قال أبو عمرو:
كان يقال: ويل للمتفقهين لغير العبادة، والمستحلين الحرمات بالشبهات (1).
قال أبو عمرو:
عن الوليد بن مزيد، عن الأوزاعي أنه كتب إلى عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان:
أما بعد:
فقد كنت بحال أبيك لي وخاصة منزلتي منه عالماً، فرأيت أن من صلتي إياه تعاهدي إياك بالنصحية، في أول ما بلغني عنك من تخلفك عن الجمعة والصلوات.
وقد أحببتُ أن أقرنَ بنصيحتي إياك عهداً، عسى الله أن يحدث به خيراً.
وقد بلغنا أن خمساً كان عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان: اتباع السنة، وتلاوة القرآن، ولزوم الجماعة، وعمارة المساجد، والجهاد في سبيل الله.
وحدثني سفيان الثوري: أن حذيفة بن اليمان كان يقول: من أحب أن يعلم أصابته الفتنة أو لا؟ فلينظر: فإن رأى حلالاً كان يراه حراماً، او يرى حراماً كان يراه حلالاً، فليعلم أن قد أصابته.
وقد كنتَ قبل وفاة أبيك رحمه الله ترى ترك الجمعة والصلوات في الجماعة حراماً، فأصبحت تراه حلالاً.
وكنت ترى عمارة المساجد من أشرف الأعمال، فأصبحت لها هاجراً.
وكنت ترى أن ترك عصابتك من الحرس في سبيل الله حرجاً، فأصبحت تراه جميلاً.
وحدثني سفيان عن ابن عباس أنه قال: من ترك الجمعة أربعاً متواليات، من غير عذر، فقد نبذ الإسلام من وراء ظهره.
وحدثني الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه من ترك الجمعة ثلاثاً، من غير عذر، طُبع على قلبه.
وقد خاطرت بنفسك من هذين الحديثين عظيماً، فاتهم رأيك، فأنه شر ما أخذت به، وأرض بأسلافك إماماً.
وقد كنت في ثلاث سنوات مرزن - والمساجد والديار تحرق، والدماء تسفك، والأموال تنهب - مع أبيك لا تخالفه في ترك الجمعة، ولا حضور صلاة مسجد، ولا ترغب عنه حتى مضى لسبيله.
وأنت ترى أنك بوجه هذا الحديث (كن حلس بيتك)، ومثله من الأحاديث، أعلم بها من أبيك، وممن أدرك هذا العلم.
فأعيذك بالله، وأنشدك به، أن تعتصم برأيك شاذاً به دون أبيك وأهل العلم قبله، وأن تكون لأصحاب الأهواء قوة، وللسفهاء في تركهم الجمعة فتنة، يحتجون بك إذا عوتبوا على تركها.
أسأل الله أن لا يجعل مصيبتك في دينك، ولا يُغلب عليك شقاء، ولا اتباعً هوى بغير هدى منه، والسلام عليك (1).