اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بعقبة بن أبي معيط، اللهم عليك بأبي جهل، اللهم عليك بعتبة.
كان هناك جمل ميت على أطراف الطريق منذ مدة طويلة، وقد انبعثت منه رائحة كريهة.
خرج أبو جهل وقال: أليس فيكم رجل يفتح بطن ذلك الجمل الميت و يأتي بسلا الجسور -أي بأمعائه وفضلاته - ويُلقيها على ظهر محمد وهو ساجد؟
فقام أشقى القوم، عقبة ابن أبي معيط وقال: ذلك عندي.
فقام عقبة وأخذ في يده سكيناً، وفتح بطن الجمل، وأخرج أمعائه، ووضعها في وعاء كبير، وأمسكها وذهب إلى محمد وهو ساجد، فألقاها على ظهره.
تعالت أصوات ضحكات المشركين، وتمايلوا من شدة الضحك.
عندما رأت هذا المشهد حبيبة محمد وقرة عينه، فاطمة لم يتحمل قلبها الصغير المنظر، وسخرية الناس منه، فامتلأت عيناها بالدمع، وركضت إلى أبيها وبدأت تزيل الأوساخ من على ظهره وتمسح عليه وتقبله.
قام سيدنا محمد من سجوده
وقال وقلبه حزين:
اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بعقبة بن أبي معيط، اللهم عليك بأبي جهل، اللهم عليك بعتبة.
دعا عليهم وسمّاهم واحداً تلو الآخر.
لأول مرة يدعي محمد على عتاة قومه
وبالفعل أصابتهم دعوته و انتقم الله منهم شر انتقام في غزوة بدر (1)
جاء أبو البختري لمحمد وكان رجلاً مشركاً، ورأى وجه محمد حزينا ومليئا بالقهر.
فسأل محمد: مالك يا محمد؟
فقال محمد: لا عليك
أصرّ أبو البختري عليه وسأله مرة أخرى: ما بك يا محمد؟
فقال محمد: لقد ألقوا أمعاء الجمل على ظهري
غضب أبو البختري لذلك، فهو يعرف محمد ويعرف قيمته.
فأخذ بيده عصا ودخل الكعبة وسألهم: من فعل ذلك بمحمد؟ من فعل ذلك بمحمد؟
فعرف أنه أبو جهل من حرض الناس على محمد
فأخذ العصا وضربه على رأسه بها.
سال الدم الكثير من رأس أبو جهل.
فقام الناس على أبو البختري ليضربوه.
فأوقفهم أبو جهل وقال لهم: دعوه، إنما أراد محمد أن يوقع بيننا البغضاء. (2)
لم يستمر إيذاء الكفار للنبي ، فأخذوا يحرضون بعضهم بعضاً عليه
ففي يوم وهو يمشي عند الكعبة، قام الكافر عقبة بن أبي معيط أمام القوم وأمسك بمجمع ردائه، ثم تجرأ ولفه على رقبة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يخنقه.
كان الغل والحقد يملأ قلوبهم ففور ما يجدوا النور يسير أمامهم تغلي قلوبهم وتحترق أفئدتهم.
ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره
ففور ما رآهم أبو بكر الصديق من بعيد ،حتى ركض إليهم فضرب عقبة ودفعه عن نبي الله ، ثم قال أبو بكر: "أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ"
أَتَجَبّرت قلوبكم لتَتَمَسّكوا بأحجار وتقتلوا داعي التوحيد والإيمان؟
ألهذه الدرجة قلوبكم مظلمة وحاقدة؟
فتجمع حوله المشركون وبدؤوا يضربوه حتى سقط إلى الأرض والدم يسيل منه، حتى ظن الناس أنه مات!
وفي الليل جاءت أمه إليه ولم تكن قد أسلمت بعد، وقالت له: يا بني كُل شيئاً،
فقال أبو بكر: والله لا أذوق طعاماً يا أمي، حتى أرى محمدا وحاله.
وبالفعل وهو لم يتعافى بعد من جروحة قام يبحث في الليل ليطمئن على نبيه ورفيقه محمد في بيته وفي دار الأرقم
فلما دخل دار الأرقم، انكب أبو بكر على محمد صلى الله عليه وسلم ، يقبله ويبكي. (3)
كان أقرباء محمد وجيرانه، يضعون القذارة والنجاسة والقمامة أمام بيته.
فكان محمد عندما يخرج ويراها يقول: يا بني عبد مناف، أي جوارٍ هذا، أي جوارٍ هذا.
ذهب محمد في يوم من الأيام، إلى أحدهم فدعاه إلى الإسلام فأسلم.
فجاء صاحب هذا الشخص ورآه وقال له: أصبئت؟
فأجابه: لا أسلمت.
فقال له: والله إنك لست بصاحبي، حتى تكفر بهذا الدين، وتذهب إلى محمد وتبصق في وجهه.
ففعل الرجل ذلك، فذهب إلى محمد وكفر وارتد وبصق في وجهه الكريم.
الرجل اللعين الذي بصق هو عقبة بن أبي معيط وصاحبه المشؤوم هو أبي بن خلف (4)
لك أن تتخيل نفسية محمد في هذه الفترة، إهانة وسخرية وتعذيب، ممن؟ من قومه ومن أقرب الناس إليه.
ولكن رغم ذلك استمر محمد في دعوته فقد كانت قوته النفسية أقوى من كل شئ، لأنه كان يستمدها من وحي آلهي من السماء، وهو يعلم أن الرسالة تحتاج إلى قوة وثبات في البلاغ.
وصل تعذيب المشركين بمحمد إلى أن زوجة أبي لهب أم جميل أروى بنت حرب -وكانت امرأة شديدة السوء- كانت تحمل الشوك وتضعه أمام بيته.
فبعد أن نزلت سورة المسد:
"تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصۡلَىٰ نَارٗا ذَاتَ لَهَبٖ (3) وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ (5)"
خرجت هذه المرأة الشريرة وفي يدها حجر كبير لتضرب محمدا به.
وكان النبي وأبو بكر يجلسان بالقرب من الكعبة.
فلما لمحها أبو بكر من بعيد،
قال لمحمد: يا رسول الله إنها امرأة بذيئة وأخاف أن تؤذيك، فاذهب قبل أن تأتي.
فقال محمد: لا تقلق يا أبا بكر، فلن تراني.
فأعماها الله عنه فلم تراه.
فلما وصلت إليهم سألت أبو بكر : أين صاحبك قد بلغني أنه يهجوني ويذكرني بسوء؟
فقال لها أبو بكر: لا، إنه ليس بشعر الهجاء
فقالت: والله لو وجدته لرجمته بهذا الحجر.
ثم انصرفت! (5)
تخيّل لقد تعدى الأمر من إيذاء الرجال إلى إيذاء النساء، هذا شيء في منتهى المشقة على نفسية أي رجل.
ولكن النبي كان صابراً ومحتسباً
ولكن ماذا عن أصحابه هل نالهم ما ناله؟
هل كان الوضع شديد عليهم أيضاً ؟ ام نالت الرحمة قلوب من يعادونهم؟
هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة من برنامج طريق النور