1. المقالات
  2. الأخلاق والقيم في الحضارة الإسلامية - دكتور راغب السرجاني
  3. حرية التفكير في الحضارة الإسلامية

حرية التفكير في الحضارة الإسلامية

المقال مترجم الى : English Español עברית

حرية التفكير في الحضارة الإسلامية

رعاية الحضارة الإسلامية لحرية التفكير


كفل الإسلام حرية التفكير وعمل على رعايتها والحضارة الإسلامية شاهدة على ذلك، وقد جاء ذلك واضحًا جليًّا حين دعا الإسلام إلى إعمال العقل والفكر في أرجاء الكون كُلِّه؛ بسمائه وأرضه، وحثَّ على ذلك كثيرًا، ومن ذلك قول الله  عز وجل :{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}[سبأ: 46]. وقوله سبحانه: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[ الحج: 46].

 

 

الإسلام يحث على إعمال العقل والأدلة العقلية


 إنَّ الإسلام عاب على الذين يُعَطِّلُونَ قواهم العقلية والحسِّيَّة عن أداء وظيفتها، وجَعَلَهُمْ في مرتبةٍ أحطَّ من مرتبة الحيوانات، فقال الله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف: 179].

وحمل الإسلام حملة شعواء على الذين يَتَّبِعُون الظنون والأوهام، فقال الله  عز وجل : {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا}[النجم: 28]. وحمل أيضًا على الذين يُقَلِّدُونَ الآباء أو الرؤساء دون النظر إلى كونهم على الحق أم على الباطل، فقال مُقَلِّلاً من شأنهم: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ }[الأحزاب: 67].

واعتمد الإسلام في إثبات العقيدة الإسلامية على الأدلَّة العقليَّة؛ ولهذا قال علماء الإسلام بأن العقل أساس النقل، فقضية وجود الله قامت بإثبات العقل، وقضية نُبُوَّة محمد  صلى الله عليه وسلم ثبتت أيضًا عن طريق العقل أوَّلاً، ثم دلَّت المعجزات على صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ، وهذا هو احترام الإسلام للعقل وللفكر.

 

قيمة التفكير في الإسلام


التفكير في نظر الإسلام يُعَدُّ فريضة دينية لا يجوز للمسلم أن يَتَخَلَّى عنها بأي حال من الأحوال، وقد فتح الإسلام الباب واسعًا لممارسة التفكير في الأمور الدينية، وذلك من أَجْلِ البحث عن حلول شرعية لكلِّ ما يُسْتَجَدُّ من مسائل الحياة، وهذا ما يُطْلِقُ عليه علماء الإسلام: (الاجتهاد)، بمعنى الاعتماد على الفكر في استنباط الأحكام الشرعية[1].

وقد كان لمبدأ الاجتهاد - والذي يُجَسِّدُ حرية التفكير في الإسلام - أثره العظيم في إثراء الدراسات الفقهية لدى المسلمين، وإيجاد الحلول السريعة للمسائل التي لم يكن لها نظير في العهد الأوَّل للإسلام، وقد نَشَأَتْ عنه مذاهب الفقه الإسلامي المشهورة، التي لا يزال العالم الإسلامي يسير على تعاليمها حتى اليوم، وهكذا كان اعتماد المسلم على عقله وتفكيره -فيما يُشْكلُ عليه من أمور الدين والدنيا، ممَّا لم يَرِدْ في شأنه نصوصُ شريعة- هو الدِّعَامة الأُولَى في الموقف العقلي الراسخ للإسلام، وكان هذا الموقف بمنزلة الأساس الذي بنى عليه المسلمون حضارتهم الزاهرة على امتداد تاريخ الإسلام[2].

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]راجع في ذلك: محمود حمدي زقزوق: حقائق إسلامية في مواجهة حملات التشكيك ص53.

([2])محمود حمدي زقزوق: الإنسان خليفة الله - التفكير فريضة، مقال بجريدة الأهرام، عدد غرة رمضان 1423هـ، نوفمبر 2002م.

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day