1. المقالات
  2. خير الناس لإهله _ أبو سعيد نجوغو مبكي صمب
  3. محبة النبي صلى الله عليه وسلم الصادقة لأزواجه رضيَ الله عنهن

محبة النبي صلى الله عليه وسلم الصادقة لأزواجه رضيَ الله عنهن

محبة النبي  صلى الله عليه وسلم الصادقة لأزواجه رضيَ الله عنهن .

إن حب الشهوات من النساء وغيرها من متاع الدنيا وملذاتها مما جبل عليه عامة الناس ، وليس منقصة كما يتصور بعض الجهلة المنتسبين إلى العبادة والزهد ، قال تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } [1]، قال ابن عاشور رحمه تعالى :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم وبيان الشهوات بالنساء والبنين وما بعدها بيان بأصول الشهوات البشرية التي تجمع مشتهيات كثيرة ، والتي لا تختلف باختلاف الأمم والعصور والأقطار ، فالميل إلى النساء مركوز في الطبع ، وضعه الله تعالى لحكمة بقاء النوع بداعي طلب التناسل ، إذ المرأة هي موضع التناسل ، فجعل ميل الرجل إليها في الطبع حتى لا يحتاج بقاء النوع إلى تكلف ربما تعقبه سآمة )) [2].

والنبي الكريم  صلى الله عليه وسلم بحكم بشريته ليس بدعا في حب ما لذ وطاب من الطيبات من رزق الله تعالى ، ومن ذلك النساء ، قال  صلى الله عليه وسلم :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم إنما حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة )) [3]، وما أعظم هذا التوازن والاعتدال في سلوك النبي  صلى الله عليه وسلم   ووجدانه حيث جمع بين المحبة الفطرية الغريزية للطيبات ، والتعلق القلبي والسكون الروحي بالقرب من الله ومناجاته ، قال القرطبي رحمه الله :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم وكان عليه الصلاة والسلام يتشاغل بالنساء جبلة الآدمية وتشوف الخلقة الإنسانية ، ويحافظ على الطيب ، ولا تقر له عين إلا في الصلاة لدى مناجاة المولى ، ويرى أن مناجاته أحرى من ذلك وأولى ، ولم يكن في دين محمد  صلى الله عليه وسلم الرهبانية والإقبال على الأعمال الصالحة بالكلية كما كان في دين عيسى )) [4].

وقال الدكتور محمد رواس قلعة جي :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم نعم ، ليس عيبا أن يجب الرجل النساء ، ولكن العيب أن تشغل المرأة الرجل عن أداء واجباته تجاه ربه ، أو تجاه أمته ، أو تجاه فرد وجب له حق عليه ، ولكن العيب أن يصير الرجل عبدا للمرأة ، يرى حقها فوق كل حق ، وطاعتها فوق كل طاعة .

ورغم حب النبي  صلى الله عليه وسلم للمرأة ، فإن هذا الحب لم يقصر به في أداء واجباته نحو ربه ، فقد كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ، ولا نحو أمته ، فقد أعطاها من فكره ووقته ما رقى به فوق الأمم ، وجعلها خير أمة أخرجت للناس )) [5].

ومن هذا الباب كان حب النبي  صلى الله عليه وسلم لنسائه ومودته لهن ، فقد كان  صلى الله عليه وسلم يحب أزواجه على اختلاف بينهن في مواقعهن من قلبه الكبير ،  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم سأل عمرو بن العاص  رضي الله عنه النبي  صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله من أحب الناس إليك ؟ قال :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم عائشة )) قال : إنما أقول من الرجال ؟ قال :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم أبوها )) . [6]

 وكان  صلى الله عليه وسلم يعبر عن هذا الحب الطاهر بطرائق وأساليب تنم عن الصدق في العواطف والرقة في المشاعر ،  لا تكلف فيها ولا ضياع ، كحال من تاه من المترفين في قفار العشق والحب .

ومن أشهر ما أثر عن النبي  صلى الله عليه وسلم من دلائل المحبة لأزواجه رضيَ الله عنهن أجمعين ما يلي :

1- كثرة الطواف والدخول عليهن .

 صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم عن أنس بن مالك  رضي الله عنه أن نبي الله  صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ، وله يومئذ تسع نسوة )) [7]، قال ابن حجر رحمه الله :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم وذكر عياض في الشفا : أن الحكمة في طوافه عليهن في الليلة الواحدة كان لتحصينهن ، وكأنه أراد به عدم تشوفهن للأزواج ، إذ الإحصان له معان منها الإسلام والحرية والعفة ، والذي يظهر : أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك ، ولم يكن واجبا ... ، وفي التعليل الذي ذكره نظر لأنه لأنهن حرم عليهن التزويج بعده ، وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها ، وزادت آخرهن موتا على ذلك )) [8].

ومهما تكن الحكمة من كثرة طواف النبي الكريم  صلى الله عليه وسلم على أهله ، فإن هذا الصنيع يدل على محبتهن وتعلق قلبه بهن ، فإنه لو كرههن ، أو كره بعضهن لم يفعل ذلك ، بل يعتزلهن ولا يأتيهن إلا لماما ، ولربما اختار البقاء خارج بيته مع أصدقائه ورفقائه على الأنس بهن والسكون إليهن ، وتعبير أنس ب :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم كان يطوف على نسائه )) يشعر بأن ذلك قد تكرر منه  صلى الله عليه وسلم غير مرة ، والله أعلم .

وكان يأتي أهله إذا رغب ليلا أو نهارا ،  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم فعن جابر : أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ، ثم خرج إلى أصحابه فقال :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم إن المرأة تقبل في صورة شيطان ، وتدبر في صورة شيطان ، فإذا أبصر أحدكم امرأة ، فليأت أهله ، فإن ذلك يرد ما في نفسه )) [9]، قال النووي رحمه الله :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم قال العلماء : إنما فعل هذا بيانا لهم وإرشادا لما ينبغي لهم أن يفعلوه ، فعلمهم بفعله وقوله ، وفيه أنه لا بأس بطلب الرجل امرأته إلى الوقاع في النهار وإن كانت مشتغلة بما يمكن تركه ، لأنه ربما غلبت على الرجل شهوة يتضرر بالتأخير في بدنه أو في قلبه وبصره ، والله أعلم )) [10].

التقبيل والمباشرة :
من أصدق أمارات الحب وأعمق أساليب التودد القبلة والمباشرة ، وذلك لما فيهما من تلامس الأعضاء الحساسة وتقارب الأنفاس بينهما ، ولا يتعاطاهما بصدق إلا المتحابون .

وكان رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقبل زوجاته ويباشرهن رضيَ الله عنهن ، وكن يسعدن ويفرحن بذلك أشد الفرح ، مما جعلهن يقصصن مناسباتها تعليما للناس وابتهاجا بفعل رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وخاصة من كن منهن صاحبة المناسبة .

 صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم عن عائشة رضيَ الله عنها قالت : كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقبل أحدى نسائه وهو صائم ، ثم تضحك )) [11]، قال السيوطي رحمه الله :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم قال القاضي : قيل يحتمل ضحكها التعجب ممن خالف في هذا ، وقيل : التعجب من نفسها حيث تحدثت  بمثل هذا الحديث الذي يستحيى من ذكره ، لا سيما حديث المرأة به عن نفسها للرجال لكنها اضطرت إلى ذكره لتبليغ الحديث والعلم ، فتتعجب من ضرورة الحال المضطرة لها إلى ذلك ، وقيل : ضحكت سرورا لتذكر مكانها من النبي  صلى الله عليه وسلم وحالها معه وملاطفته لها ، ويحتمل أنها ضحكت تنبيها على أنها صاحبة القصة ليكون أبلغ في الثقة بحديثها )) [12].

3-  المحادثة والملاطفة :

رغم تزاحم الواجبات والمسئوليات على النبي  صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يخصص لأهله وقتا كافيا يأنس فيه إليهن ويأنسن هن إليه ، ولا يفعل كما يفعل كثير من رجال زماننا ، ومنهم بعض أهل الخير من العلماء والدعاة ، من تطبيق جميع ما في جعبتهم من معاني الألفة والبشاشة ، والتحلي بالروح الاجتماعية في التعامل مع الناس في المسجد أو في الجامعة أو في المكتب ، وإذا انقلب إلى أهله عبس منه الوجه ، وخرص اللسان ، وبرد الإحساس .

قال ابن القيم رحمه الله  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم كان إذا صلى العصر دار على نسائه فدنا منهن ، واستقرأ أحوالهن ، فإذا جاء الليل انقلب إلى بيت صاحبة النوبة فخصها بالنوبة )) [13].

 صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم وحفظ من سيرته مع أصغر نسائه عائشة رضيَ الله عنها أنه  صلى الله عليه وسلم كان إذا هويت شيئا لا محذور فيه تابعها فيه ، وإذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه في موضع فمها و شرب ، وإذا تعرقت عرقا – وهو العظم الذي عليه لحم – أخذه فوضع فمه موضع فمها ، وكان يتكئ على حجرها ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها ، وربما كانت حائضا ، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة )) . [14]

4- الممازحة والمداعبة .

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم اعلم أنه  صلى الله عليه وسلم كان مع أهله وأصحابه وغيرهم ، ومع القريب والغريب على غاية من سعة الصدر ، ودوام البشر ، وحسن الخلق ، وإفشاء السلام ، و البدار به من لقيه ، والوقوف مع من يستوقفه ، والمشي مع من أخذ بيده ، حتى من الولدان والإماء ، والمزاح بالحق مع الصغير والكبير أحيانا ، وإجابة الداعي ولين الجانب حتى يظن كل أحد من أصحابه أنه أحبهم إليه )) .

و صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم كان أدبه  صلى الله عليه وسلم في ممازحته لأهله وأصحابه أنه لا يقول إلا الحق ،  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم عن أبي هريرة  رضي الله عنه قال : قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا ! قال  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم إني لا أقول إلا حقا )) [15]

ومن ممازحته لأهله  صلى الله عليه وسلم ما روت عائشة رضيَ الله عنها ، قالت :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم رجع إلي رسول الله  صلى الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة بالبقيع ، وأنا أجد صداعا في رأسي ، وأنا أقول وارأساه ، فقال :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم بل أنا يا عائشة وارأساه )) ثم قال :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم ما ضرك لو مت قبلي ، فغسلتك وصليت عليك ، ثم دفنتك !!)) قلت : لكأني بك والله لو فعلت ذلك ، لقد رجعت إلى بيتي وأعرست فيه ببعض نسائك ، فتبسم رسول الله  صلى الله عليه وسلم ...))  [16].

5- الحزن على مفارقتهن :

من أصعب الأمور على المحبين فراق من أحبوهم وأحبوه سواء كان بسبب السفر أو السجن ونحوهما ، فضلا عن الموت الذي لا لقاء بعده في الدنيا أبدا .

و لا يخفى على أحد ممن له إلمام بسيرة النبي  صلى الله عليه وسلم ما كان لأم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضيَ الله عنها من حماية و حياطة للنبي  صلى الله عليه وسلم ، حيث كانت رضيَ الله عنها يواسي رسول الله  صلى الله عليه وسلم بمالها وجاهها ، فلم تجرأ قريش على فعل الكثير ضد النبي  صلى الله عليه وسلم بسبب هذه السيدة وكذلك عمه أبي طالب ، ولما توفيا في سنة واحدة تضاعفت الآلام والمصائب على رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وحزن لفراق زوجه وعمه حزنا شديدا وعرف هذا العام بعام الحزن .

ولم يفارق الحزن على خديجة قلب رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وكان كلما ذكرها أو رآى شيئا من آثارها شوهد على وجهه  صلى الله عليه وسلم معالم الحزن والأسى لما يتذكر من خديجة ومن إيمانها وحبها و أياديها عليه . 

قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى :  صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم إن خديجة من نعم الله الجليلة على محمد عليه الصلاة والسلام فقد آزرته في أحرج الأوقات ، وأعانته على إبلاغ رسالته ، وشاركته مغارم الجهاد المر ، وواسته بنفسها ومالها ، وإنك لتحس قدر هذه النعم عندما تعلم أن من زوجات الأنبياء من خن الرسالة ، وكفرن برجالهن ، وكن من المشركين من قومهن وآلهن حربا على الله ورسوله {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ } [17].

أما خديجة فهي صديقة النساء ، حنت على رجلها ساعة قلق ، وكانت نسمة سلام وبر ، رطبت جبينها المتصبب من آثار الوحي ، وبقيت ربع قرن معه ، تحترم قبل الرسالة تأمله وعزلته وشمائله ، وتحملت بعد الرسالة كيد الخصوم وآلام الحصار ومتاعب الدعوة ، وماتت والرسول  صلى الله عليه وسلم في الخمسين من عمره ، وهي تجاوز الخامسة والستين ، وقد أخلص لذكراها طول حياته ّ)) [18].

 

-----------------------------

[1]سورة آل عمران الآية 14

[2]التحرير والتنوير ( 3 / 39 )

[3]السنن الكبرى البيهقي ( 7 / 78 )

[4]الجامع لأحكام القرآن ( 10 / 56 )

[5]دراسة تحليلية لشخصية النبي محمد من خلال سيرته الشريفة ص 172

[6]المستدرك على الصحيحين ( 4 / 13) ، صحيح بن حبان ( 10 / 404 )

[7]صحيح البخاري ( 1 / 109 )

[8]فتح الباري ( 9 / 316 )

[9]صحيح مسلم ( 2 / 1021 )

[10]شرح صحيح مسلم ( 9 / 179 )

[11]صحيح مسلم ( 2 / 776 )

[12]الديباج في شرح صحيح مسلم ( 3 / 206  )

[13]زاد المعاد ( 1 / 145 )

[14]زاد المعاد ( 5 / 145 )

[15]سنن الترمذي ( 4 / 357 ) وغيره

[16]مسند الإمام أحمد ( 6/ 228 ) سنن النسائي الكبرى ( 4 / 252 )

[17]سورة التحريم الآية 10

[18]فقه السيرة للغزالي ص 122 فما بعدها

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day