الخصائص العشر لبيت المقدس والمسجد الأقصى

تحت قسم: الخصائص العشر لبيت المقدس والمسجد الأقصى


إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

  1. الخصيصة الأولى: أن الله تعالى وصفه في القرآن بأنه مبارك قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)، والقدس هو ما حول المسجد.

  2. ومن خصائص بيت المقدس أن الله تعالى وصفه بأنه مقدس، أي مُطهر، وذلك في قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام  (يا قومِ ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم)، والأرض المقدسة هي بيت المقدس.

  3. ومن خصائص بيت المقدس أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه موسى أن يغزو أهلها، وهم العمالقة الوثنيون الجبارون، وينتزعها منهم، وينشر التوحيد فيها ويزيل الشرك عنها، قال موسى لقومه (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِين).

  4. ومن خصائص بيت المقدس ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أن موسى عليه السلام سأل الله أن يدنيه منه قدر رميةَ حجر إذا دنت وفاته ليموت قريبا منه، وما ذاك إلا لمحبته لبيت المقدس، دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن موسى عليه الصلاة والسلام سأل ربه لَمّا حضرته الوفاة أن يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ، ومن المعلوم أن الأرض المقدسة كانت تحت حكم العمالقة الجبارين الوثنيين، فليس بيد موسى أن يدخلها لِيموت فيها، فأراد أن يدنو منها قدر الإمكان،  ثم قال صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فلوْ كُنْتُ ثَمَّ (أي هناك) لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إلى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الكَثِيبِ الأحْمَرِ.[1]

  5. ومن خصائص بيت الـمقدس أن الله سبحانه وتعالى حــبس الشمس (أي أوقفها عن حركتها) حين أراد النبي يوشع بن نون قتال الجبارين الذين كانوا ببيت المقدس، فإنه كان قد اقترب الظلام، ومعه جيشه، فسأل الله أن يحبس الشمس حتى يستطيع دخول القرية قبل حلول الظلام ويقاتل الجبارين، فأعطاه الله ما سأل، وكان فتحُ بيت المقدس،

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس لم تُـحبس على بشر إلَّا على يوشَعٍ، ليالِيَ سارَ إلى البيتِ المُقَدَّسِ.[2]

  6. ومن خصائص بيت المقدس أن فتحه من علامات الساعة،

    فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال

    أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أَدَم[3]، فقال: أُعدُد سِتًّــا بين يدي الساعة: مَوتي، ثم فتــح بيـت المقــدس ... الحديث.[4]

  7. ومن خصائص بيت المقدس أن الأعور الدجال لا يدخله، بل يُقتل قريباً منه، يقتله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام حين يدركه بباب لُدّ [5]"، و"لُــدْ" مكان قرب بيت المقدس .

  8. ومن خصائص بيت المقدس أن رموز الكفر وساستهم ستكون نهايتهم في فلسطين، فالدجال سيُقتل في فلسطين على يد عيسى عليه السلام، في معركة إبادة حقيقية فاصلة يكون الدجال فيها قائداً لليهود، فيقتل عيسى وجيشُه الدجالَ وجيشَه فيها، بل سيقتل كل من لم يؤمن به من النصارى الإيمان الصحيح، مِن أنه بشر رسول، ويقتل خنزير النصارى ويكسر صليبهم الذي يعبدونه، كل هذا سيكون في فلسطين.[6]

  9. ومن خصائص بيت المقدس أن الشجر والحجر يفضح اليهود إذا حصل القتال بينهم وبين المسلمين بقيادة المسيح عيسى ابن مريم في آخر الزمان،

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقاتِلَ المُسْلِمُونَ اليَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ المُسْلِمُونَ حتَّى يَخْتَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وراءِ الحَجَرِ أو الشَّجَرِ، فيَقولُ الحَجَرُ أوِ الشَّجَرُ: يا مُسْلِم، يا عَبْدَ الله، هذا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعالَ فاقْتُلْهُ، إلَّا الغَرْقَدَ، فإنَّه مِن شَجَرِ اليَهُود.

    [7]

  10. ومن أعظم خصائص بيت المقدس أن فيه المسجد الأقصى، وهو أحد المساجد الثلاثة المعظمة بنص القرآن والحديث النبوي، وهو معظم من وجوه كثيرة أهمها عشرة:

الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به إلى السماء، قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)، ، ثم لما رجع من السماء رجع إلى المسجد الأقصى ثم إلى مكة، فهذا المرور مرتين على المسجد الأقصى يدل على عظمته وأهميته.

الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمّ جميع الأنبياء في المسجد الأقصى في رحلة الإسراء بعد عروجه، قال عليه الصلاة والسلام: فحانت الصلاة فأممتهم.[8]

الثالث: ومن خصائص المسجد الأقصى أن الله جلاه لنبيه صلى الله عليه وسلم، أي رفعه حتى صار يراه، وذلك لما كذبه المشركون فيما ذكره لهم من حادثة الإسراء إلى المسجد الأقصى، فسألوه عن أوصافه تعجيزا له، لأنهم في سابق علمهم أنه لم يسافر إليه قط، فرفع الله له المسجد الأقصى، فجعل يصف لهم بنيانه ومعالمه، فعن جابر رضي الله عنهما قال: لمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ في الحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لي بَيْتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عن آياتِهِ وأنا أنْظُرُ إلَيْه.[9]

الرابع: ومن خصائص المسجد الأقصى أنه قبلة المسلمين الأولى، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: صَلَّيْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ القبلة.[10]

الخامس: ومن خصائص المسجد الأقصى أنه من المساجد التي تُشد الرحال إليها للعبادة، والدليل على ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا)[11]، أي المسجد النبوي، فلا يجوز السَّفر إلى بقعة في الأرض بقصد التعبّد فيها إلا هذه المساجد الثلاثة .

السادس: ومن خصائص المسجد الأقصى أن الصلاة فيه أفضل من مائتين وخمسين صلاة، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بيت المقدس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولَـنِـعْـم المصلى، وليوشكن أن لا يكون للرجل مِثْل شَطنِ فرسه [12]من الأرض حيث يَرى منه بيت المقدس، خير له من الدنيا  جميعاً، أو قال: خير من الدنيا وما فيها. [13]

عباد الله، ولما كانت الصلاة في المسجد النبوي خير من ألف صلاة، كانت الصلاة في المسجد الأقصى خير من مائتين وخمسين صلاة، لأنها على الربع منه.[14]

السابع: ومن خصائص المسجد الأقصى أنه ثاني مسجد وُضِع في الأرض، فعَنْ أبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قالَ: قُلتُ يا رَسولَ الله، أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأرْضِ أوَّلُ؟ قالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ. قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: المَسْجِدُ الأقْصَى. قُلتُ: كَمْ بيْنَهُمَا؟ قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً ...[15]

الثامن: ومن خصائص المسجد الأقصى أن سليمان بن داود عليه السلام جدد بناءه، وسأل الله أن يغفر لكل من صلى فيه، فأجاب الله دعاءه،

فعن عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال

إن سُلَيْمانُ بنُ داودَ لما بنى بيتِ المقدِسِ سألَ اللَّهَ عز وجل خلالا ثلاثة؛ حُكْمًا يصادفُ حُكْمَهُ، فأوتيَه، (أي حكما يوافِقُ حُكْمَ اللهِ، فيُوفق للصَّوابِ في الاجتهادِ وفصْلِ الخُصوماتِ بين النَّاسِ)، وسأل الله عز وجل ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدِهِ، فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيَه أحدٌ لا ينهزه إلَّا الصَّلاةَ فيهِ أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدتْهُ أمُّهُ.[16] 

التاسع:أن المسجد الأقصى قد جدد بناءه أنبياء عدة قبل سليمان، كإبراهيم ويعقوب، عليهم السلام.

العاشر: ومن خصائص المسجد الأقصى أن الذي فتحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الخليفة الراشد، فقد قام جيش المسلمين في عهده بمحاصرة القدس في عام 15 هـ الموافق 636 م، تحت قيادة الصحابي الجليل أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، وبعد ستة أشهر من الحصار وافق رئيس النصارى على الاستسلام بشرط قدوم خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وفي عام 16 هـ سافر الخليفة عمر إلى القدس لِتَسَلُّم مفاتيح المدينة، وإعلان دخولها في بلاد المسلمين، فتم ذلك، فدخل المسجد الأقصى من الباب الذي دخل منه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وصلى فيه تحية المسجد في محراب داود، وصلى بالمسلمين صلاة الفجر من الغد، فقرأ في الأولى بسورة (ص)، وسجد فيها، وقرأ في الثانية بسورة (بني إسرائيل)، وكُتِبت المعاهدة الـعُـمَرية، والتي تتضمن شروطه على نصارى الشام، وفيها بيان الحقوق التي يضمنها المسلمون لمن أراد الإقامة في فلسطين من النصارى تحت ظل الدولة الإسلامية، أولها دفع الجزية للمسلمين مقابل تمتعهم بالبقاء في بلاد المسلمين وحفظ أمنهم وكرامتهم فيها.[17]

الخطبة الثانية


المراجع

  1. رواه البخاري ( 1339) ومسلم (2372) عن أبي هريرة رضي الله عنه، والكثيب هو الكتلة من الرمال. 
  2. رواه أحمد (8315) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه محققو «المسند». 
  3. الأدَم هو الجلد.
  4. رواه البخاري (3176).
  5.  انظر صحيح مسلم ( 2937) عن النواس بن سمعان رضي الله عنه .
  6. انظر قصة نزول الـمسيح وقتله للدجــــال في «صحيح مسلم» (2897) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وكذا (156) عن جــــــابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وكذا (2937) عن النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه.
  7.  رواه البخاري (2926) ومسلم (2922)، واللفظ له.
  8. رواه مسلم (172) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  9. رواه البخاري (3886) ومسلم (170). 
  10. رواه البخاري (4492) ومسلم (525). 
  11. رواه البخاري (1995) ومسلم (827) عن أبـي سعيد رضي الله عنه ، ورواه البخاري (1189) ومسلم (1397) عن أبـي هريرة رضي الله عنه.
  12. الشَّطْنُ هو الحبل الذي تشد به الدابة.
  13. رواه الطبراني في «الأوسط» (6983) والحاكم في «مستدركه» (4509)، واللفظ للحاكم، وصححه الألباني في «تمام المنة» (ص 294).
  14. وأما الحديث المشهور أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة فضعيف، انظر «تمام المنة» للشيخ الألباني رحمه الله (ص 292).
  15. رواه البخاري (3425) ومسلم (520)، واللفظ له. 
  16. رواه أحمد (2/176)، والنسائي (693) واللفظ له، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني رحمه الله.
  17. انظر «البداية والنهاية»، أحداث سنة 15 هـ .