بيان القسم الثالث من أقسام التوحيد_توحيد الأسماء والصفات

تحت قسم: سلسلة خطب في التوحيد وما ينافيه


الخطبة الأولى

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ومن أمثلة التحريف في فهم أسماء الله وصفاته تفسير صفة استواء الرب على العرش باستيلائه عليه، وجَـــحْـــدِ أن يكون معناه هو علوه على عرشه، تعالى الله جل وعز.  

 وقد أنكر أئمة السلف رحمهم الله على من طلب معرفة ذلك إنكارا شديدا، فقد جاء رجـل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله، (الرحمـٰن على العرش استوى)، فكيف استوى؟

قال الراوي: فأطرق مالك رأسه حتى عـلاهُ الرُّحَضَاء[4]، ثم قال: (الاستواء غير مجهول[5]، والكيف غير معقول[6]، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا)، فأَمر به أن يُـخرَج.[7]

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن العلم بمعاني أسماء الله وصفاته له فوائد جمة على عقل العبد وقلبه وجوارحه، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: والأسماء الحسنى والصفات العلا مقتضِيةٌ لآثارها من العبودية والأمر اقتضاءَها لآثارِها من الخلق والتكوين، فلِكلِّ صفةٍ عبوديةٌ خاصةٌ، هي من موجِبات العلم بها والتحقق بمعرفتها، وهذا مُطَّرِدٌ في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح. فعِلْمُ العبد بتفرد الرب تعالى بالضُّر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة؛ يُثمر له عبودية التوكل عليه باطنا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهرا

وعِلمه[15] بسمعِه تعالى وبصرِه وعلمِه، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات والأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تُـخفي الصدور؛ يثمر له حِفظَ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يُرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك الحياءَ باطنا، ويثمر له الحياءُ اجتـناب المحرمات والقبائح. 

ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبرِّه وإحسانه ورحمته؛ توجب له سعة الرجاء، وتثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه. 

وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه؛ تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له أنواعا من العبودية الظاهرة هي موجِباتها. 

وكذلك عِـلمه بكماله وجماله وصفاته العُلى؛ يوجب له محبة خاصة بمنـزلة أنواع العبودية. فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات، وارتبطت بها ارتباط الخلق بها، فخلقُه سبحانه وأمرُه هو مُوجَبُ أسمائه وصفاته في العالم وآثارها ومقتضاها[16]. انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.

المراجع

  1. رواه محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (786) عن أحمد بن عاصم الأنطاكي. 
  2.  رواه القاضي أبو يعلى عنه في «طبقات الحنابلة» (1/386) في ترجمة حنبل بن إسحاق. 
  3. رواه البخاري (2652) ومسلم (2533) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. 
  4.  أي العرق. 
  5.   أي غير مجهول المعنى، بل هو معلوم، وهو العلو. 
  6.  أي غير معقول الكيفية، ولا تدركه العقول. 
  7.  رواه البيهقي في «الأسماء والصفات» (867، 866). 
  8.   بتصرف من «شرح العقيدة الواسطية» لابن عثيمين، (1/100). 
  9. «العلو» رقم 464 . 
  10.  «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» للالكائي (3/480). 
  11.  ذكره عبد الله بن أحمد بن قدامة (620 هـ) في كتابه «ذم التأويل» (ص 222، 256). 
  12. «مجموع الفتاوى» (6/394). 
  13.  هو الإمام عبد الرحمـٰن بن القاسم، قال عنه الذهبي في «تاريخ الإسلام» (4/1149): أحد الأعلام، وأكبر أصحاب مالك القائمين بمذهبه ... توفي سنة إحدى وتسعين ومائة. انتهى. 
  14.  «أصول السنة»، ص 42، تحقيق أحمد بن علي القفيلي، الناشر: دار الفرقان – مصر. 
  15.  أي علم العبد. 
  16.  «مفتاح دار السعادة» (2/510-511)، تحقيق الشيخ علي بن حسن، ط دار ابن عفان - السعودية