شهر رمضان_ عشر حكم

تحت قسم: شهر رمضان_ عشر حكم


إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

  1. وقد شرع الله الصوم لحكمٍ عظيمة[1]، أعظمها حصول التقوى،

    قال سبحانه

    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾

فتبين من الآية الكريمة أن الحكمة من مشروعية الصيام هي تحقيق التقوى، والتقوى هي أن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية، بفعل ما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر، فتتدرب النفس على مراقبة الله تعالى، فيترك الصائم ما تهوى نفسه مع قدرته عليه، لعلمه باطلاع الله عليه.

2.ومن حِكَمِ الصوم أَنَّه وَسِيلَةٌ إلَى شُكْرِ النِّعْم، فالصيام هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، وهذه مِنْ أَجَلِّ النِّعــــــــَمِ وَأَعْلاهَا، وَالامْتِنَاعُ عَنْهَا خلال فترة الصوم يُعَرِّفُ الإنسان قَدْرَهَا، لأن النِّعَمَ مَجْهُولَةٌ، فَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ وعُرف قدرُها، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ الصوم عنها عَلَى شكر الله عليها.

3.ومن حِكَمِ الصوم أنه وَسِيلَةٌ إلَى ترك ما حرَّم الله فِعله مِن الـمُــحرمات، لأن الصيام سبب لكسر النفس والحد من أشرها وشَرَهِها، فعندئذ تخضع للحق وتلين للخلق، أما مداومة الشبع والرِّي ومباشرة النساء فإنها تحمل على الأشَر والبطر.

4.ومن حِكَمِ الصوم أنه يعين النفس على التغلب على الشَّهْوَةِ، لأَنَّ النَّفْسَ إذَا شَبِعَتْ تَمَنَّتْ الشَّهَوَاتِ، وَإِذَا جَاعَتْ امْتَنَعَتْ عَمَّا تَهْوَى، وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَة فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء.[2]

والباءة أي النكاح والتزوج، ومعنى وِجاء أي قاطع للشهوة.

5.ومن حِكَمِ الصوم أنه مُوجِبٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ، تذَكَرَ مَنْ هَذَا حَالُهُ فِي غالب الأَوْقَاتِ، وهم الفقراء والمساكين، فَتُسَارِعُ إلَيْهِ الرِّقَّةُ عليهم وَالرَّحْمَةُ بهم، بِالإِحْسَانِ إلَيْهِم، والصدقة عليهم، فيصير الصوم سبباً للعطف على المساكين، وزرع التعاطف في المجتمع.

6.ومن حِكَمِ الصوم أن فيه قَهْرا لِلشَّيْطَانِ، وإضعافا له، فتضعف وسوسته للإنسان، فتقل منه المعاصي، وذلك لأن الشَّيْطَان يَجْرِيَ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم[3]، فبالصيام تضيق مجاري الشيطان فيضعُف، ويقل نفوذه، فتنبعث القلوب إلى فعل الخيرات، وترك المعاصي.

7.ومن حِكَمِ الصوم أن فيه تعويدا للمؤمن على الإكثار من الطاعات، وذلك لأن الصائم في الغالب تكثر طاعاته، مثل ذكر الله وقراءة القرآن والصلاة، فيعتاد ذلك في رمضان وبعده.

8.ومن حِكَمِ الصوم أن فيه تزهيدا في الدنيا وشهواتها، وترغيبا فيما عند الله تعالى.

9.ومن حِكَمِ الصوم أن فيه إظهارا لعبادة الله عز وجل في العالم كله، فتجد جميع المسلمين في العالم يجتمعون على صيام هذا الشهر، حتى إن العاصي الذي لا يصوم _ والعياذ بالله _ لا يستطيع أن يجاهر بفطره، بل حتى الكافر لا يستطيع أن يظهر فطره أمام المسلمين، احتراما لهم، ولا شك أن في هذا اعتزازا وإظهارا لعبادة من أهم العبادات.

10.ومن حِكَمِ الصوم حصول فوائد طبية للجسم، فهو ينظم خفقان القلب، ، ويصفي الدم مما يضر من الشحوم والدهون والحموضات، والصوم يريح المعدة، ويجعلها تنعم بفترة راحة من عملية الهضم، كما أن الصوم يحمي الإنسان من البدانة، ويساعده على التخلص من السموم المترسبة في الجسم، وضبط ضغط الدم ومستوى السكر.

المراجع

  1. هذا الفصل منقول باختصار وتصرف من موقع «الإسلام، سؤال وجواب»: ، وكذلك من المجلس التاسع من «مجالس شهر رمضان»، للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله. 
  2. رواه البخاري (5065) عن ابن مسعود رضي الله عنه. 
  3. رواه البخاري (2039) ومسلم (2175) عن صفية رضي الله عنها.