1. المقالات
  2. انصر نبيك
  3. من أسباب النصر

من أسباب النصر

تحت قسم : انصر نبيك
2689 2008/06/25 2024/04/25

 

انصر نبيك باتباع سنته

بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة


إن الصراع بيننا وبين عدونا قديم قدم الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ [البقرة:36] فكانت هذه هي البداية، وسيبقى الصراع حتى يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى: ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة:217] ولا يمكن أن ينتهي هذا الصراع أبدًا؛ ولذلك شُرِع الجهاد.
والجهاد على أربع مراتب:

1- جهاد النفس.


2-جهاد الشيطان.


3- جهاد الكفار والمنافقين.


4- جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات.


أما جهاد النفس فعلى أربع مراتب؛ أن يجاهدها على:


1-تعلم الهدى.


2-العمل به بعد علمه.


3-الدعوة إليه.


4-الصبر على مشاقّ الدعوة.

 


وأما جهاد الشيطان فعلى مرتبتين:


جهاده على دفع ما يلقى من الشبهات.


ودفع ما يلقى من الشهوات.

 


وأما جهاد الكفار والمنافقين فعلى أربع مراتب:


بالقلب واللسان والمال والنفس.


فجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.


وأما جهاد أرباب الظلم والمنكرات والبدع فباليد إذا قَدَرَ، فإن عَجَزَ انتقل إلى اللسان، فإن عَجَزَ جاهد بقلبه.قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ومن مات ولم يَغْزُ ولم يحدِّث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق". أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وأحمد من حديث أبي هريرة.

 

أسباب النصر


السبب الأول:

 تَحَمُّل هذه الأمة لِمَسئولية نشر الإسلام. قال الله -تبارك وتعالى- عنهم: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:110]، فنحن الذين أُخْرِجنا للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، فنحن مسئولون عن المظالم التي تقع، وحتى عن الفجور والشرور الذي يقع من الكفار في بلادهم. فهذه تعتبر مسئولية على المسلمين؛ لأنهم هم الذين يملكون كلمة الله التي لم تُحَرَّف ولم تُبَدَّل.

 

 

السبب الثاني:

اتخاذ أسباب النصر يحقق النصر


وهذه هي سنة الله ووعده، فلقد كان بنو إسرائيل مستضعفين مستعبدين من فرعون، ولكن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أخبر عن وعده لهؤلاء فقال: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾ [القصص:4]، وقال كذلك: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص:5]، وفعلاً تحقق ذلك لَمَّا كان بنو إسرائيل على دين الله، ولما اتبعوا نبيه، رغم ما فيهم من الْتِوَاءات، وبالرغم مما قاسى موسى -عليه السلام- ومما عانى منهم، كما شكى ذلك لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ليلة الإسراء، فقال: {قد عانَيْت من أمر الأمم من قبلك ما لم تُعان} ومع ذلك فقد قال تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ﴾ [الأعراف:137] فتحقق وعد الله -عز وجل- مع أنهم كانوا أمة في الحضيض، وأمة عصاة غلاظ القلوب والأكباد، إلا أنهم ابتعدوا عن التخاذل فترة ما أورثهم الله، ومن أصدق من الله قيلاً، فكيف بهذه الأمة!

 

 

السبب الثالث:

 رسوخ الإيمان في القلوب هو سبب النصر -وليس التقدم المادي

 

 فالعالم اليوم يخاف من الانهيار ويخشى منه، وما من دولة أو فرد إلا وهو يخشى ذلك ويحسب له كل حساب، فينظرون في أسباب سقوط الأمم من زاوية واحدة فقط وهي الزاوية المادية أو الاقتصادية، حتى إن الكثير من أفراد الأمة المباركة أصبحوا يصدقون هذا، ونحن أمة الإسلام والقرآن يجب علينا أن نعرض كل أمر من الأمور على كتاب ربنا، وسنة نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنعرف قيمة هذا الإيمان وحقيقته، وأنه هو الذي به تصلح دنيانا وأُخرانا، وأما المقاييس والمعايير التي يقيس بها الكفار والماديون والشيوعيون والملاحدة؛ فليست بحجة ولا بعبرة عند من يؤمن بالله واليوم الآخر، فهذا نبي الهدى والرحمة -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخبرنا فيقول: {ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تُبْسَط عليكم الدنيا كما بُسِطَت على مَن كان قبلكم، فتتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم}.

 

أمثلة


والعجب أنه ما مِن أمة أهلكها الله -تبارك وتعالى- إلا وهي في حال القوة، ويشهد بذلك كتاب ربنا وكذلك التاريخ وواقع الأمم، فقوم نوح دُمِّرُوا في وقت قوتهم وتمكنهم.  وقوم عاد الذين قالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت:15] فلم يَرَوا أن أحدًا أشد منهم قوة، وقد قال الله -تبارك وتعالى- فيهم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ﴾ [الفجر:6-8].

 


وثمود: ﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾ [الفجر:9] الذين نحتوا الجبال، وبَنَوا وشادُوا المصانع، فهل أتاهم عذاب الله وهم في حالة ضعف أو في حالة انهيار اقتصادي؟! أبدًا، فقد أتاهم وهم في أقوى ما يمكن أن يكونوا عليه من القوة والتمكن.

 


وفرعون -أيضًا- متى أُهْلِكَ ومتى دَمَّر الله هذه الأمةَ القبطية الفرعونية؟ وهل دُمِّرَت وهي في حالة ضعف؟! لا، بل دُمِّرَت وانهارت وسقطت وهي في أشد قوتها؛ عندما تَكَبَّرَ زعيمها، ذلك الرجل الذي بلغت به الوقاحة والجرأة على رب العالمين أن يقول: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات:24] وأن يقول: ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾ [القصص:38] ففي أشد القوة والتمكن دمره الله.


عندما دمَّر الله -تبارك وتعالى- ملك كسرى وقيصر فهل دُمِّرَت مملكة الفرس والروم لأنها كانت تُعاني من ضعف مادي؟! أبدًا، فلقد كان الفرس يستعمرون الجزء الشرقي من العالم وينهبون خيراته، وكان الروم يستعمرون الجزء الغربي، ويكفي أن نعلم أن الروم كانوا مستعمرين لـبلاد الشام ومصر وغرب إفريقيا بكاملها، فكانت مستعمرة رومانية.
إذًا.. في أوج القوة والعظمة سقطوا وذهبوا، لماذا؟ لأنهم واجهتهم وقابلتهم جيوش التوحيد التي عقد لواءها خليفة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذلك البلد الطيب الطاهر، تلك الجيوش القليلة العدد والعُدَّة، لكنها ذهبت وانطلقت ذات اليمين وذات الشمال، فأطاحت بأعظم دولتين في تاريخ القرون الوسطى، فكيف انهارت، ولماذا انهارت؟ وهل كان سبب الانهيار هو الضعف المادي أو الاقتصادي أو التفكك السياسي أو... أو...إلخ؟!
ومع الأسف فهذا هو الذي نجده؛ وأن أكثر الأمة تعتقده، وهو أن تنظر إلى أسباب النصر على أنها أسباب مادية بحتة.

 

السبب الرابع: الصبر والتقوى


توطين النفس على الصبر خاصة عند لقاء العدو المسلم لا يتوقف صبره على مواجهة العدو في ساحة المعركة، بل إنه يشمل جميع نواحي حياته في طريق دعوته ودفاعه عن هذا الدين.
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت:3,2]،
ويقول عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200].

 

 

السبب الخامس:

أن يكون الخروج إلى الجهاد طلبًا لمرضاة الله (عدم إرادة الدنيا).


﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ﴾ [الأنفال:47] أي: بَطِرِينَ، ومن أجل أن يرى الناس مكانهم في هذه الأرض ويهابوهم، وهؤلاء هم الذين أحلوا قومهم دار البوار، فعلى المسلمين إذا خرجوا للجهاد في سبيل الله أن يكون خروجهم لأجل غاية سامية تلك التي من أجلها يراد النصر وهو مرضاة الله، وطمعا فيما عند الله في الآخرة، وليست الغاية هي تكوين خلافة والتمكين في الأرض، فهذا مطلوب لكنه ليس غاية؛ فإن أول سبب من أسباب النصر هو حسن القصد وتصحيح النية.

 

 

السبب السادس:

الثبات وعدم الفرار


قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا﴾ [الأنفال:45] أي: إذا قاتلتم جماعة من الكافرين فَاثْبُتُوا.  والثبات حسي ومعنوي، والأمر بالثبات في الآية يشمل الأمرين جميعًا: الثبات الحسي، والثبات المعنوي.


أما الثبات الحسي: فهو ما نعرفه في أحكام الشرع من عدم الفِرار عند الزحف، والعدو يطمع في هزيمة المسلمين حينما يفر منهم من يفر من الزحف،
لكن هناك ثبات يَغْفَل عنه الناس وهو ثبات القلوب والأفئدة؛ ثبات العقيدة، قال الله -تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [الأنفال:10]، (وما النصر إلا) تفيد في لغة العرب الحصر، بمعنى أنه يستحيل أن يأتي النصر حتى من هؤلاء الملائكة؛ لأن النصر من عند الله وحده.
لا بد من فهم معنى قوله تعالى: ﴿إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا﴾ [الأنفال:45] لا بد أن تثبت العقيدة، وأن تستقر النفوس إلى أن النصر لا يأتي إلا من عند الله -عز وجل- وأن هذه الأسباب لا تُغْنِي من الله -عز وجل- شيئًا، ولذلك يقول العلماء: الأخذ بالأسباب مع الاعتماد على المسبب سبحانه وتعالى عقل، والاعتماد على الأسباب وحدها كفر بالله -تعالى- وإلغاء الأسباب نقص في العقل، معنى ذلك: أنه لا بد من الأخذ بالأسباب بشرط أن يقترن بها الاعتماد على الله -سبحانه وتعالى.

 

 

السبب السابع:

ذكر الله والتضرع له والتوبة


يقول الله -عز وجل: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال:45] فذكر الله -سبحانه وتعالى- من أكبر أسباب النصر، ولذلك كانت الحصون تهتز وتتساقط ويستسلم أهلها حينما يسمعون تكبير المسلمين قائلين: «الله أكبر»، وكان كلما استعصى فتح حصن من الحصون في عهد الرسول -عليه السلام- وفي عهد سلفنا الصالح -في عهد الفتوحات- كان ترديدهم «الله أكبر» أشد من القنابل الموجودة في عصرنا الحاضر، ولذلك لا بد من ذكر الله -عز وجل- سواء كان الذكر باللسان أو بالجوارح أو بالقلب.


فذكر القلب: أن يتعلق بالله -سبحانه وتعالى- وأن يتوكل عليه.


وذكر الجوراح يكون بالعبادة والطاعة لله -سبحانه وتعالى.


وذكر اللسان: اللهج بالثناء عليه وتسبيحه وتحميده. ولذلك يقول الله -تعالى: ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام:43] فالتضرع هو المطلوب في مثل هذه الظروف، فعلينا دائمًا أن نرفع أكف الضراعة إلى الله -عز وجل- بقولنا: يا رب! يا رب! فهذا هو التضرع.  يقول الله -تعالى- عن الأمم التي أنزل بها بأسه وعذابه: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون:76].
وقال عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9].
فإن الرسول -عليه السلام- قام في ليلة بدر يتضرع بين يدي الله، ويناشد ربه أن يُنْجِزَ له ما وعده، ويقول: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض) فكان يرفع يديه إلى السماء حتى كان يسقط رداؤه من على كتفيه، فيضع أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- رداءه على كتفيه، ويقول: (يا رسول الله! ارفق بنفسك، فإن الله منجز لك ما وعدك).

 


كذلك التوبة، فلا بد من مراجعة الحساب، ولا بد من الإنابة إلى الله -عز وجل- ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر:54-59] فهذه المعاصي لَرُبَّمَا تُحبط كل سبب، وتُبطل مفعول كل سلاح؛ فلا بد من العودة إلى الله -عز وجل.

 

السبب الثامن:

التزام أوامر الله -تعالى- ورسوله في كل الأحوال (عدم العصيان).


يقول تعالى مبينًا السبب الثالث للنصر: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأنفال:46]، فعند مقابلة الفئة الكافرة في المعركة، وقبل مقابلتها، وبعد مقابلتها، لا بد من طاعة الله ورسوله طاعة مطلقة، لا خلاف فيها ولا اعوجاج ولا انحراف، ليست هناك خِيَرَة، وإنما الْخِيَرَة لله -عز وجل- ولرسوله، فلقد عُوقب الصحابة -وهم خير البرية- يوم أُحُد بسبب معصية صغيرة؛ وذلك حينما قال النبي -عليه السلام- للرماة في ذلك اليوم: (اثْبُتُوا على الجبل، ولا تنزلوا ولو رأيتم الطيور تتخطفنا)، فلما تقهقر المشركون، وبدأ المسلمون يجمعون الغنائم، ظن الرماة الذين كانوا على رأس الجبل أن المعركة قد انتهت، وأن الوقت قد حان للنزول، فنزلوا متأَوِّلِين، ومع ذلك فإن الله -تعالى- يقول: ﴿وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران:152] وهذه المعصية أحاقت بالمسلمين هزيمة قاسية؛ حتى إن الرسول -عليه السلام- شُجَّ رأسُه، وكُسِرَت رُبَاعِيَّتُه، ووقع في حفرة، حتى أحاط به المسلمون يحمونه ويذودون عنه أذى الكفار، وكل ذلك كان بسبب معصية خمسين رجلاً من المسلمين، لا ملايين البشر، وكانت معصية صغيرة حسب رأيهم، وكانت بِتَأَوُّل، ومع ذلك فإن الله -تعالى- يقول: ﴿وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران:152].

 

 

السبب التاسع:

اجتماع كلمة المسلمين وعدم التنازع والاختلاف


﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال:46]. فإن وحدة الصف تؤدي إلى ظهور مواطن القوة في أي تجمع مهما كان قليل العدد، وبالعكس من ذلك فإن الخلاف شر، والتنازع لا يؤدي إلا إلى الفشل والضعف، وقد بَيَّنَ الله -عز وجل- عواقب الفشل في هذه الآية بقوله: ﴿وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال:46]. كما بَيَّنَ النبي -عليه السلام- الحكم على من سعى في تثبيط المسلمين، وذلك في حديث عرفجة بن شريح قال: سمعت رسول الله -عليه السلام- يقول: (ثم ستكون بعدي هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر أمة محمد -عليه السلام- وهم جميع فاضربوه بالسيف)، وفي رواية أسامة بن شريك قال: قال عليه السلام: (فمن رأيتموه يريد تفريق أمر أمة محمد -عليه السلام- وهم جميع فاقتلوه كائنًا من كان من الناس)، وهذا الحكم من الرسول -عليه السلام- إنما يدل على مدى خطورة الفُرقة والنزاع على الصف الإسلامي.

 

 

السبب العاشر:

 تحقيق الذل لله -عز وجل

.
قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: 123]. والذلة هنا إما بمعنى القِلَّة كما في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ﴾ [الأنفال: 26]، حيث كانوا مستضعفين وقلة. والمعني الثاني: ﴿وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: 123]؛ أي أذلة لله -عز وجل- وهذا على عكس ما حدث في حُنَيْن، ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ [التوبة: 25]. وإن كنا اليوم مستضعفين فقد تكون المحنة في جوفها منحة إذا تحقق بالاستضعاف الانكسارُ والذلُّ بين يدي الله -عز وجل- فإن خِلْعَةَ النصر مع وِلايَةِ الذُّلِّ.

 

المراجع
(كتب)
مختصر زاد المعاد للإمام ابن القيم.


(أشرطة)
أسباب النصر والهزيمة للشيخ عبد الله الجلالي.
أثر الإيمان في بناء الأمم للشيخ سفر الحوالي.
أسباب النصر والهزيمة للشيخ أبو إسحاق الحويني.

المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day