وبعد فشل قريش وخيبتهم في الوفادتين عادوا إلى ضراوتهم وتنكيلهم بأشد مما كان قبل ذلك ، وخلال هذه الأيام نشأت في طغاتهم فكرة إعدامه فمن تلك الضراوة أن عتيبة بن أبي لهب أتى يوماً إلى رسول الله ومنها ما ذكر أن عقبة بن أبي معيط وطئ على رقبته الشريفه وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان . ومما يدل على أن طغاتهم كانوا يريدون قتله فلما أصبح أبو جهل أخذ حجراُ كما وصف ، ثم جلس لرسول الله قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله وبعد ذلك فعل أبو جهل برسول الله أما طغاة قريش فلم تزل فكرة إعدام تنضج في قلوبهم ، روى ابن إسحاق عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر ، فذكروا رسول الله فلما كان الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره إذ طلع عليهم ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به ، فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه ، وقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟ ثم انصرفوا عنه . قال ابن عمرو: فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً نالوا منه قط . انتهى ملخصاً . وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت ابن عمرو بن العاص أخبرني بأشد شئ صنعه المشركون بالنبي وفي حديث أسماء : فأتى الصريخ إلى أبي بكر ، فقال : أدرك صاحبك ، فخرج من عندنا ، وعليه غدائر أربع ، فخرج وهو يقول : أتقتلون رجلاً أن يقول : ربي الله ؟ فلهوا عنه ، وأقبلوا على أبي بكر ، فرجع إلينا لا نمس شيئاً من غدائره إلا رجع معنا. بطريق أخرى وكانت هذه الفكرة وتلك الضراوة هي التي سببت في تقوية الإسلام ببطلين جليلين من أبطال مكة ، وهما حمزة بن عبدالمطلب ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
فقال : أنا أكفر بـ
النجم إذا هوى
و بالذي
دنا فتدلى
ثم تسلط عليه بالأذى وشق قميصه وتفل في وجهه إلا أن البزاق لم يقع عليه وحينئذ دعا عليه النبي
وقال . اللهم سلط عليه كلباً من كلابك ، وقد استجيب دعاؤه
فقد خرج عتيبة مرة في نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام فغدا عليه الأسد من بين القوم وأخذ برأسه فذبحه .
ما رواه ابن إسحاق في حديث طويل ، قال : قال أبو جهل :
يا معشر قريش إن محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وشتم آلهتنا ، وإني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله ، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه ، فأسلموني عند ذلك أو أمنعوني فليصنع بعد ذلك بنو بعد مناف ما بدا لهم ، قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبداً فامض لما تريد . ينتظره وغدا رسول الله
كما كان يغدو فقام يصلي ، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ، ينتظرون ما أبو جهل فاعل ـ فلما سجد رسول الله
، احتمل أبو جهل الحجر ، ثم أقبل نحوه ، حتى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه ، مرعوباً قد يبست يداه على حجره ، حتى قذف الحجر من يده وقامت إليه رجال قريش فقالوا له : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة ، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل ، لا والله ما رأيت مثل هامته ، ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط ، فهمّ بي أن يأكلني .
قال : ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه .
ما أدى إلى إسلام حمزة رضي الله عنه وسيأتي .
، فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم ، فبينا هم كذلك ، إذ طلع رسول الله
فأقبل يمشي حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفاً بالبيت ، فغمزوه ببعض القول ، فعرفت ذلك في وجه رسول الله
، فلما مرّ بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مرّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فوقف ثم قال : أتسمعون يا معشر قريش ، أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ، فأخذت القوم كلمته ، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد ، ويقول : انصرف يا أبا القاسم ، فو الله ما كنت جهولاً.
قال : بينا النبي
يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي
وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟