البحث
ثانياً- الإيمان - الإيمان بالله
2886
2012/10/21
2024/11/05
ثانياً- الإيمان
الإيمان: هو التصديق الجازم والإقرار الكامل والاعتراف التام بوجود الله وربوبيته وألوهيته ، واطمئنان القلب بذلك ، والتزامه بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه ، وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقبول
جميع ما أخبر به عن ربه وعن دين الإسلام والانقياد له صلى الله عليه وسلم بالطاعة المطلقة فيما أمر به ، والكف عما نهى عنه ظاهراً وباطناً ، وإظهار الخضوع والطمائنينة لكل ذلك .
فهو اعتقاد بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ،قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾(الأنفال : 2)، وقال تعالى : ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾(الفتح: 4)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعبَةً ، أَفْضَلُهَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)متفق عليه .
وأركانه ستة: الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسوله ، وباليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره .
قال تعالى : ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ (البقرة: 177) ، وقال : ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾(البقرة : 285)،وقال : ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ (القمر:49) .
وعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَْرِ ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ، وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ ، وَمَلاَئِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، قَالَ: صَدَقْتَ ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ،...، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ ، أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ)رواه مسلم .
1- الإيمان بالله:
أي الإيمان بوجود الله جل وعلا وتوحيده بالربوبية والألوهية .
ويكون الإِنسان مسلماً بالإقرار به ، والنطق بشهادة أَن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول اللَّه .
توحيد الربوبية :
الإقرار بوجود الله تعالى ، وإفراده تعالى بأفعاله كالخلق ، والرَزق والسيادة ، والإنعام ، والمُلك ، والتصوير ، والعطاء والمنع ، والنفع والضر ، والإحياء والإماتة ، والتدبير المحكم ، والقضاء والقدر، قال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (الزمر: من الآية62) .
وإثبات ما أثبت الله لنفسه ، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، من الأسماء الحسنى كالحي والقيوم قال تعالى : ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾(البقرة : 255)، والرحمن والرحيم قال تعالى : ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾(الفاتحة : 2 ، 3). والصفات العُلى كالعلم ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾(البقرة : 255)، والسمع والبصر قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾(الشورى : 11)، والعلو قال تعالى : ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾(الأعلى: 1)، وقال تعالى : ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾(النحل : 50)، والإقرار لله تعالى بمعانيها الصحيحة ودلالاتها ، واستشعار آثارها ومقتضياتها في الخلق .
ونفي ما نفاه الله عن نفسه ، ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾(سورة الإخلاص).
الرّبّ: هو المعبود المالك المتصرّف ، وربّنا هو اللَّه الَّذي خلقنا وخلق جميع الخلق من عدم ، وربّانا وربّى جميع العالمين بنعمه ، وهو ربّ كلّ شيء ومالكه المتصرّف فيه ؛ الذي له الأمر كله ، وبيده الخير كله ، وإليه يرجع الأمر كله .
وقد دل العقل على وجود الله تعالى وانفراده بالربوبية وكمال قدرته على الخلق وسيطرته عليهم ، وذلك بالنظر والتفكر في آيات الله الدالة عليه كالنظر في آياته تعالى في خلق النفس البشرية ، قال تعالى : ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾(الذاريات : 21)، وقال تعالى : ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾(الشمس : 7)، فلو أن الإنسان أمعن النظر في نفسه وما فيها من عجائب صنع الله لأرشده ذلك إلى أن له رباً خالقاً حكيماً خبيراً ؛ إذ لا يستطيع الإنسان أن يخلق النطفة التي كان منها ، أو أن يحولها إلى علقة ، أو يحول العلقة إلى مضغة ، أو يحول المضغة عظاماً ، أو يكسو العظام لحماً.
والنظر في آياته تعالى في خلق الكون ، قال الله تعالى : ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾(فصلت : 53)، وقال تعالى : ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ (فصلت:37) ، فمن تأمل في هذا الكون وما فيه من سماء اشتملت على نجوم وكواكب وشمس وأقمار ، وأرض احتوت جبالاً ورمالاً وأشجاراً وبحاراً وأنهاراً ، وتسييره كله بهذا النظام الدقيق ؛ دله ذلك على أن هناك خالقاً لهذا الكون ، موجداً له مدبِّراً لشؤونه ، قال تعالى : ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ﴾ (الطور : 35 ، 36).
ولا يُتَصور أن يكون الخلق على هذا الكمال في التدبير والصنع بلا حكمة ولا غاية ، إذ لازم ذلك أنهم خلقوا عبثاً ، واللازم باطل ، فما بني عليه فهو باطل ، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ﴾ (الأنبياء:16) فأوضح سبحانه أنه لم يخلق الخلق عبثاً ولا لعباً بل إنه خلقهم لحكمة عظيمة ، وإن حكمته تمنعه سبحانه من أن يتركهم بلا تكليف ولا ثواب ولا عقاب .
فلا يصح إيمان العبد ولا يتحقق توحيده إلا إذا وحد الله في ربوبيته ، إلا أن هذا النوع من التوحيد لا ينجي وحده من عذاب الله ما لم يأت العبد بلازمه وهو توحيد الألوهية ، ولذا يقول الله تعالى : ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾(يوسف : 106)، أي : ما يقر أكثرهم بالله رباً وخالقاً ورازقاً ومدبراً- وكل ذلك من توحيد الربوبية - إلا وهم مشركون معه في عبادته غيره من الأوثان والأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، ولا تعطي ولا تمنع .
بل لقد كان المشركون زمن النبي صلى الله عليه وسلم مُقِرِّين بالله رباً خالقاً رازقاً مدبراً ، وكان شركهم به من جهة العبادة حيث اتخذوا الأنداد والشركاء يدعونهم ويستغيثون بهم وينزلون بهم حاجاتهم وطلباتهم ؛ قال تعالى : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾(العنكبوت : 61)، وقال تعالى : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾(العنكبوت : 63)، وقال تعالى : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾(الزخرف : 87)، وقال تعالى : ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾(المؤمنون : 84- 89) .
فلم يكن المشركون يعتقدون أن الأصنام هي التي تنزل الغيث وترزق العالم وتدبر شؤونه ، بل كانوا يعتقدون أن ذلك من خصائص الرب سبحانه ، ويقرون أن أوثانهم التي يدعون من دون الله مخلوقة لا تملك لأنفسها ولا لعابديها ضراً ولا نفعاً استقلالاً ، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، ولا تسمع ولا تبصر ، ويقرون بأن الله هو المتفرد بذلك لا شريك له ، ليس إليهم ولا إلى أوثانهم شيء من ذلك ، وأنه سبحانه الخالق وما عداه مخلوق ، والرب وما عداه مربوب ، غير أنهم جعلوا له من خلقه شركاء ووسائط ، يشفعون لهم بزعمهم عند الله ويقربونهم إليه زلفى ؛ ولذا قال الله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾(الزمر : 3)، أي ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمر الدنيا .
توحيد الألوهية :
وهو إفراد الله تعالى بأفعال العباد التي يعملونها على وجه التقرب إليه (العبادة) ، كالدعاء ، والنذر ، والذبح ، والتوكل ، والخوف....الخ .قال تعالى :﴿وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ﴾(الإسراء : 39)، وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ (المائدة:72).
وتوحيد الألوهية هو أعظم الأصول على الإطلاق وأكملها وأفضلها وألزمها لصلاح الإنسانية ، وهو الذي خلق الله الجن والإنس لأجله ، وخلق المخلوقات وشرع الشرائع لقيامه ، وبوجوده يكون الصلاح ، وبفقده يكون الشر والفساد ، ولذا كان هذا التوحيد زبدة دعوة الرسل وغاية رسالتهم وأساس دعوتهم ، يقول الله تبارك وتعالى : ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾(النحل : 36)، وقال : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾(الأنبياء : 25).
وكانت الخصومة بين الأنبياء وأقوامهم فيه ، فالأنبياء يدعونهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له ، والأقوام يصرون على البقاء على الشرك وعبادة الأوثان إلا من هداه الله منهم .
والعبادة:هيالأَقوال والأَعمال التي أَمرنا الله فعلها لأجله، فهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
وهي التي خلق الله تعالى الخلق من أجلها قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات:56) ، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(البقرة: من الآية21) ، وقال تعالى:﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾(النساء: 36).
وأنواعها كثيرة ومن الأمثلة عليها :الدعاء ، قال الله تعالى : ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾(غافر : 14)، وقال تعالى : ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾(الجن : 18). والاستعاذة وهي طلب الإعاذة والحماية من المكروه ، قال الله تعالى : ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾سورة الفلق، وقال تعالى ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾سورة الناس.
والاستغاثة وهي طلب الغوث ، بالإنقاذ من الشدة والهلاك ، قال الله تعالى : ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾(الأنفال : 9).
والذبح ، قال الله تعالى:﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(الأنعام : 162)، وقال تعالى:(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾(الكوثر : 2)
والعبادة قد تكون بالقلب كالخوف والرجاء ، أو باللسان كالدعاء والتسبيح وقرأت القرآن ، أو بالجوارح كالصلاة .
ويشترط لها شرطان:
1- أن تكون خالصة لله تعالى ، قال تعالى:﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾(البينة: من الآية5) .
2- أن تكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى:﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾(الحشر : 7).
والمعبود هو الإله ، والإله الحق هو المتصف بجميع الصفات الكاملة والقدرات الباهرة حتى لا يعجزه شيء ، ولا يلحقه عيب أو نقص ، وهذه المرتبة لا ينالها مخلوق على الإطلاق ، لأن كل مخلوق مهما عظمت منزلته فهو عاجز وناقص لا محالة ، فلزم أنه لا يعبد سوى الله ، كما لزم أنه لا رب سوى الله .
ما يناقض التوحيد أو ينافي كماله:
يجب على المسلم تجنب كل ما قد يُشَوِه التوحيد من الأقوال والأعمال التي قد يزول معها أو ينقص بها ، والحذر من كل ذلك ، وخاصة مما يناقضه ويهدمه بالكلية ، ومن هذه النواقض :
1-الشرك : وهو نوعين :
أولاً: الشرك الأكبر : وهو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله تعالى .
وهو ناقل من ملة الإسلام محبط للأعمال كلها ، وصاحبه إن مات عليه يكون مخلداً في نار جهنم ، قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾(النساء : 48)، وقال: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾(لقمان : 13)، وقال تعالى:﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾(الزمر : 65)، وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾(المائدة : 72)، وهو نوعين :
أ- الشرك في الربوبية : وهو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الربوبية ، أو نسبة شيء منها إلى غيره ، كالخلق والرَزق والإيجاد والإماتة والتدبير لهذا الكون ونحو ذلك ، قال تعالى : ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾(فاطر : 3).
أو تسوية غير الله بالله في شيء من أسماءه أو صفاته ، قال تعالى : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾(الشورى 11).