من مشابهة اليهود والنصارى في عباداتهم وخصوصياتهم ،
فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ :
لتتبعن سنن من كان قبلكم ، شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله ، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟[30] أي فمن القوم غير أولئك.
ثم إن المولد النبوي لو كان خيرا لفعله الصحابة والتابعون الذين هم أشد الناس تعظيما للنبي ﷺ ، والواقع أن المسلمين لم يعرفوه في القرون الثلاثة المفضلة الأولى ، ولم يدخل عليهم إلا في بداية القرن الرابع ، فلو كان خيرا لسبق إليه الصحابة والتابعون ، فالأمر كما قال الأول:
وخير الأمور السابقات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع
والموالد تتضمن منكرات عدة ، على رأسها القصائد الشركية ، والتي تتضمن عبارات التوسل والاستشفاع والاستغاثة بالنبي ﷺ ، ووصفه بالمتصرف في هذا الكون وأول الموجودات ، والقطب الذي تدور عليه الأفلاك ، والغاية التي من أجلها وجد هذا الكون ، وتشبيهه بالله في أمور ، كعلم الغيب ، وتدبير أمر الآخرة ، إلى غير ذلك من الافتراءات والأباطيل التي شُحنت بها تلك القصائد.
وأشهر القصائد التي تتضمن ذلك وصارت يتناقلها الناس على مر القرون هي القصيدة المعروفة بـ «البردة» لشاعر يقال له محمد بن سعد البوصيري المصري ، عاش في الفترة ما بين 608 – 696 هـجرية ، ألف هذه القصيدة ، والتجأ بأبيات فيها إلى النـبي ﷺ ، والتاذ به من كربات يوم القيامة ، وطلب منه الشفاعة في الآخرة ، وادّعى بأن الدنيا والآخرة ملك له ، وأنه يعلم الغيب ، وذكر طوام عدة ، وأقوال كفرية تقشعر لسماعها جلود الموحدين ، وهذه القصيدة كثيرا ما يرددها أهل الموالد ، والتي يسمونها بالموالد النبوية ، يظنونها تقـربهم إلى الله ، وتحيي في قلوبهم محبة النبي ﷺ ، وهي في الحقيقة لا تزيدهم إلا بعدا ، بل هي الكفر بعينه.
وقد أنكر كثير من أهل العلم عليه قصيدته أشد الإنكار وحذروا الناس منها ، إذ أن التفوُّه بتلك الأبيات والرضا بسماعها مفضٍ إلى الكفر ، وهو أعظم من منكر حضور المولد بحد ذاته ، منهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب [31]رحمه الله في «تفسير سورة الفاتحة» ، والشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب[32] في كتابه «تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد»[33] ، وكذا العــلامة
الــمجــدد عبد الرحـمـٰن بن حــســن [34]في كتابه «فتح الـمــجــيد لشـرح كـــتاب التــوحــيد» [35]، والشــيخ عــبد اللطيف بن عبد الرحمـٰن بن حسن [36]في كتابه «منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس» ، وكذا العلامة عبد الله بن عبد الرحمـٰن أبابطين [37]في كتابه «الرد على البردة» [38]،
والعلامة الشوكاني[39] في كتابه «الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد» ، والعلامة محمود شكري
الألوسي [40]في كتابه «غاية الأماني في الرد على النبهاني» [41]، والشيخ عبد الرحمـٰن بن محمد بن قاسم [42]في كتابه «السيف المسلول على عابد الرسول» ، والشيخ محمد بن عثيمين[43] في كتابه «القول المفيد على كتاب التوحيد» ، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان [44]في كتابه «إعانة المستفيد بشرح كتاب
التوحيد» ، والشيخ د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف حفظه الله في مقال له [45]، وغيرهم [46]، رحم الله أمواتهم وحفظ أحياءهم.
تنبيه هام
والموالد - تتضمن منكرات عدة غير التغني بتلك القصائد ، فهم يعتقدون أن النبي ﷺ يحضر المولد إما بجسده - كما يدعيه بعضهم - أو بروحه ، كما يدعيه البعض الآخر منهم.
ومن المنكرات التي تتضمنها الموالد الرقص الصوفي ، وضرب الدفوف ، والتزمير بالمزامير ، والذكر البدعي وليس هذا بغريب ، فالإنحراف تتسع دائرته شيئا فشيئا ، وأهل البدع قلبوا دين الله ، فجعلوا المنكر معروفا والمعروف منكرا ، وقلدهم في ذلك جهلة الناس وضعاف النفوس والعقول من العامة والدهماء.
وللفائدة ؛ فقد جمع أحد الباحثين بعض فتاوى أهل العلم في حكم الاحتفال بالمولد النبوي فوقعت في مجلدين ، فليرجع إليها من أراد الاستفادة[47].
وفيما يلي فتوى جامعة للشيخ صالح بن فوزان الفوزان ، حفظه الله ، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في حكم الاحتفال بما يسمى بالمولد النبوي.