الكورونا_ الداء والدواء

تحت قسم: كورونا: الداء والدواء



الخطبة الأولى

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما)

وَعَنْ أَبي هُرَيْرةَ رضي الله عنه قَالَ

قَالَ رسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): مَا يَزَال الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمؤمِنَةِ في نَفْسِهِ وَولَدِهِ ومَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّه وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئة.

[2]



الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد، فيا أيها المسلمون، إن من أهم أسباب الوقاية من وباء كورونا أو غيره من الشرور والآفات أمورا سبعة:

الأول: التوكل على الله، وهو اعتماد القلب عليه مع بذل الأسباب الحسية للوقاية من الشرور، قال الله تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبُه)، ومعنى حسبُه أي كافيه.

والثاني العلم بأن وجود هذا البلاء أو غيره والإصابة به والسلامة منه إنما هو بتقدير الله تعالى، فلو فعل الإنسان كل الأسباب الحسية والمعنوية، وقد قدَّر الله عليه الإصابة بالبلاء لأصابه، قال الله تعالى (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير).

الثالث: كثرة العبادة، قال تعالى (أليس الله بكاف عبده)، ففي هذه الآية ربط الله كفايته لعبده من الشرور بوصفه بالعبودية، فمن كان كثير العبادة كان حقيقا بمزيد الكفاية من الشرور والآفات.

الرابع: ومن أسباب كفاية الله لعبده من الشرور صدق التوكلِ عليه، وهو اعتماد القلب على الله مع بذل الأسباب الحسية للوقاية من الشرور، قال الله تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حُسبُه)، أي كافِيه.

الخامس: ومن أسباب كفاية الله لعبده من الشرور كثرة الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، والدليل على ذلك أن كعبا رضي الله عنه أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه سيكثر من الصلاة عليه حتى يجعلها جُـلَّ دعائه، فقال له: إذاً تُكفَى هــمَّك، ويُغفَر ذنبُك.[3]

السادس: ومن أسباب كفاية الله لعبده من الشرور صلاة أربع ركعات في الضحى، ركعتين ركعتين، والدليل على ذلك قول الله تعالى في الحديث القدسي: ابْنَ آدَمَ ، ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ[4]. والمراد بقوله (أكفِكَ آخره)؛ أي أكفِك ما فيه من الآفات والحوادث الضارة.

السابع: ومن أعظم أسباب كفاية الله لعبده من الشرور والآفات المحافظة على الأذكار والأوراد الصباحية والمسائية، ومنها:

وكان (صلى الله عليه وسلم) يدعو في قنوته فيقول: وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت[10].

وكان من دعائه (صلى الله عليه وسلم): اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتَـحَوُّلِ عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك[11].

والجذام مرض يصيب الإنسان في أطرافه، حتى يقضي على البدن كله.

فيروسُ ليس يُرى بالعين من صِغَرٍ

لكن بأكثرِ سكانِ الدُّنا عَصَفا

كم اقتصادٍ هوى من بعدِ رفعتِه

وكمْ حِراكٍ على ذي الأرضِ قد وقفا

وعطّلَ الناسَ عن سعيٍ وعن سفرٍ

رهنَ البيوتِ كفُصٍّ لازم الصَّدفا

(أنْ لا مِساسَ) شعارُ الناس من قَلَقٍ

كلٌ يحاذرُ مِنْ لـَمْسٍ له تلفا

كم أمةٍ أصبحت في عيشها شَظَفَاً

كانت تَبَخْتَرُ في نَعمائها تَرَفا

حتى الحبيبانِ عَن بُعْدٍ سلامُهما

مِثْلُ الشحيحِ زوى الكفينِ والكتفا

سبحانَ خالقِ كورونا ومُرسلِه

مُــخوّفاً خَلْقَهُ مِنْ بأسِهِ أَسَفا

لعلهم أن يُفيقوا بعد غَفْلَتِهم

ويخلعوا الكبر والطغيان والأنَفا

لعلهم أن يَـحُسُّوا نعمةً كُفِرتْ

كمْ مِنْ نعيمٍ نُسِيْ مِن طُوْلِ ما أُلِفا

لعلنا أن نرى حِلْمَ الكريمِ بنا

فلو يشاء بِنا في لحظةٍ خَسَفا

يا ربِّ عجّلْ بِيُسرٍ بعد ما عَسُرت

وافرُجْ علينا فشهرُ الصومِ قد أزِفا[13]



المراجع

  1. رواه مسلم (2999).
  2. رواه التِّرْمِذيُّ (2399) واللفظ له، وَقالَ: (حديثٌ حسنٌ صحِيح)، وأحمد (7859)، وانظر «السلسلة الصحيحة» (2280).
  3. رواه الترمذي (2407)، وحسنه الألباني.
  4. رواه الترمذي (475) عن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما، وصححه الألباني.
  5. رواه أبو داود (5082) وغيره، وصححه الألباني.
  6. رواه أبو داود (5074)، وابن ماجه (3871)، وصححه الألباني.
  7. رواه البخاري (4008) ومسلم (807) من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
  8.  رواه أبو داود (595)، وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في التعليق على «سنن أبي داود».
  9. رواه أبو داود (3849) وغيره، وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في التعليق على «سنن أبي داود».
  10. رواه أحمد (1/199)، وصححه محققو «المسند» برقم (1718).
  11. رواه مسلم (2736) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
  12. رواه أحمد (3/192)، وقال محققو «المسند»: إسناده صحيح على شرط مسلم.
  13. هذه الأبيات من نظم د. علي بن يحي الـحدَّادي، جزاه الله خيرا. 
  14. رواه أحمد (6/268) وغيره عن عائشة رضي الله عنها، وحسنه محققو «المسند» (26308)، وأصله في الصحيحين من حديث أبي جُحيفة رضي الله عنه وغيره من الصحابة. 
  15. أي النفخة الثانية في الصور، وهو قرنٌ يَنفخ فيه إسرافيل، وهو الـمَـلك الـمُـوكَل بالنفخ في الصور، فيقوم الخلائق من قبورهم. 
  16. أي يُصعق الناس في آخر الحياة الدنيا، فيموتون كلهم، والصعقة تكون بسبب النفخة الأولى في الصور، وبين النفختين أربعون عاما.
  17.  رواه أحمد (4/8) وغيره، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود»، ومحققو «المسند» برقم (16162).