البحث
قبر عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله ومن ذكر معهما
تحت قسم :
معالم المدينة المنورة
7444
2010/04/13
2024/10/05
روى مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريين ثم السلميين كانا في قبر واحد، وكانا ممن استشهد في يوم أحد، وكان قبرهما مما يلي السيل، فحفر عنهما ليغيرا عن مكانهما، فوجدا لم يتغيرا كأنما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه ، فدفن وهو كذلك، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت، وكان بين يوم أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة.
---------------------
وفاء الوفاء ج 3 ص 936
وقال مالك: إن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو كفنا في كفن واحد وقبر واحد، رواه ابن شبة، ثم روى بسند جيد عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: دفن مع أبي رجل يوم أحد في القبر فلم تطب نفسي حتى أخرجته فدفنته على حدة.
قلت: يحتمل أن سبب الإخراج ما تقدم من أمر السيل، ووافق ذلك ما في نفس جابر، فتكون القصة واحدة، لكن روى البخاري في صحيحه خبر جابر مطولاً، وفيه ما لفظه "قال: ودفنت معه آخر في قبره، فلم تطب نفسي أن أتركه مع أحد، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته غير هنية عند أذنه".
فقوله "بعد ستة أشهر" يقتضي أن ذلك ليس هو قصة أمر السيل؛ لأن المدة في تلك ست وأربعون سنة.
وروى ابن شبة عن جابر أيضاً قال: صرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين، فأتيناهم فأخرجناهم رطاباً تتثنى أجسادهم، قال سعيد بن عامر أحد رواته: وبين الوقعتين أربعون سنة.
وقال ابن إسحاق: حدثني أبي عن رجال من بني سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ـ حين أصيب عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو يوم أحد ـ أجمعوا بينهما؛ فإنهما كانا متصافيين في الدنيا، قال أبي: فحدثني أشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء استضرخنا عليهم، وقد انفجرت العين عليهما في قبورهما، فجئنا فأخرجناهما وعليهما بردتان قد غطي بهما وجوههما، وعلى أقدامهما شيء من نبات الأرض، فأخرجناهما يتثنيان تثنيا كأنهما دفنا بالأمس، نقله البيهقي في دلائل النبوة.
وعن جابر من حديث طويل قال: فبينا أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالتي عادلتهما على ناضح، فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا إذ لحق رجل ينادي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمركم أن ترجعوا بالقتلى، فيدفنوا في مصارعهم حيث قتلوا، فرجعناهما، فدفناهما حيث قتلا، فبينا أنا في خلافة معاوية بن أبي سفيان إذ جاءني رجل فقال: يا جابر، لقد أثار أباك عمال معاوية، فخرج طائفة منه، فأتيته فوجدته على النحو الذي دفنته لم يتغير إلا مالم يدع القتل أو القتال، فواريته، الحديث، رواه أحمد برجال الصحيح خلا نبيح الغنوي وهو ثقة.
قلت: فهذه قصة ثالثة؛ فيؤخذ من مجموع ذلك أن جابراً حفر عن أبيه ثلاث مرات:
الأولى: لعدم طيب نفسه بدفنه مع غيره، ولعله استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأذن له؛ لما يترتب عليه من ظهور ما يشهد لحياة الشهداء وسلامة أبدانهم، وكان دفنهم مجتمعين للضرورة في ذلك اليوم، أو فهم جابر جواز ذلك عند زوال تلك الضرورة واتساع الوقت ففعله، وكأنه لما أخرجه دفنه بإزاء قبر صاحبه وصهره محافظة على القرب من مصرعه، فقد جاء الأمر بدفنهم في مصارعهم.
والثانية: لما أجرى معاوية رضي الله تعالى عنه العين، وكان في ذلك أيضاً ظهور المعجزة بحياة الشهداء، فقد أسند ابن الجوزي في مشكله عن جابر قال:
صرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية رضي الله تعالى عنه العين، فأخرجناهما بعد أربعين سنة تتثنى أطرافهم لينة أجسادهم، وفي بعض طرقه: كأنهم نوَّم، حتى أصابت المسحاة قدم حمزة بن عبد المطلب فانبعث دم.
والثالثة: لحفر السيل عنه وعن صاحبه.
وقد روى الواقدي أن قبرهما كان مما يلي السيل، فحفر عنهما وعليهما نمرتان، وعبد الله قد أصابه جرح في يده فيده على جرحه فأميطت يده عن جرحه فانبعث الدم، فردت إلى مكانها فسكن الدم، قال جابر: فرأيت أبي في حفرته فكأنه نائم، وبين ذلك ست وأربعون سنة.
قال: ويقال: إن معاوية لما أراد أن يجري الكظامة نادى مناديه بالمدينة: من كان له قتيل بأحد فليشهد، فخرج الناس إلى قتلاهم، فوجدوهم رباطاً يتثنون، فأصابت المسحاة رجل رجل منهم فانبعث الدم، فقال أبو سعيد الخدري: لا ينكر بعد هذا منكر، ووجد عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح في قبر واحد فنقلا، وذلك أن القناة كانت تمر على قبرهما، ولقد كانوا يجهزون التراب فحفروا ثبرة من تراب فاح عليهم ريح المسك.
قلت: وفيه مخالفة لما تقدم عن الصحيح؛ لاقتضائه بقاءهما في قبر واحد حتى كان إجراء العين، وفي ذلك كله ظهور المعجزة، وهو السر في تكرر ذلك.
قلت: وفيه مخالفة لما تقدم عن الصحيح؛ لاقتضائه بقاءهما في قبر واحد حتى كان إجراء العين، وفي ذلك كله ظهور المعجزة، وهو السر في تكرر ذلك.
وروى ابن شبة عن أبي قتادة قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلت حتى أقتل في سبيل الله تراني أمشي برجلي هذه في الجنة؟ قال: نعم، وكانت عرجاء، فقتل يوم أحد هو وابن أخيه، فمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كأني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد.
قال أبو غسان: قال الواقدي: مع عمرو في القبر خارجة بن زيد، وسعد بن الربيع، والنعمان بن مالك، وعبد الله بن الحسحاس، قال أبو غسان: وقبرهم مما يلي المغرب من قبر حمزة رضي الله تعالى عنه نحو خمسمائة ذراع.
قال: وأما ما يعرف اليوم من قبور الشهداء فقبر حمزة بن عبد المطلب، وهو في عدوة الوادي الشامية مما يلي الجبل، وقبر عبد الله بن حرام أبي جابر ومعه عمرو بن الجموح أي في الموضع المتقدم وصفه،وقبر سهل بن قيس بن أبي كعب بن القين بن كعب بن سواد من بني سلمة وهو دبر قبر حمزة شاميا بينه وبين الجبل.
قال: فأما القبور التي في الحظار بالحجارة بين قبر حمزة وبين الجبل فإنه بلغنا أنها قبور أعراب أقحموا زمن خالد إذ كان على المدينة فماتوا هناك فدفنهم، سؤَّال كانوا يسألون عند قبور الشهداء.
قال: وقال الواقدي: هم ماتوا زمن الرمادة.
قلت: زمن الرمادة عام جدب مشهور، وكان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
وأما زمن خالد فيعني به خالد بن عبد الملك بن الحارث، كان والياً لهشام بن عبد الملك فقحط المطر في ولايته سبع سنين، وفيها جلا الناس من بادية الحجاز إلى الشام، ولا يعرف اليوم من قبور الشهداء غير قبر حمزة رضي الله تعالى عنه كما قاله ابن النجار.
قال: وأما بقية الشهداء فهناك حجارة مرصوصة يقال: إنها قبورهم.
قلت: ينبغي أن يسلم على بقيتهم عند قبر حمزة وفي غربيه وشاميه على النحو المتقدم.
وقال المطري ومتابعوه: وشمالي مشهد حمزة رضي الله تعالى عنه آرام من حجارة يقال: إنها من قبور الشهداء، ولم يثبت ذلك بنقل صحيح.
وقد ورد في بعض كتب المغازي أن هذه القبور قبور أناس ماتوا عام الرمادة، ولا شك أن قبور الشهداء رضي الله تعالى عنهم حول قبر حمزة؛ إذ لا ضرورة أن يبعدوا عنه، انتهى.
قلت قد تقدم النقل ببعد بعضهم عنه على نحو خمسمائة ذراع في المغرب، والمقتضى للبعد الأمر بدفنهم في مصارعهم، والقبور التي قيل إنها ليست قبورهم هي التي عليها حائز قصير من الأحجار قرب الجبل.