1. المقالات
  2. لقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم - الشيخ صالح عينر
  3. لقاء الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم

لقاء الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم

لقاء الحبيب محمد  صلى الله عليه وسلم


( محمد ) إن هذه الكلمة – وحدها مجردة عما يقترن بها ؛ أو يساق معها ؛ أو يجىء فى أثرها من الأوصاف والنعوت ؛ والإحداث والجهود ؛ تشيع فى الجو الذى تسبح فيه ؛ والفم الذى ينطق بها ؛ معنى من معانى الجمال والاجلال والسحر ؛ لايمكن لكائن من كان من الناس أن يحدده التحديد الذى يكشف عن حقيقته فى فن الموسيقى الخلابة ؛ ولا البلاغة الأخاذة ؛ ولا الجاه الذى لايتطاول اليه جاه ؛ أو يمكن أن يزاحمه كبرياء وجبروت المتحكمين ؛ أو غرور المخدوعين ؛ أو أحلام المتطلعين ؛ لأن كل من أبناء أدم الذين تضفى عليهم أدرية المهابة ؛ وثياب العزة ؛ ومسوح الجلال والاحترام ؛ خُلقه هو خُلق محمد  صلى الله عليه وسلم  ؛ الذى تذوب امامه النعوت ؛ وتتهاوى بين يديه الأوصاف ؛ وتقصرالاحاطة بكماله الالفاظ ؛ فتقف موقف العجز عن التنويه به ؛ أو الكشف عنه بلاغة البلغاء ؛ وأساليب الادباء ؛ ومنطق اللسن المقاويل ؛ ويكفى أن تمر بالخاطر الواجم ؛ أو تجرى على لسان الواهم ؛ أو تملاْ قلب الواعى أو فؤاد المتحدث ؛ أو يقع عليها نظرقارىء فى ثنايا السطور ؛ أو فى صفحة من كتاب ؛ حتى يجد القارىء ؛ أو السامع ؛ أو المتذكر ؛ أو المتدبر ؛ أنه تأخذه المهابة من جميع جهاته ؛ وتصيب جسمه القشعريرة التى تصيبه اذا وجد نفسه فى حضرة عظيم من العظماء الذين تملاْ مجالسهم الهيبة الربانية التى لا تكون مستمدة من غطرسة مصنوعة ؛ وانما هى من صنع الذى خلق السموات والارض ؛ وجعل الظلمات والنور .

 


وفى تاريخه  صلى الله عليه وسلم  ما يدل على أن تيجان الملوك ؛ وعروش الجبابرة ؛ وكبرياء من كانت الدنيا بأيديهم والسيوف بسواعدهم ؛ والسلطان بحوزتهم ؛ تتساقط بين يديه ؛ أو يصيبها الشلل والجمود أمامه ؛ فلا يجرؤ قوى أن يهدده ؛ ولا يتطاول جبار أن يخيفه ؛ ولا يمكن لشرير مهما كانت شراسته وحمقه أن يهز كيانه أو يزلزل بنيانه ؛ أو يملاء يقينه الذى كان عامراً بخالقه .

ولم يكن هناك بشر يتهيبه  صلى الله عليه وسلم  ؛ أو يخشى بأسه ؛ أو ترتعد فرائسه منه ؛ وذلك لأن الذى أرسله بالبينات ؛ وأيده بالمعجزات ؛ جعله هو فى نفسه قدوة هذه الانسانية فى أخلاقه الكريمة وأدبه الجم ؛ وذكائه اللماح ؛ وعبقريته الفذة ؛ وعقله الكبير ؛ وقلبه الرحيم ؛ وعطفه الفطرى ؛ وحبه للخير ؛ وميله للبر ؛ وعطفه على الناس ؛ وتفانيه فى الاصلاح ؛ وارتباطه بربه وتعلقه بالسماء ؛ مما منحه ثقة واطمئنان لاحدود له بخالقه الذى يقول للشىء كن فيكون .

 


وهكذا لم تبلغ لفظة من ألفاظ الاعلام ؛ ولا اسم من أسماء المعانى ؛ ولا كلمة من الكلمات فى ضخامة جرسها ؛ ودوى صوتها ؛ ونباهة شأنها ؛ وشهرة دلالتها ؛ وإيمان الخليقة بها - بعد لفظ الجلالة – ما بلغته تلك اللفظة ( محمد ) التى يتيمن بها المسلم ؛ ويتعز بها الموحد ؛ ويفاخر بها الانسان السوى ؛ ويشرف بالانتساب اليها كل من تكامل له عقله ؛ ونضج فيه وعيه ؛ وصح عنده دينه ؛ وارتقى ادراكه وشعوره ؛ وسلم بصره وذوقه ؛ وتردده ألسنة الملايين فى جميع بقاع الارض وأنحاء الكون ؛ تتلذذ بذكرها وترتاح لنغمتها ؛ وتسر بمرورها على البال وخطرها بالذهن .

ولقد عاصرت أحداث التاريخ ؛ وصيحات المصلحين ؛ ودعوات الهداية ؛ والتقويم على الحجة الواضحة ؛ والجادة الصحيحة ؛ سيرتك ومسكك يارسول الله ؛ فكان منها الشعاع الكاشف ؛ والضياء المساعد ؛ والنور الذى ترى به البشرية مواضع أقدامها فى طريق الخير ؛ وسبيل الحق ؛ ودروب السداد والصواب ؛ والسلامة والنجاة والرشاد والفلاح ؛ والتقدم والحضارة والنهوض والعلم والعرفان .

 


ولا يعنينا فى هذا المقام أن نسترسل عبر حوادث التاريخ لحظة بلحظة ؛ أوموقف بموقف ؛ ولا حدث بحدث ؛ ولا يعنينا أيضاً أمور حفظتها ذاكرة التاريخ ورددها الناس أو غابت عنهم فلم يذكرها إلا القليل النادر من المتابعين من الدارسين المتخصصين ؛ ولا يعنينا أمور تشرئب اليها اعناق الباحثين المتخصصين ؛ من غزوات وبناء دولة اسلامية دانت لها الدنيا - على أهمية ذلك القصوى - فهى أمور لها من يتوقف معهـا من الدارسين أو المتخصصين الذين هم أفصح منا لساناً ؛ وأعظم منا بياناً ؛ وأوسع دراسة ؛ وأجود مساحة تسمح لهم بذلك ؛ وأعظم تفصيلاً وتبياناً ؛ وابعد تمحيصاً وفطنة ونبوغ ..
 


وانما يعنينا فى هذا المقام ما يحدث للنفس التى لايتسع لها الكون المحدود ؛ وتلك الارض المرسومة ؛ وهذه السماء المرفوعة من سمو وعلو حول معانى الانسانية التى أرساها محمد  صلى الله عليه وسلم  ؛ فقد حام الفلاسفة حولها ردحاً من الزمان ؛ عبر الزمن الطويل دراسة وتحليلاً ؛ وتعليلاً ؛ ؛ فما وصلواْ الى معشار ما صلت اليه يارسول الله ؛ لانك لاتنطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى ؛ حتى توصلت باذن ربك الى خلاصة هذا الخلق وسر هذا الوجود ؛ ومعنى الانسانية فى الانسان الذى أرسلك الله لتقويم النفس وتهذيبها ؛ وهدايتها وارشادها ؛ وتكريمها واجلالها ؛ وحريتها من الذل والاسر ؛ وتخليصها من رق العبودية ؛ وضراوة الاقطاع وكابوس الظلم ؛ وفوضى النظم والدساتير ؛ لتكون له السيادة فى الارض ؛ والقيادة لما فى الدنيا من اجل تهذيب هذه النفس والارتقاء بها .
 


نعم فى كل جوانب تاريخ الرسول  صلى الله عليه وسلم  عظمة خارقة ؛ وكل باحث فى مجاله يستطيع أن يستخرج جانب من عظمة وعبر ومكنونات ما يبحث فيه من سيرة محمد  صلى الله عليه وسلم  ؛ ولكن فى نهاية كل هذا التاريخ المكتظ بالاحداث والمواقف ؛ حلوها ومرها ؛ كبيرها وصغيرها ؛ افعالها وكلماتها ؛ سيجد المتأمل انه فى نهاية الامر أن أهم وأعظم ما تخرج به البشرية من دروس مستفادة ؛ وتعاليم مقدسة ؛ هو تهذيب النفوس وتأديبها ؛ مع الله ؛ مع الانبياء ؛ مع باقى البشر ؛ مع الحيوانات ؛ مع جميع الكائنات ؛ مع هذا الكون الفسيح ؛ لقد وضع الرسول  صلى الله عليه وسلم  منظومة من القواعد الانسانية تعلم الانسان كيف يكون انسان سيداً لهذا الكون .
 

 


اذن هذا كله صدى لهمته  صلى الله عليه وسلم  الكبيرة ؛ وشخصيته العظمى ؛ وضميره النقى ؛ ودخيلته الطاهرة ؛ ونحيزته الشريفة ؛ ورغبته الخالصة من شوائب الفضول والزيف والتمويه والكذب والرياء والنفاق ؛ نعم فان الذى أدبه الله سبحانه وتعالى ؛ وبهذا الأدب الذى أدب الله به نبيه ؛ كان أدب النبى  صلى الله عليه وسلم  ؛ ولقد وضع  صلى الله عليه وسلم  قواعد لهذا الادب الربانى ليسير الناس عليه ؛ فكانت أخلاق النبى  صلى الله عليه وسلم  انطلاقاً من هذا الادب . وستظل هذه الاجيال عبر الزمن والعصور ؛ تدرس جوانب العظمة ؛ وذلك الشرف المجسم فيك يارسول الله ؛ لتأخذ منها نماذج من النبل ؛ والشرف ؛ والعدل ؛ والصدق ؛ والعفة ؛ والشجاعة ؛ والاقدام ؛ والتواضع ؛ والود ؛ وشواهد وملامح الاخلاق ؛ وملامح السمو وكمال النفس الانسانية ؛ فتجد فى سيرتك مقاييس الخير ؛ والافكار الواعية ؛ والعقول الناضجة عبر صفحات تاريخك المشرق المضىء ..
 


وحسبك يا حبيبى يارسول الله أن اسمك ( محمد ) مأخوذ من ( الحمد ) الذى هو نهاية جهد كل انسان فى سعيه وآخر كدحه فى عمله ؛ وقصار اعلان الشكر لبارئه ؛ اذا ترادفت عليه نعمه وغمرته ألاؤه وشمله عفوه وأحاطت به وسائل رحمته .

وليس بعد هذا الشرف العظيم حيث يقول عنك ربك فى تلك المكانة التى ارتقيت اليها بفضل الله وتكريمه لك ؛ حتى يتردد اسمك فى السر والعلن ؛ مقروناً باسم الاله المعبود ؛ الذى أمر عباده قائلاً :


( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )


سورة الاحزاب الاية (56)


( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )


سورة آل عمران الاية 31

ففى هذا من الله لرسوله وسام الشرف ؛ وشارة المجد ؛ وعنوان الاجلال ؛ وسمو التقدير الذى ليس بعده ولا قبله



هيا بنا ..

هيا بنا لنتوجه لزيارته  صلى الله عليه وسلم  ..

ولعلنا نكون قد أطلنا عليك ؛ لكن لابأس ؛ فقد كان من الضرورى واللازم ؛ أن تعرف هذه المقدمة التى ما أوفت الحبيب محمد  صلى الله عليه وسلم  ولو جزء يسير مما يجدر أن يقال عنه ؛ ولكننا نجد انفسنا مضطرين للتوقف لضيق المساحة ؛ وغياب فصاحة اللسان ؛ وعجز التبيان ؛ أن أن نوفيه  صلى الله عليه وسلم  ولو النذر اليسير مما يستحقه  صلى الله عليه وسلم  ..

هيا بنا اذن ..

تعالى معى بكل همة ونشاط .. نعم جدد نشاطك ..

هل لبست أجود ما لديك من ثياب .. اننى فعلت ..؟

هل تعطرت مثلى ..؟

نعم المحبون من البشر يفعلون ذلك عند لقاء من يحبون ..!

أنا وأنت .. ومعنا كل من يحب زيارته .. ذاهبون للقاء أعظم محبوب من الممكن أن يحبه المسلم من البشر .. انه أحب الينا من الاباء والامهات ..!

بل يجب أن يكون أيضاً أحب الينا من انفسنا التى بين جنباتنا ..!

نعم .. نعم .. بل بغير هذا لن يكون المرء منا محباً له .. عفواً .. بل لن يكون ايمانه مقبولاً أو كاملاً على ميزان الكتاب والسنة ..!

هل أعددت نفسك لهذه الزيارة ..؟

انك ستزور أعظم خلق الله ؛ حبيبه ؛ وخاتم رسـله ؛ الذى كــان قاب قوسين أو أدنى فى رحلة الاسراء والمعراج ؛ حتى يتوقف جبريل - عليه السلام – وما جرؤ ان يتقدم ؛ فقال للرسول  صلى الله عليه وسلم  فى موضع عند سدرة المنتهى : تقدم أنت يامحمد ؛ وان كل منا الا وله مقام معلوم ؛ فأنا اذا تقدمت احترقت ؛ وانت اذا تقدمت اخترقت ..

انه حبيب الرحمن ؛ وأول شافع وأول مشفع ؛ ومن بيده لواء الحمد يوم القيامه ؛ وأول من يحلق فى حلق الجنة ؛ وصاحب المكانة السامية – باذن الله – الوسيلة ؛ انها أسمى وأعظم مكانة فى الجنة ..

دعنا نرجع بك ومعك الى الوراء قليللاً .. قليلاً ..

دعنا نعود بالزمن رويداً .. رويداً ..

هيا بنا سوياً .. نعود معاً عبر الزمن الى ذلك الزمن الجميل .. الى خير القرون .. لنقف على وصفاً تفصيليا .. وبثاً مباشراً .. منقولاً عن الواقع وليس الخيال ..

انها لقطات تم التقاطها بعدسات الصحابة الكرام ؛ وقد طبعت هذه الصور عبر معامل تحميض وطبع الصور الاسلامية الشهيرة وغيرهم ؛ انها أقوى وأشهر معامل فى التاريخ الاسلامى ( معامل البخارى ومسلم وغيرهما .. ) ..

انها صوراً تجعلنا نقف عن كثب على حياة حبينا محمد  صلى الله عليه وسلم  ..

فتعال معنا الى رحلة أعظم من كل الرحلات ..

تعال معنا الى رحلة ينخلع لها قلب كل مؤمن مشتاق لرؤية حبيبه محمد  صلى الله عليه وسلم  ..

رحلة نرى فى نهايتها بعين يقين المؤمن ونلتقى بعبق النبى محمد  صلى الله عليه وسلم  ..

فما أعظمها من رحلة ..

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day