رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمْ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ (5).
وتم فتح خيبر مع مطلع العام السابع للهجرة. .
وكانت الغنائم نوعين: الأرض بما فيها من نخيل. . والأشياء المنقولة.
أما الأرض فقد اتفق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود على أن يعطيهم إياها على أن يعملوا فيها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها. . ويخرجهم صلى الله عليه وسلم متى أراد (1) وأما الشطر الآخر فإنه يوزع في حينه على المجاهدين. . وفقاً لما شرع الله ورسوله.
وأما الأشياء المنقولة. . فقد بيعت ووزعت على المجاهدين بعد إخراج الخمس.
قال ابن سعد: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم فجمعت، واستعمل عليها فروة بن عمرو البياض، ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء. وكتب في سهم منها لله، وسائر السهمان أغفال. . فأمر ببيع الأربعة الأخماس في من يزيد، فباعها فروة، وقسم ذلك بين أصحابه.
وكان الذي ولي إحصاء الناس زيد بن ثابت، فأحصاهم ألفاً وأربعمائة، والخيل مائتي فرس.
وكان الخمس الذي صار إلى رسول الله، يعطي منه على ما أراه الله من السلاح والكسوة، وأعطى منه أهل بيته. . واليتيم والسائل (2).
ولا شك أن الوضع الاقتصادي قد تحسن نوعاً ما. فأصبح للصحابة مورد سنوي من خيبر حينما يأتي الموسم، كما أنه أصاب كلا منهم نصيبه من قيمة الغنائم المنقولة. ولهذا المعنى قالت عائشة رضي الله عنها: "لما فتحت خيبر قلنا" الآن نشيع من التمر" (3). وقال ابن عمر: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر (4).
تحدثنا في الباب السابق كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر برد المنائح إلى الأنصار وذلك بعد توزيع غنائم قريظة.
ويبدو من النصوص أن الرد الذي حصل بعد قريظة كان لمعظم المنائح، ولكن بعضها كانت الحاجة ماسة لاستمراره فبقي بأيدي بعض المهاجرين.
والآن وبعد أن فتحت خيبر وأصبح بين أيدي المهاجرين ما يغنيهم، فقد قاموا برد هذه المنائح إلى أصحابها من إخوانهم الأنصار، ويبدو أن هذه المنائح كانت من الثمار، أو كان أكثرها كذلك، كما يشير إليه الحديث التالي:
قال ابن شهاب: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمْ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ (5).
كان للصفة دور كبير في هذه المدة من الزمن ولنترك لأبي هريرة رضي الله عنه ينقل لنا مشاهدته، ومن المعلوم أن أبا هريرة إنما قدم المدينة بعد خيبر، الأمر الذي يحدد لنا تاريخ هذا الحديث وأنه في هذه المرحلة.
قال أبو هُرَيْرَةَ:(رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ) (6).
وقد أشرنا من قبل إلى أن هذا الضغط على الصفة، إنما كان بسبب ضغط المهاجرين الجدد الذين وفدوا إلى المدينة بعد الصلح. . والذين تزايدت أعدادهم طرداً مع مرور الزمن حتى كان فتح مكة.
وهذا يشير بدوره إلى أن ضغط هؤلاء المهاجرين كان أكبر من أن تسد حاجاتهم غنائم خيبر. . ولهذا استمر الضيق الاقتصادي على ما كان عليه.
واتخذ صلى الله عليه وسلم داراً ينزل فيها الوفود، وهي دار رملة بنت الحارث من الأنصار، زوجة معاذ بن عفراء (7).
ونذكر أن بعض الوفود أنزلت في الصفة، ولكن لما كثر عدد الوفود وكان بعضهم غير مسلم. . ولأسباب أخرى. . من إشعارهم بالعناية بهم، كان إنزالهم بهذه الدار: ونذكر على سبيل المثال بعض الوفود التي نزلت فيها.
منها: وفد محارب. وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء. . فأسلموا (8).
ومنها: وفد تغلب: وكانوا مسلمين ونصارى (9).
ومنها: وفد حنيفة: وقد أجريت عليهم ضيافة، فكانوا يؤتون بغداء وعشاء، مرة خبزاً ولحماً، ومرة خبزاً ولبناً، ومرة خبراً وسمناً، ومرة تمراً نثر لهم (10).
ومنها: وفد النخع وكان عددهم مائتي رجل (11).
ومنها: وفد بني فزارة (12).