1. المقالات
  2. هدي النبي المختار في وصف الجنة و النار - محمد نصر الدين محمد عويضة
  3. فصلٌ في نعيم الجنة فوق ما يخطر ببال أو يدور في الخيال

فصلٌ في نعيم الجنة فوق ما يخطر ببال أو يدور في الخيال

نعيم الجنة فوق ما يخطر ببال أو يدور في الخيال

 

نعيم الجنة الجنة فوق ما يخطر على البال أو يدور في الخيال فهل أعددت لها صالح الأعمال قبل طي الآجال ، لقد عرفنا الله الجنة.. ترغيباً فيها.. وبين لنا بعضاً من نعيمها وأخفى عنا بعضاً, زيادة في الترغيب والتشويق . لذلك فإن نعيم الجنة مهما وصف, لا تدركه العقول لأن فيها من الخير مالا يخطر ببال أو يدور في الخيال ، فهل عرفت الجنة؟!
إنها دار خلود وبقاء.. لا فيها بأس ولا شقاء, ولا أحزان ولا بكاء.. لا تنقضي لذاتها ولا تنتهي مسراتها.. كل ما فيها يذهل العقل ويسحر الفكر.. ويسكر الرشد.. ويصرع اللب..


       هي جنة طابت وطاب نعيمها  :  فنعيمها باق وليس بفان


هي نور يتلألأ, وريحانة تهتز.وقصر مشيد ونهر مطرد..وفاكهة نضيجة.. وزوجة حسناء جميلة.. وحلل كثيرة في مقام أبداً, في حبرة ونضرة,في دور عالية سليمة بهية تتراءى لأهلها كما يتراءى الكوكب الدري الغائر في الأفق.
 قال تعالى: (تَتَجَافَىَ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ  * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [السجدة  16 ، 17]
و تأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لا تعلمه نفس و كيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقوموا إلى صلاة الليل بقرة الأعين في الجنة .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي r  قال :  قال الله تبارك وتعالى: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ ) .

 


( حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أنَّ النَّبِيِّ  r قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أنَّ النَّبِيِّ  r قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} .
 ( حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي r  قال : موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها).
( حديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي ) أنَّ النَّبِيَّ  rقَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ فَبَدَا أَسَاوِرُهُ لَطَمَسَ ضَوْءَ الشَّمْسِ كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ .

 


 [*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي :
( اطَّلَعَ ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَيْ أَشْرَفَ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا .
( فَبَدَا ) أَيْ ظَهَرَ
( أَسَاوِرُهُ ) جَمْعُ أَسْوِرَةٍ جَمْعِ سِوَارٍ، وَالْمُرَادُ بَعْضُ أَسَاوِرِهِ.
( لَطَمَسَ ) أَيْ مَحَا ضَوْءُ أَسَاوِرِهِ .
( ضَوْءَ الشَّمْسِ ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي ) أنَّ النَّبِيِّ  r قَالَ : الْجَنَّةُ بِنَاؤُهَا لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ لَا يَمُوتُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ .
اللَّبِنَة : واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها الجِدَار .
الملاط : الطين الذي يكون بين اللبنتين ، أو التراب الذي يخالطه الماء .
الأذفر : ذو الرائحة القوية الفواحة .
الحصباء : الحجارة الصغيرة .
الياقوت :حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر.

 


[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
(الجنة بناؤها لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ) أَيْ بِنَاؤُهَا مُرَصَّعٌ مِنْهُمَا
( وَمِلَاطُهَا ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مَا بَيْنَ اللَّبِنَتَيْنِ مَوْضِعُ النُّورَةِ، فِي النِّهَايَةِ: الْمِلَاطُ الطِّينُ الَّذِي يُجْعَلُ بَيْنَ سَاقَتَيِ الْبِنَاءِ يُمَلَّطُ بِهِ الْحَائِطُ أَيْ يُخْلَطُ .
( الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ ) أَيِ الشَّدِيدُ الرِّيحِ .
( وَحَصْبَاؤُهَا ) أَيْ حَصْبَاؤُهَا الصِّغَارُ الَّتِي فِي الْأَنْهَارِ قَالَهُ الْقَارِي. وَقَالَ صَاحِبُ أَشِعَّةِ الجزء السابع اللُّمَعَاتِ: أَيْ حَصْبَاؤُهَا الَّتِي فِي الْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا. قُلْتُ: الظَّاهِرُ هُوَ الْعُمُومُ
( اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ ) أَيْ مِثْلُهَا فِي اللَّوْنِ وَالصَّفَاءِ
( وَتُرْبَتُهَا ) أَيْ مَكَانَ تُرَابِهَا
( الزَّعْفَرَانُ ) أَيِ النَّاعِمُ الْأَصْفَرُ الطَّيِّبُ الرِّيحِ فَجَمَعَ بَيْنَ أَلْوَانِ الزِّينَةِ وَهِيَ الْبَيَاضُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَيَتَكَمَّلُ بِالْأَشْجَارِ الْمُلَوَّنَةِ بِالْخُضْرَةِ. وَلَمَّا كَانَ السَّوَادُ يَغُمُّ الْفُؤَادَ خُصَّ بِأَهْلِ النَّارِ .
( مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ ) بِفَتْحِ وَسَطِهِمَا فِي الْقَامُوسِ: الْبَأْسُ الْعَذَابُ وَالشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ بَؤُسَ كَكَرُمَ بَأْسًا وَبَئِسَ كَسَمِعَ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ
( يَخْلُدُ ) أَيْ يَدُومُ فَلَا يَتَحَوَّلُ عَنْهَا
(ولَا يَمُوتُ ) أَيْ لَا يَفْنَى بَلْ دَائِمًا يَبْقَى
( َلَا تَبْلَى ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ أَيْ لَا تَخْلَقُ وَلَا تَتَقَطَّعُ
( ثِيَابُهُمْ ) وَكَذَا أَثَاثُهُمْ
( وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ ) أَيْ لَا يَهْرَمُونَ وَلَا يُخَرِّفُونَ وَلَا يُغَيِّرُهُمْ مُضِيُّ الزَّمَانِ قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ أَنَّ الْجَنَّةَ دَارُ الثَّبَاتِ وَالْقَرَارِ وَأَنَّ التَّغَيُّرَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا فَلَا يَشُوبُ نَعِيمَهَا بُؤْسٌ وَلَا يَعْتَرِيهِ فَسَادٌ وَلَا تَغْيِيرٌ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ الْأَضْدَادِ وَمَحَلَّ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ .

 


( حديث أبي سعيد رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي ) أنَّ النَّبِيَّ  rقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُ وُجُوهِهِمْ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى مِثْلِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَائِهَا .
( حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أنَّ النَّبِيَّ  rقَالَ : غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا ـ يَعْنِي الْخِمَارَ ـ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
 ( حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أنَّ النَّبِيِّ  r قَالَ: طُوبَى شَجَرَةٌ مَسِيرَةَ مِائَةِ سَنَةٍ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا .

 


[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى  في فيض القدير:         
( طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها )  جمع كم بالكسر وعاء الطلع قال عبيد بن عمير  :  هي شجرة في جنة عدن في دار النبي صلى اللّه عليه وسلم وفي كل دار وغرفة لم يخلق اللّه لوناً ولا زهرة إلا فيها منها إلا السواد ولا يخلق اللّه فاكهة ولا ثمرة إلا فيها منها ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل كل ورقة منها تظل أمة عليها ملك يسبح اللّه بأنواع التسبيح  . انتهى .

 

أخي الحبيب:
هل يعقل أن يدرك عقل المرء هذا النعيم ثم يزهد فيه؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ هذا داعي الخير يناديك.. ويحرك فيك نشاط التنافس والمسارعة قال تعالى: (وَسَارِعُوَاْ إِلَىَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدّتْ لِلْمُتّقِينَ) [آل عمران: 133]
فسارع إلى المغفرة والملك العظيم.فقد دعاك البشير..
ولله درُ من قال :
يا طالب الدنيـا الدنية إنــها              شــرك الردى وقرارة الأقذار


دار متى ما أضحكت في يومها  أبكــت غداً تبا ًلها من دار
فاللبيب من باع الدنيا بالآخرة. قال تعالى: (وَلَلاَخِرَةُ خَيْرٌ لّكَ مِنَ الاُولَىَ) [الضحى: 4] والكيس من صنع السعادة بيده فبحث عن طريق الجنة فسلكه وإنما طريقها توحيد الله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم,وأداء الفرائض والواجبات والبعد عن الفواحش والكبائر والمحرمات والتقرب إلى الله بالنوافل وصالح الطاعات, والإنابة والتوبة إلى الله في الظلمات والخلوات والاستغفار من الخطايا والزلات والتنور بنور العلم وسليم الفهم والعمل بذلك وملازمة الإخلاص والصدق مع الله,فإن السالك لهذا الطريق لا يخيب ظنه ولا يعرقل سيره ولا يضيع سعيه:قال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ) [العصر1: 3]

 

ولله درُ من قال :
تدري أخي ما طريق الجنة :     طريقه القرآن ثم السنة

 

مناديل أهل الجنة :
 

( حديث البراء ابن عازب رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قَالَ : أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةُ حَرِيرٍ فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ .
[*]
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح :
ولا يخفى ما في ذكر سعد بن معاذ بخصوصه ههنا فإنه كان في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين واهتز لموته العرش وكان لا يأخذه في الله لومة لائم وختم الله له بالشهادة وآثر رضا الله ورسوله على رضا قومه وعشيرته وخلفائه ووافق حكمه الذي حكم به حكم الله فوق سبع سموات ونعاه جبريل إلى النبي يوم موته فحق له أن تكون مناديله التي يمسح بها يديه في الجنة أحسن من حلل الملوك .


 

ومن ملابسهم التيجان على رؤسهم :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي r  قال :يجيء صاحب القرآن يوم القيامة ، فيقول : يا رب حله ، فيلبس تاج الكرامة . ثم يقول : يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ، ثم يقول : يا رب ارض عنه ، فيقال اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة .

 


[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
قَوْلُهُ: ( يَا رَبِّ حَلِّهِ ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ التَّحْلِيَةِ، يُقَالُ حَلَّيْتُهُ، أُحَلِّيهِ تَحْلِيَةً: إِذَا أَلْبَسْتُهُ الْحِلْيَةَ. وَالْمَعْنَى يَا رَبِّ زَيِّنْهُ ( اقْرَأْ ) أَمْرٌ مِنَ الْقِرَاءَةِ أَيِ اتْلُ ( وَارْقَأْ ) أَمْرٌ مِنْ رَقَأَ يَرْقَأُ رَقْئًا أَيِ اصْعَدْ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: رَقَأَ فِي الدَّرَجَةِ صَعِدَ وَهِيَ الْمَرْقَأَةُ وَتُكْسَرُ. أَيْ {يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأِ الْقُرْآنَ وَاصْعَدْ عَلَى دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ} وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ عَنْ قَرِيبٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.

 


 [*]قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح في وصف الجنة :
وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده و جعلها مقرا لأحبابه و ملأها من رحمته و كراماته و رضوانه و وصف نعيمها بالفوز العظيم وَمُلْكُها بالمُلك الكبير وأودعها جميع الخير بحذافيره وطهرها من كل عيب وآفة و نقص فإن سألت عن أرضها و تربتها فهي المسك و الزعفران و إن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن و إن سألت عن بلاطها فهو المسك الأذفر و إن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ و الجوهر و إن سألت عن بنائها فلبنة من فضة و لبنة من ذهب و إن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب و فضة لا من الحطب و الخشب و إن سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل و إن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل و إن سألت عن أنهارها فانهار من لبن لم يتغير طعمه و انهار من خمر لذة للشاربين و انهار من عسل مصفى و إن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون و لحم طير مما يشتهون و إن سألت عن شرابهم فالتسنيم و الزنجبيل و الكافور و إن سألت عن آنيتهم فآنية الذهب و الفضة في صفاء القوارير و إن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام و ليأتين عليه يوم و هو كظيظ من الزحام و إن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها و إن سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها و إن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه و سرره و قصوره و بساتينه مسيرة ألفي عام و إن سألت عن خيامها و قبابها فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلا من تلك الخيام و إن سألت عن علاليها و جواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار و إن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار و إن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير و الذهب و إن سألت عن فرشها فبطائنها من إستبرق مفروشة في أعلى الرتب و إن سألت عن أرائكها فهي الأسرة عليها البشخانات و هي الحجال مزررة بأزرار الذهب فما لها من فروج و لا خلال و إن سألت عن وجوه أهلها و حسنهم فعلى صورة القمر وإن سألت عن أسنانهم فأبناء ثلاث و ثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر و وإن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين و أعلى منه سماع أصوات الملائكة و النبيين و أعلى منهما خطاب رب العالمين و إن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب إن شاء الله مما شاء يسير بهم حيث شاءوا من الجنان و إن سألت عن حليهم و شارتهم فأساور الذهب و اللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان و إن سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون و إن سألت عن عرائسهم و أزواجهم فهن الكواعب الأتراب اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب فللورد و التفاح ما لبسته الخدود و للرمان ما تضمنته النهود و اللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور و للرقة و اللطافة ما دارت عليه الخصور تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت و يضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيرين و إذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبين و إن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين يرى وجهه في صحن خدها كما يرى في المرآة التي جلاها صقلها و يرى مخ ساقها من وراء اللحم و لا يستره جلدها و لا عظمها و لا حللها لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحا و لاستنطقت أفواه الخلائق تهليلا و تكبيرا و تسبيحا و لتزخرف لها ما بين الخافقين و لا غمضت عن غيرها كل عين و لطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم و لا من من على ظهرها بالله الحي القيوم و نصيفها على رأسها خير من الدنيا و ما فيها و وصالها أشهى إليه من جميع أمانيها لا تزداد على طول الأحقاب إلا حسنا و جمالا و لا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالا مبرأة من الحبل و الولادة و الحيض و النفاس مطهرة من المخاط و البصاق و البول و الغائط و سائر الأدناس لا يفنى شبابها و لا تبلى ثيابها و لا يخلق ثوب جمالها و لا يمل طيب وصالها قد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمح لأحدٍ سواه و قصر طرفه عليها فهي غاية أمنيته و هواه ، إن نظر إليها سرته و إن أمرها بطاعته أطاعته و إن غاب عنها حفظته فهو معها في غاية الأماني و الأمان هذا و لم يطمثها قبله إنس و لا جان ، كلما نظر إليها ملأت قلبه سرورا و كلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤا منظورا ومنثورا و إذا برزت ملأت القصر والغرفة نورا ، و إن سألت عن السن فأترابٌ في أعدل سن الشباب ، و إن سألت عن الحُسْنِ فهل رأيت الشمس و القمر و إن سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن حور ، و إن سألت عن القدود فهل رأيت أحسن الأغصان و إن سألت عن النهود فهن الكواعب نهودهن كألطف الرمان و إن سألت عن اللون فكأنه الياقوت و المرجان و إن سألت عن حسن الخلق فهن الخيرات الحسان اللاتي جمع لهن بين الحسن و الإحسان فأعطين جمال الباطن والظاهر فهن أفراح النفوس قرة النواظر و إن سألت عن حسن العشرة و لذة ما هنالك فهن العرب المتحببات إلى الأزواج بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها و إذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها و إذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة و إن خاصرته فيا لذة تلك المعانقة و المخاصرة   و حديثها السحر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحرز   إن طال لم يملل و إن هي حدثت ود المحدث أنها لم توجز  و إن غنت فيا لذة الأبصار و الأسماع و إن آنست و أمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة و الإمتاع و إن قبلت فلا شيء أشهى إليه من ذلك التقبيل و إن نولت فلا ألذ و لا أطيب من ذلك التنويل هذا ، و إن سألت عن يوم المزيد وزيادة العزيز الحميد و رؤية وجهه المنزه عن التمثيل و التشبيه كما ترى الشمس في الظهيرة و القمر ليلة البدر كما تواتر عن الصادق المصدوق النقل فيه و ذلك موجود في الصحاح و السنن و المسانيد .

 


فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة و يا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة و يا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة وجوه يوم ناضرة إلى ربها ناظرة و وجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة   فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى و فيها المخيم و لكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا و نسلم .
 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day