الناقص السابع: الكهانة

تحت قسم: خطبة مختصرة عن الناقض السابع من نواقض الإسلام - الكهانة


إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. 

أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

تَــفَــرُّدُ الله بصفة علم الغيب

تعريف الكاهن والعراف

مصادر الكهان في ادعاء علم الغيب

فالكاهن، عباد الله، يُبلِغ من أتاه من الناس تلك الكذبة، فإن كان في كلامه كلمةُ صدقٍ فهي من سرقاته وليس من اطلاعه على الغيب، وربما افتُتن من أتى الكاهن بتلك الكلمة الصادقة ولم يعتبر بما خلط معها من الكذبات، وإن كان كل كلامه كذبا فربما انطلى كل الكلام على السائل. 

أما الطريق الثاني من طرق تلقي الكاهن فهو الاستعانة بالجن، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سأَلَ أناسٌ رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) عن الكهان، فقال لهم: ليسـوا بشيء. قالوا: يا رسولَ الله، فإنهم يُحدِّثون أحياناً بالشيء يكون حقاً. فقال لهم: تلكَ الكلمةُ من الحقِّ يَـخطِــفُها الجني فيَقُـرَّها في أُذنِ وَليِّهِ[6] قرَّ الدجاجة، فيَخلِطون فيها أكثرَ من مائةِ كِذبة.[7]

فهذا دليل على أن الكهان يتصلون بالجن ، فإذا اتصل الإنسان بالكاهن وسأله عن ذلك المفقود أخبر الجني الشرير ذلك الكاهن بمكان تلك الضالة ، ثم يخبر الكاهن الإنسان بمكانها ويخلط معها مائة كذبة ، فإذا رأى الإنسان صدق ذلك الكاهن في تلك الكلمة الصادقة صدَّقه في كل ما قاله وظن أن عنده علما بالغيب.

وفي لفظ: وقد وُكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة.[9]

فالكهان يستعينون بهم، لأنهم يخبرون الشخص بما يتعلق به من الأمور الخاصة التي يطَّلع عليها القرين، كمكان عمله واسم زوجـه وأمه واسم بلده وعنوان بيته، ونحو ذلك مما يعرفه القرين.[10]

ممن يدَّعي علم الغيب المُنجِّــمون

والدليل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): مَنِ اقْتَبَسَ عِلْماً مِنَ النُّجُومِ؛ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ، زَادَ مَا زَاد.[13]فقوله (اقتبس) أي تعلَّم، وقوله (شعبة من النجوم) أي طائفة من علم النجوم ويُسمى علم التأثير، أي تأثير حركة النجوم في الحوادث الأرضية، وقوله (فقد اقتبس شعبة من السحر) أي أنه وقع في نوع من أنواع تعاطي السحر، وقوله (زاد ما زاد): أي أن فاعل ذلك – أي التنجيم - قد زاد في تعلم شعب السحر بمثل ما زاد من اقتباس علم النجوم.

فالوعيد الوارد في هذا الحديث منطبق على من أتى العراف فسأله مجرد سؤالٍ دون أن يُصدِّقه، فهذا لا تقبل له صلاة أربعين يوما، ولكنه لا يكفر.

وأما من سأل الكاهن والعراف وصدقهما فقد كفر وخرج من ملة الإسلام، لأنه لما صدقهما اعتقد لزاما أنهما شاركا الله تعالى في شيء من صفاته الخاصة به وهي صفة علم الغيب، فكذَّب القرآن، فكفر عياذا بالله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أُنـزل على محمد (صلى الله عليه وسلم).[15]

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ليس منا من تَـطـيَّر أو تُطُــيِّرَ [16]له، أو تَــكهَّــنَ أو تُــكُـهِّنَ له، أو سَحَرَ أو سُحِرَ له، ومن أتى كاهناً فصدَّقه بـما يقول فقد كفر بما أُنـزل على محمد (صلى الله عليه وسلم).[17]

بيان من أكثر من تنتشر بينهم الكهانة

الخطبة الثانية في بيان ما يلتحق بالكهانة

ولا شك أن العيافة باطلة، حيث أن الطير خلقٌ من خلق الله، ليس له تأثير ولا تدبير، بل هو مُدبَّر مربوب، كما قال تعالى ﴿ألم تر إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله﴾، وقال عز وجل ﴿أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمـٰن إنه بكل شيء بصير﴾.

ومن أدلة بطلان التطير أيضا قول النبي (صلى الله عليه وسلم): لا عدوى ولا طيرة ولا هامَة ولا صفَر. فقوله (ولا طيرة) دليل صريح على نفي حقيقة الطيرة.


 

المراجع

  1. الجارية هي البنت الصغيرة.
  2. رواه ابن ماجه (1897)، وصححه الألباني رحمه الله، وأصله في البخاري (5147). 
  3.  الغيضُ هو النقص، والمقصود هو أن الله متفرد بعلم ما نقص من حمل المرأة عن تسعة أشهر، وهو يعلم كذلك كم يزيد حملها عن تسعة أشهر إن حملت، قال تعالى الله يعلم ما تحمل كل أثنى وما تغيض الأرحام وما تزداد، انظر تفسير الآية في «تفسير القرآن العظيم» لعماد الدين ابن كثير رحمه الله، سورة الرعد.
  4. أخرجه البخاري (4797).
  5. رواه البخاري (3210).
  6. أي وليه من الكهان، سمي وليا لكونه يواليه.
  7.  رواه البخاري (6213) ومسلم (2228)، واللفظ للبخاري.
  8. رواه مسلم (2814). 
  9. المصدر السابق.
  10. انظر ما قاله ابن حجر رحـمه الله في «فتح الباري» ، شرح حديث (5758) ، وكذا ما قاله الشيـخ سليمان بن عبد الله بن مـحمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعًا في «تيسير العزيز الحميد» ، باب ما جاء في الكهان ونحوهم. 
  11. خلاق أي نصيب ، يعني نصيب في الآخرة ، ومعنى الكلام أن فاعل ذلك قد هلك لوقوعه في الكفر.
  12.  رواه عبد الرزاق في «مصنفه» برقم (19805) واللفظ له، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/139).
  13. رواه أحمد (1/311)، وأبو داود (3905)، وابن ماجه (3726)، وحسنه الألباني كما في «الصحيحة» (793).
  14.  رواه مسلم (2230).
  15. رواه أحمد (2/429) وغيره، وحسنه محققو «المسند».
  16.  التطير في الأصل هو التفاؤل أو التشاؤم من اتجاه الطير إذا زجروه، فإذا انبعث يمينا تفاءلوا، وإذا انبعث شمالا تشاءموا، ثم توسع مفهومها فصارت تعني عموم التشاؤم.
  17. رواه البزار كما في «كشف الأستار» (3044)، و الطبراني في «الكبير» ( 18/162)، ولفظه: عن عمران بن حصين أنه رأى رجلا في عضده حلقة من صُفْرٍ (أي النحاس الأصفر)، فقال له: ما هذه؟ قال: نُـعِـــتت لي من الواهنة. قال: أمَا إن مِتَّ وهي عليك وُكِلت إليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من تطير أو تطير له ... الحديث. قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة. انظر «مجمع الزوائد» (5/117). ورواه البزار أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في «كشف الأستار» (3043)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع الصغير» (5435) و «السلسلة الصحيحة» (2195).
  18.  رواه أحمد (2/220)، وحسنه محققو «المسند».