{ٱدْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ } (2)
قال إبراهيم يوماً لأبي ضمرة الصوفي، وقد رأه يضحك:
يا أبا ضمرة لا تطمعن فيما لا يكون.
فقال له: يا أبا إسحاق، إيش معنى هذا؟
فقال: ما فهمته؟
قال: لا.
قال: لا تطمعن في بقائك وأنت تعلم أن مصيرك إلى الموت، فلم يضحك من يموت، ولا يدري إلى أين يصير بعد موته، إلى جنة أم إلى نار؟
ولا تيأس مما يكون، إنك لا تدري أي وقت يكون الموت، صباحاً أو مساء، بليل أو نهار؟ (1).
قال إبراهيم:
الزهد ثلاثة: واجب، ومستحب، وزهد سلامة.
فأما الواجب، فالزهد في الحرام.
والزهد عن الشهوات الحلال، مستحب.
والزهد عن الشبهات سلامة (1).
قال إبراهيم:
ما صدق الله عبد أحب الشهرة بعلم، أو عمل، أو كرم (2).
قال إبراهيم:
اطلبوا العلم للعمل، فإن أكثر الناس قد غلطوا، حتى صار علمهم كالجبال، وعملهم كالذر (3).
قال إبراهيم:
إن الصائم القائم المصلي، الحاج المعتمر الغازي، من أغنى نفسه عن الناس (1).
قال إبراهيم:
المسألة مسألتان:
مسألة على أبواب الناس.
ومسألة يقول الرجل: ألزم المسجد، وأصلي وأصوم، وأعبد الله، فمن جاءني بشيء قبلته. فهذه شر المسألتين، وهذا قد ألحف في المسألة (2).
قال إبراهيم:
لقد أعربنا في الكلام فلم نلحن، ولحنا في العمل فلم نعرب (3).
قال إبراهيم:
الفقر مخزون عند الله في السماء، يعدل الشهادة، لا يعطيه إلا من أحب (1).
قال شقيق بن إبراهيم:
مرَّ إبراهيم بن أدهم في أسواق البصرة، فاجتمع الناس إليه فقالوا له: يا أبا إسحاق، إن الله تعالى يقول في كتابه
{ٱدْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ } (2)
، ونحن ندعوه منذ دهر، فلا يستجيب لنا.
قال: فقال إبراهيم:
يا أهل البصرة ماتت قلوبكم في عشرة أشياء:
أولها: عرفتم الله، ولم تؤدوا حقه.
الثاني: قرأتم كتاب الله، ولم تعملوا به.
الثالث: ادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركتم سنته.
الرابع: ادعيتم عداوة الشيطان، ووافقتموه.
الخامس: قلتم: نحب الجنة ولم تعملوا لها.
السادس: قلتم: نخاف النار، ورهنتم أنفسكم بها.
السابع: قلتم: إن الموت حق، ولم تستعدوا له.
الثامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم، ونبذتم عيوبكم.
التاسع: أكلتم نعمة ربكم، ولم تشكروها.
العاشر: دفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بهم (1).
قال إبراهيم:
مررت على حجر فرأيت مكتوباً عليه: أمن بما تعلم لا تعمل، فكيف تطلب زيادة العلم (2).
ركب إبراهيم بن أدهم سفينة، فأخذهم الموج من كل مكان. فلف إبراهيم رأسه بكسائه واضطجع، وعج أصحاب السفينة بالضجيج والدعاء.
فأيقظوه وقالوا: ألا ترى ما نحن فيه من الشدة؟
فقال: ليس هذه شدة، وإنما الشدة الحاجة إلى الناس.
ثم قال: اللهم أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك.
فاستجاب الله دعاءه (1).
كان إبراهيم يتمثل بهذه الأبيات:
رأيت الذنوب تميت القلوب
ويورثها الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها
وما أفسد الدين إلا ملوك
وأحبار سوء ورهبانها
وباعوا النفوس فلم يربحوا
ولم يغل بالبيع أثمانها
لقد رتع القوم في جيفة
تبين لذي اللب إنتانها (1)
ومما كان يتمثل به:
لما تعد الدنيا به من شرورها
يكون بكاء الطفل ساعة يوضع
وإلا فما يبكيه منها وإنها
لأروح مما كان فيه وأوسع
إذا أبصر الدنيا استهل كأنما
يرى ما سيلقى من أذاها ويسمع (2)
قال إبراهيم:
كل سلطان لا يكون عادلاً، فهو واللص بمنزلة واحدة.
وكل عالم لا يكون ورعاً، فهو والذئب بمنزلة واحدة.
وكل من خدم سوى الله، فهو والكلب بمنزلة واحدة (1).
قال إبراهيم بن أدهم:
اشغلوا قلوبكم بالخوف من الله.
وأبدانكم بالدأب في طاعة الله.
ووجوهكم بالحياء من الله.
وألسنتكم بذكر الله.
وغضوا أبصاركم عن محارم الله.
فإن الله تعالى أوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، كل ساعة تذكرني فيها فهي لك مذخورة، والساعة التي لا تذكرني فيها فليست لك، هي عليك لا لك (2).