1. المقالات
  2. الرسول المعلم
  3. [20] الاتصال السمعي والبصري بين المعلم والمتعلم

[20] الاتصال السمعي والبصري بين المعلم والمتعلم

تحت قسم : الرسول المعلم
9188 2007/11/14 2024/10/14
المقال مترجم الى : English

     إن أسلوب الإلقاء أثناء التعليم ، أو أسلوب عرض المادة العلمية ـ الشرح ـ على المتعلمين ، هو الوسيلة الأقوى في الاتصال بين المعلم وتلميذه ، أي أن صوت المعلم له خاصية الاتصال أكثر من غيرها . وقد يعترض معترض بقوله : ماذا تقولون في الاتصال أكثر من غيرها . وقد يعترض معترض بقوله : ماذا تقولون في الاتصال النظري بين المعلم والتلميذ ؟ .الجواب عن ذلك من وجوه : أولاً : إن كلا الاتصال السمعي والبصري إذا أحسن استخدامها مجتمعين كان لهما أثر فعال في إيصال المعلومة بشكل أفضل ما لو كانت أحداهما معزولة عن الأخرى . ثانياً : إن الاتصال البصري قد يتخلف في جميع أوقات التعليم ، كأن يكون المتعلم كفيفاً ، أو في بعض أوقات التعليم إذا كان الطالب في حالة شرود وذهول أو أنشغال بعمل ما ن الدرس ، أما الاتصال السمعي فهو يتخلف في حالة واحدة إذا كان المتعلم أبكم .

ولذلك قلنا إن الاتصال السمعي هو الوسيلة الأقوى في إيصال المعلومات إلى الطالب . وهذا الاتصال ـ أي السمعي والبصري ـ يساعد المدرب على ضبط الفصل وإدارته ، وفي المقابل فهو يفيد الطالب في حفظ المعلومات وصيانتها عن النسيان . وسوف نستعرض هنا بعض أنواع الاتصال السمعي  والبصري التي تساعد المعلم ـ أثناء الشرح ـ في أداء مهمته التربوية والتعليمية على الوجه الأكمل ، آخذين ذلك من سنة المعلم الأول صلى الله  عليه وعلى آله وصحبه وسلم تلسيماً كثيراً .

 أولاً : الاتصال السمعي : منها :

 

 (أ)- طريقة الكلام ( السرد ـ الشرح ) :

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا ، ولكنه يتكلم بكلام بين فصل ، يحفظه من جلس إليه ) قولها: ( ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد..) بضم الراء من السرد وهو الإتيان بالكلام على الولاء والاستعجال فيه .. والمعنى لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتابع الحديث استعجالاً بعضه إثر بعض لئلا يلتبس على المستمع .. وقوله ( فصل ) أي بين ظاهر يكون بين أجزاءه فصل .

 إن عرض المادة العلمية بسرعة يسسبب إرباكاً لدى الطالب ، ويثتت ذهنه ، ويحرمه الانتفاع بكثر من الفوائد والمسائل التي قد تمر سريعاً ولا يتصيدها الذهن ، وهذه الطريقة يقع فيها كثير من المعلمين ، ولذا وجب التنبه لها . وعكس ذلك البطء الشديد الممل ، الذي يبعث على الاسترخاء والنوم ، وبولد الضجر والسآمة لدى الطالب .

والطريق الأمثل ، هو الفصل بين الكلمات ، حيث يفصل بين الكلمة وأختها فلا تتدخل الكلمات والحروف لكي لا تشكل وتصعب على الطالب ، وكذلك التوسط في السرد فلا هو بالسريع المفرط ولا البطئ المخل .

ب ) عدم التشدق في الكلام وتكلف السجع :

التشدق : هو التوسع في الكلام من غير احتياط واحتراز ، وقيل المتشدق المتكلف في الكلام فيلوي به شدقيه ، والشدق جانب الفم . وتكلف الكلام ، والإتيان بغرائبه ، والمبالغة في إخراج حروفه ، أم مذموم شرعاً ، ومرفوض عقلان لأن من كانت هذه صفته لا بد وأن يرى في نفسه ولعل حديث جابر رضي الله عنه ، وحديث عبد الله بن عمرو يغنيان عن كثير من الكلام في هذا الباب :

1-  عن جابر رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من أحبكم إلى ، وأقربكم مني مجالساً يوم القيام أحاسنكم أخلاقاً . وإن أبعضكم إلى ، وأبعدكم مني يوم القيامة ، الثرثاروي والمتشدقون المتفيهقون " قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال : ( المتكبرون ) .

2-  عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله يبيض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة بلسانه " .

يقول العزالي في الأحياء : التقمر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالتشبيبات والمقدمات وما جرى به عادة المتفاصحين المدعيين للخطابة . وكل ذلك من التصنع المذموم ومن التكلف الممقوت .. ثم بعد أن ساق أخباراً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : بل ينبغي أن يقتصر في كل شيء على مقصوده : ومقصود الكلام التفهيم للغرض وما وراء ذلك تصنع مذموم . ولا يدخل في هذه تحسين ألفاظ الخطابة والتذكير من غير إفراط وإغراب .

قلت : هذا إذا كان المتكلم ممن يحسن التحدث بالعربية ، ولكن بلينا يقوم فرطوا في لغتهم ، فأدخلوا عليها ماليس فيها كقول بعضهم ( أو كي / ok ) ، و ( يس / yes ) ونحو ذلك ، فلا لغتهم نصروا ، ولا لغة عدوهم دفعوا !! .

ت ) رفع الصوت ( أو تغيير نبرات الصوت ) بالتعليم :

1- عن عبد الله بن عمرو قال : تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها ، فادركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ ، فجعلنا نمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته ( ويل للاعقاب من النار ) مرتين أو ثلاثاً هذا الحديث بوب عليه البخاري في صحيحه بقوله : باب من رفع صوته بالعلم . قال الحافظ : واستدل المصنف على جواز رفع الصوت بالعلم بقوله : ( فنادى بأعلى صوته ) وإنما يتم الاستدلال بذلك حيث تدعو الحاجة إليه لبعد أو كثرة جمع أو غير ذلك . ويلحق بذلك ما إذا كانت موعظة كما ثبت ذلك في حديث جابر ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة أشتد غضبه وعلا صوته . . الحديث ) أخرجه مسلم.

     يستفاد مما سبق من رفع الصوت أثناء التعليم ،في بيان المسائل المهمة جداً التي تستلزم  جذب انتباه السامعين ، لكي تطرد الغفلة والشرود عن أذهانهم وتهيئهم لما سيلقي إليهم ، وكذلك يستفاد من رف الصوت ي الإنكار كما جاء في الحديث المتقدم ، وقد يستفاد من رفع الصوت قليلاً أثناء الشرح ، إذا أراد المعلم أن ينبه فرداً أو أفراداً معيينين من الطلاب ،ولم يرد أن يقطع حديثه .

ث ) استمرار المعلم في الإلقاء وعدم قطعه :

يلجأ بعض الطلاب إلى إيقاف شرح المعلم لتوضيح نقطة غامضة ،أو إعادة لشرح مضى ، وقد يستجيب المعلم لهذا الطلب وقد لا يستجيب ، وفي استجابته المعلم عدة محاذير . أولاً : تقديم رغبة طالب واحد أو أثنين على حساب مجموعة كبيرة وهي الأغلبية ثانياً : قطع الحديث بعضه عن بعض وكان حقه أن يكون متصلاً . ثالثاً : التشويش على أذهان الطلاب بهذا القطع الطارئ . رابعاً : التشويش على المعلم نفسه وقطع تسلسل أفكاره . ومستندناً في ذلك  ما رواه البخاري في صحيحه قال :

1-  عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاء أعرابي فقال : متى الساعة ؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث . فقال بعض القوم : سمع ما قال فكره ما قال ، وقال بعضهم : بل لم يسمع . حتى إذا قضى حديثه قال : أين أراه السائل عن الساعة : قال : ها أنا يا رسول الله . قال :  " فإذا ضيعت الأمانة فأنتظر الساعة " . قال : كيف إضاعتها ؟ قال : "إذا وسد الأمر غير أهله فانتظر الساعة " تأمل هذا الحديث يتصح لك ما قلناه آنفاً ، وفيه زيادة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاب على سؤال السائل بعد فراغه من حديثه ، ونستنبط من هذا عدم قطع الحديث المتصل ، وإجابة السائل بعد الفراغ من الحديث المتصل .

ج ) السكوت أثناء الإلقاء ( الشرح )

للسكوت أثناء شرح المعلم فوائد يحسن بنا الوقوف عندها قليلاً ، فمنا : أنها تجذب أنتباه الطلاب ، فكون المعلم بتكلم في موضوع معين ثم يسكت فجأة فإن هذا وبلاشك يستلزم انتباهاً من المستمع ، ومنها : أنها تمسح بتراد نفس المعلم وأخذ قسط قليل من الراحة . ومنها : أنها تعطي المعلم فرصة لترتيب أفكاره وهي عملية ذهنية لا تستغرق سوى ثوان معدودة . ولعل الحديث الآتي يقرب ما قلناه آنفاً :

1- عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أي شهر هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ؟ فقال : اليس ذا الحجة؟ قلنا : بلى . قال : فأي بلد هذا ؟ قلنا :الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس  يوم النحر ؟ قلنا : بلى . قال : فإن دماءكم وأموالكم ـ قال محمد : وأحسبه قال : وأعرضكم ـ عليكم حرام ، كحرمة يومكن هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا .. الحديث " .

 فأنت ترى أثر هذا السكوت على الصحابة ، وكيف جذب حواسهم وانتباههم ، ولك أيها المعلم أن تستخدم هذا الطريقة أثناء شرحك . بعد كل نقطة رئيسية للفصل بين النقاط وللتهيؤ لشرح النقطة التي تليها .

ثانياً : الاتصال البصري : منه :

أ ) إدامة الاتصال النظري بين المعلم والمتعلم :         

إن المحافظة على الاتصال النظري بين المعلم وتلميذه ، مفيد جداً للمعلم وللمتعلم . فالمتعلم ببقة طلابه تحت سيطرته من خلال متابعته لهم بنظره، ومن ثم يلاحظ الغافل فينبهه ، والناعس فيوقظه ، والمتلاعب فيزجره .. إلخ ولذا كان حري بالمعلم أن يوزع نظره على عموم طلابه حتى يعتقد كل طالب أنه المعني بالكلام ، ولا يغفل عن طلابه أثناء الشرح ، فإن بعض المعلمين يصوب بصره على جهة معينة أثناء تدريسه ، وهذا خطأ يؤدي إلى فقدانه السيطرة على طلابه ، ومن ثم يعطي الطالب الفرصة بالتشاغل عن الاستماع والإنصات للدرس . ويستحب أن يكون مكان المعلم  مرتفعاً ولو قليلاً عن طلابه لتحصل المتابعة الجيدة من قبله ،ولكي يتسنى لكل طالب متابعة معلمه دون عناء أو مضايقة ممن حوله . وأما فهم أقوى لما يطرح ويقال في الدرس ، لأن اشتراك حاستين وهما السمع والبصر اقوى في التلقي من الاقتصار على واحدة . ولنا أن نلمس السبب من جعل المنبر عالياً ، ولقد  كان منبره صلى الله عليه وسلم بارتفاع ثلاث درجات وهي كافية جداً في تبادل النظر بين الخطيب  والمصلين .. يوضح ذك :

1-  عن جابر بن عبد اله رضي الله عنه قال : ( جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال : أصليت يافلان " قال : لا . قال . قم فاركع ) .

2-  وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله ) والجلوس حول الخطيب يقتضي النظر إليه ، وكذا الجلوس حول  المعلم يقتضي النظر إليه . وهذا الحديث أورده البخاري في صحيحه وعقد عليه باباً بقوله : باب ( يستقبل الإمام القوم ، واستقبال الناس الإمام إذا  خطب ) قال الحافظ ابن حجر معلقاً : ومن حكمة استقبالهم للإمام التهيؤ لسماع كلامه وسلوك الأدب معه في استماع كلامه ، فإذا استقبله بوجه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه كان أدعى لتفهم موعظته وموافقته فيما شرع له القيام لأجله .

ب ) استخدام تعابير الوجه :

يغفل كثير من المعلمين عن توظيف هذه الطريقة في التعليم ، بل إنك لا تكاد تجد من يعمل بها ، إما لجهله بها أو لغفلته عنها . وهذه الطريقة تغني المعلم عن الإنكار باللسان ، أو ترديد عبارات الرضا والارتياح تجاه عمل معين أو قول معين ، وهذا الطريقة نافعة جداً مع فئة معينة من الناس ، فإن هناك من تؤثر فيه الابتسامة والبشاشة أكثر مما لو قلت له : أحسنت أو هذا جيد هكذا دون مشاركة تعابير الوجه التي تدل على الارتياح والرضا .وهناك من لا يؤثر فيه ذلك كله ، فيعامل كل بحسبه . ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يعرف الغضب في وجهه .

1-  قالت عائشة ـ رضي الله عنها : ـ دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت قرام فيه صور فتلون وجهه ، ثم تناول الستر فهتكه . وقالت قال النبي صلى الله عليه وسلم " من أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يصورون هذا الصور .

2-   ويروي أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رؤي في وجهه ، فقام فحكها بيده فقال : " إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه ـ أو إن ربه بينه وبين القبلة ـ فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه " ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ، ثم رد بعضه على بعض فقال : " أو يفع هكذا " وفي قوله : ( حتى رؤي في وجهه ) يقول الحافظ : أي شوهدفي وجهه أثر المشقة، وللنسائي ( فغضب حتى احمر وجهه ) وللمصنف .. ( فتغيظ على أهل المسجد ) أ هـ . فهذا الألفاظ كلها تدل على ان هذا الغضب أحدث عند الصحابة علماً جازماً بان هذا الفعل الذي غضب منه الرسول صلى الله عليه وسلم منكراً ، ولو سكت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزد على ذلك . لكان كافياً في الإنكار والردع ، ولكنه عليه الصلاة والسلام بين سبب الغضب لأنه في مقام التبليغ والتعليم . والله أعلم .

أما التبسم :

3-  فيقول جرير بن عبد الله البجلي : ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي ولا يخفى أثر ذلك الابتسامة على جرير بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه .

 

الخلاصة  :

1)     مراعاة القصد في الكلام ـ أثناء الشرح ـ والترسل فيه ، والتوسط . لا سريع مفرط ، ولا بطئ مخل .

2)     الغابة من التوسط  في الكلام  وعدم السرد السريع ، هو ضمان وصول المعلومات إلى ذهن الطالب بعيداً عن الإثارة والتشويش .

3)     تكلف الكلام خصلة ذميمة شرعاً وحساً وعقلاً .

4)      تكلف الكلام والإتيان بغرائبه ، يوجب النفرة بين المعلم والمتعلم .

5)     رفع الصوت أثناء التعليم ، وسيلة جيدة في جذب أنتباه السامعين ، وفي الإنكار .

6)     قطع الشرح يسبب إرباكاً للطلاب ، ويفسد على المعلم تسلسل أفكاره وربط بهضها ببعض .

7)     على المعلم أن يطلب من طلابه أن يؤخروا اسئلتهم إلى أن يفرغ من الشرح .

8)     السكوت أثناء الشرح له فوائد منها : جذب انتباه الطلاب ، وتراد نفس المعلم ، وترتيب الأفكار .

9)     تبادل النظر بين المعلم والمتعلم ،عامل هام في سيطرة المعلم على طلابه ، وفي فهم المتعلم لما يلقى إليه من مسائل وعلوم .

10) توظيف تعابير الوجه في التعليم ، يساعد المعلم عفي تحقيق إغراضه .

11) مراعاة اختلاف الطلاب ، ومقدار تأثرهم بهذه الانفعالات ، فإن بعضهم لا تجدى معه مثل هذه التعابير الظاهرة .

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day