البحث
[7] شجاعة المعلم
قد يستغرب الكثيرون هذا العنوان ، وقد يقول قائل : ما دخل الشجاعة بالتعليم ن فضلاً عن المعلم ! نقول : الشجاعة التي نرمي إليها ، هي الشجاعة الأدبية كما يحلو للكثيرين أن يسميها بهذا الاسم ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، فأما الشجاعة التي يذهب الذهن إليها عندما نسمع هذه الكملة لأول وهلة ، فلقد كان نبيكم صلوات الله وسلامه عليه ن أشجع الناس ، حتى إن بعض الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يحتمون ويلوذون به إذا اشتدت رحى الحرب لشجاعته عليه الصلاة والسلام . وأما الشجاعة المقصودة هنا ، فهي شجاعة الكلمة ، والاعتراف بالخطأ والمقصود البشري ، وهذا لا يكاد يسلم منه أحد ، أما التدليس ، والجبن ، والمراوغة فليست امراً محموداً ، ويحسن بالمعلم أن يناى عنه . ولعل الصورة تتضح بعد تأمل الأمثلة .
2- ما رواه مسروق قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : أيها الناس ما إكثاركم في صدق النساء . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائه درهم . فما دون ذلك .
1- عن أبي رافع بن خديج قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وهم يأبرون النخل . يقولون يلقحون النخل . فقال : ( ما تصنعون ؟ ) قالوا : كنا نصنعه . قال : (لعلكم لو لم تفعلوا كان خير لكم ) فتركوه . فنفضت أو فنقصت. قال فذكروا ذلك له فقال : " إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به . وإذا أمرتك بشيء من رأي . فإنما أنا بشر " أخرجه ابن حبان في صحيحه (23) بإسناد حسن وفي بعض الروايات قال : " أنتم أعلم بأمور دنياكم " . من سياق الحديث يتضح لنا بشرية النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يخضع للأحوال التي تعتري البشر من النسيان والخطأ وغير ذلك . أما في مقام التشريع فلا يجوز عليه ذلك ، نعم قد يحصل منه نسياناً في مقام التشريع لكي يشرع للأمة ، كما سلم من ركعتين للسهو، ومحل بسط ذلك في كتب الأصول . الحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه بشر وأن رأيه في الأمور الدنيوية التي ليس فيها تشريع قد يصيب وقد يخطئ . قال النووي " [ قول ] " ( أنتم أعلم باموردنياكم) قال العلماء : قوله صلى الله عليه وسلم من رأيي أي في أمر الدنيا ومعايشها لا على التشريع . فأما ما قاله باجتهاده صلى الله عليه وسلم ورآه شرعاً يجب العمل به ، وليس من أبار النخل من هذا النوع بل من النوع المذكور قبله .. ولو أننا أعدنا النظر إلى سياق الحديث مرة أخرى ، فإننا لا نجد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حاول أن يجد لنفسه العذر عندما رأى هذا الرأي ـ وحاشاه ذلك ـ بل اعترف ببشريته ، وأن هذه الأحكام تجري على البشر .
وتعالوا بنا لننظر إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنرى كيف ترسموا خطى نبيهم عليه الصلاة والتسليم فمن ذلك
ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها .
فلا عرفن ما زاد رجل في صداقة على أربعمائة درهم . قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ، قال : فقالت أما سمعت الله يقال : (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً)(النساء: من الآية20 ) الآية قال : فقال اللهم غفراً ، كل الناس أفقه من عمر . ثم رجع فركب المنبر فقال : أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب .
3- عن محمد بن كعب القرظي قال : سأل رجل علياً بن أبي طالب عن مسألة فقال فيها ، فقال الرجل :ليس كذلك يا أمير المؤمنين ، ولكن كذا وكذا فقال علي رضي الله عنه : أصبت وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم ، الله أكبر انظر إلى تلامذة محمد صلى الله عليه وسلم ، يضربون أروع الأمثلة في الشجاعة ، والأنصاف ، ولو كان على حساب النفس ، وهذا والله ليزيد المرء عزاً ورفعة ، ولا ينقص من قدره شيئاً ، ومن ظن غير ذلك فقد حاد عن جادة الصواب . والمعلم بحكم وظيفته وبشريته ، معرض لمثل هذه المواقف ، فياترى ماذا يقول المعلم إذا أخطأ في مسألة ما وعارضه بها أحد طلابه ، ثم بان له الصواب ، فهل يبادر إلى شكر الطالب والاعتراض بالخطأ أم أنه يرواغ ، ويقلب الكلام بعضه على بعض ، حتى يبرهن لهم صحة قوله ؟ أترك لك الجواب !
يقول أين عبد البر : من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه ، ومن لم ينصف لم يفهم ،ولم يفهم .
الخلاصة :
1) إتصاف المعلم بالشجاعة ،مطلب لكل معلم .
2) الاعتراف بالخطأ ، ليس فيه تنقيص لصاحب الخطأ ، بل هو رفعة له ، ودليل على شجاعته .
3) الاعتراف بالخطأً معناه إصلاح الخطأ ، وعكسه الاستمرار عليه والعناية فيه .