الشاب الذي تحدى فرعون الأمة؟

تحت قسم: برنامج طريق النور

الإسلام في دار الأعداء! 

محمدﷺ وستون صحابيٍّا، يخرجون كل ليلة في الخفاء، يسيرون في عتمة الليل تحت ضوء القمر في الظلام، متجهون إلى بيت مترامي الأطراف يقع بعيدًا عن أعين الناس في مكة. 

ليتدارسوا الدين، ويقرؤوا القرآن، ويدعون إلى دين الإسلام.

 وبقوا على هذا الحال ثلاثة عشر عامًا، دون أن يعرف أحدٌ مكانهم أو يُداهمهم قومهم.

الذي فتح بيته لدعوة الإسلام رغم أنه كان من قبيلة بني مخزوم الأشد عداءً لبني هاشم (1)

بل وزعيم قبيلة الأرقم هو أبو جهل، وأبو جهل معروف بأنه فرعون هذه الأمة. 

تخيّل كيف لهذا الرجل الصغير سنا، أن يحمل مسؤولية كهذه قد تصل به إلى القتل إذا اكتُشِف الأمر؟!

ولكنه رغم ذلك كان اختيارًا ذكيًّا من محمدﷺ؛ 

فلن يخطر قطّ على بال قريش أن يجتمع محمدٌ وأصحابه في أحضان أعدائهم، فكان هذا المكان هو الأبعد احتمالًا عن أذهان زعماء أهل مكة!

ثلاث سنوات تحرَّى محمدﷺ فيهم الخصوصية والثقة والأمانة والكتمان، وألَّا يصل الخبر إلى المشركين، وليس هذا من قبيل الضعف والهوان.

ولكن الله أراد أن يرسم الطريق الصحيح للمسلمين لإقامة هذا الدين مهمها اختلفت الظروف، ومهما كثرت المعوقات. 

فسيأتي زمانٌ بعد هذا يُعلن فيه البعض إسلامهم ويكتم المعظم، مثل إسلام سيدنا عمر وسيدنا حمزة -رضي الله عنهما-. 

وسيأتي زمانٌ يعلن الجميع وتكون التربية والدعوة في العلن، وذلك بعد الهجرة إلى المدينة المنورة.

 وسيأتي زمانٌ يدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه زعماء العالم إلى الإسلام، وهذا بعد صلح الحديبية.

 كل هذا سيحدث ولكنها مشاهد واختبارات ليتبين بها حقيقة الإيمان، ولتنتقل منها تجربة الدعوة ونظام الحياة. 

ربع الرعيل الأول كانوا نساء! 

لم يكن الرجال هم السابقون الوحيدون للإسلام 

بل كان ربع المسلمين الأوائل من النساء! 

فكانت هناك أم الفضل السيدة لبابة 

زوجة عم النبيﷺ وأول من أسلمت من النساء بعد السيدة خديجة، وماتت في سبيل الله. 

وكانت هناك أسماء بنت عميس 

التي هاجرت الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة.

 وهي التي غسَّلت زوجها خليفة المؤمنين أبا بكرالصديق، وكذلك سيدة نساء الجنة فاطمة بنت رسول الله.

وكانت هناك أسماء بنت أبي بكر 

ذات النطاقين التي شقت ثوبها وربطت به سفرة أبيها ورسولﷺ الله وهم في طريقهم للهجرة.

وغيرهم الكثير من الصحابيات الفضليات (2)

المترفّعون عن الأصنام

كان هناك رجلٌ من خارج مكة يُسمَّى عمرو بن عبسة وكان رجلًا راشدًا من الذين أبت فطرتهم، ورفضت عقولهم عبادة الأوثان. 

فيقول: 

 "كنت وأنا في الجاهلية، أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا"

فلم يلبث أن قام على راحِلته وقطع الصحاري والفيافي ذهابًا إليه 

وكان حينها ما زالت الدعوة سرية 

فذهب لسيدنا محمدﷺ ثم قال له: من أنت؟

 قال: أنا نبي.

فقال: وما نبي؟

قال: أرسلني الله.

 فقلت: وبأي شيء أرسلك؟

 قال: أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان، وأن يُوحَّد الله ولا يُشرَك به شيئٌ،

فالإسلام يعطي للخالق حقَّه وللمخلوق أيضًا حقه

قال: فمن معك على هذا؟

 قال: حرٌّ وعبدٌ. 

أي: أن هذا الدين ليس مبنيًّا على الطبقية التي اعتادها العرب وأهل الديانات المُحرفة.. 

وكان مع النبيﷺ حينئذ أبو بكر وهو سيد عربيٌّ حرٌّ، وبلال وهو عبدٌ حبشيٌّ أسود.

فلم يسمع من الصادق فقط بأذنية، بل رأى أيضًا بعينيه. 

فقال للنبيﷺ: إني متبعك.

الطبيعي أن يفرح النبيﷺ بزيادة عدد المسلمين، ولكنه رغم ذلك أمره أن يكتم إسلامه؛ حرصًا منه على حياته!

فطلب منه النبيﷺ أن يرجع إلى أهله، ثم قال له: 

" إذا سمعت بي قد ظهرت فأتني"

أي: أن النبي كان يعلم أن الاستضعاف لن يكون إلا مرحلة في حياة المسلمين، ومن ثم يأتي بعده النصر والتمكين.

فذهب عمرو بن عبسة إلى قبيلته ومكث فيها مدة طويلة وصلت إلى العشر سنوات، إلى أن سمع يومًا بهجرة محمدﷺ إلى المدينة، فترك قبيلته وذهب إليه ووقف أمامه.

وقال له: يا نبي الله، أتعرفني؟ 

فأجاب محمد ﷺ: أنت السلمي الذي جاءني في مكة.

فقال عمرو بن عبسة: جئتك بنصف قبيلة بني سُليم قد أسلموا. (3)

راعي الأغنام الذي أصبح فقيه الأمة! 

لقد كان أبو بكر رغم كثرة مسؤولياته وتفاقم انشغالاته بالتجارة وأمور الحياة،   ألا إنه لم يكن هناك شيء يشغله لأن يكون مرافقًا لمسير رسول اللهﷺ. 

فينما هم في الطريق إلى مكة إذ بهم يمران على راعي أغنام اسمه عبد الله بن مسعود، وكان يرعى أغنام عقبة بن أبي معيط.

فقال محمدﷺ لعبد الله: هل من الممكن أن نشرب لبنًا من هذا الغنم؟ 

(ليختبر أمانته).

فقال عبد الله: هذه ليست أغنامي، وأنا مُستامنٌ عليها.

فسأله محمدﷺ: وهل يوجد ماعز ليست حاملًا فبالتأكيد لا لبن فيه؟ 

فقال له عبد الله: هذه الغنمة لم تحمل بعد.

فأخذها محمدﷺ ووضع يده الشريفة عليها فامتلأت باللبن، وبدأ محمدﷺ بحلبها.

تعجب عبد الله بن مسعود من المشهد ونظر إلى محمدﷺ بدهشة وسأله: من أنت؟

فحدّثه محمدﷺ عن النبوة والإسلام؛ فأسلم ابن مسعود.

الذي أصبح فيما بعد فقيه هذه الأمة وحبرها الأعلم الذي يتوافد إليه الصحابة ليتعلموا منه أمور الإسلام . (4)

أول دم أُريق في الإسلام

كان المسلمون في الدعوة السرية كعادتهم يبتعدون عن المواطن التي يكتظ بها المشركون ويذهبون لأخذ زادهم الروحي والصلاة.

وفي مرةً عندما كان سعد بن أبي وقاص يصلي هو وبعض الصحابة بعيدًا عن أعين الناس إذ أتى إليهم مجموعة من عبدة الأوثان واستهزأوا بهم؛ 

فحاولوا إمساك أنفسهم عن الرد عليهم.

حتى قاموا بالعيب على دينهم وما كانوا يؤدونه من صلاتهم 

حينها قام سعد بن أبي وقاص

وفتح رأس أحدهم حتى سالت منه الدماء، وكان هذا أوَّل دمٍ يُراق في سبيل الله! (5)

طوال الدعوة السرية كانت قريش على علم أن هناك فئة لا تعبد الأصنام 

ولكنهم غير مكترثين بهم؛ طالما لم يُشكَّلوا تهديدًا لنبذ الناس عن أصنامهم!

ولكن هذا لن يطول طويلًا ..

فيا ترى في المرحلة القادمة من الجهر بالدعوة ونشر الإسلام في حياة النبيﷺ ما هو رد فعل قريش؟ 

وما هي محاولاتهم لصد دعوة العقلاء أن تدخل بيوتهم؟  

وما هو أول اختبار سيحدث لأَتْبَاع النبيﷺ؟ 

هذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة.. من برنامج طريق النور

المراجع

  1. كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد- الصالحي الشامي - الجزء الثاني - صفحة 319  https://shamela.ws/book/1693/893
  2. كتاب عيون الأثر -ابن سيد الناس- صفحة 113 إلى 115  https://shamela.ws/book/23653/110#p1
  3. كتاب سير أعلام النبلاء - ط الرسالة - شمس الدين الذهبي - الجزء الثاني - صفحة 458 https://shamela.ws/book/10906/2438#p1
  4. كتاب عيون الأثر - ابن سيد الناس - صفحة 116  https://shamela.ws/book/23653/113#p1
  5. كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 218  https://shamela.ws/book/38114/215