1. المقالات
  2. مقالات و خواطر
  3. بعض الأعمال في العشر من ذي الحجة

بعض الأعمال في العشر من ذي الحجة

الكاتب : الشيخ أحمد الزومان
تحت قسم : مقالات و خواطر
2437 2013/10/09 2024/11/15

الحمد لله رب العالمين.

 

وبعد:

فلا يزال المسلمُ ولا تزال المسلمة في متاجَرة مع الله - عز وجل - ولا يزالون في مواسم الآخرة، فموسم رمضان انقضى، ثم أعقبه موسم شوال، وما شرع فيه من الصيام، ثم بين أيدينا موسم آخر من مواسم الخير، ومضاعفة الأجور، وتكفير السيئات، ورفع الدرجات؛ موسم عشر ذي الحجة، وكفى بها فضلاً إقسامُ الله بها في كتابه؛ حيث يقول ربنا - عز وجل -: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر/1، 2].

 

وموسم العشر مَوْسِمٌ مشترك بين الحجَّاج وغيرهم في فضل العمل فيها، فمن عجز عن الحج قدر في العشر على عمل صالح يعمله، وهو في بلده يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج في الجملة؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((ما العمل في أيام أفضل منها في هذه – يعني: العشر - قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء))[1].

 

فالعمل في أيام عشر ذي الحجة أحبُّ إلى الله من العمل في سائر أيام العام، من غير استثناء، حتى أيام العشر الأخيرة من رمضان دون لياليها، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده، فصار العمل فيها - وإن كان مفضولاً - أفضل من العمل في غيرها - وإن كان فاضلاً - ولهذا قال الصحابة - رضي الله عنهم -: ولا الجهاد يا رسول الله؟ قال: ولا الجهاد، ثم استثنى جهادًا واحدًا، وهو جهاد من عقر جواده، وأهريق دمه، وهو أفضل الجهاد.

 

وأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى العمل الصالح، ولم يخص عملاً دون عمل، فتشرع الأعمال الصالحة كلها في هذه العشر، ومن ذلك:
القيام بما افترضه الله علينا؛ كالصلاة، وحفظ الجوارح، وغير ذلك، وتجنب ما حرمه علينا من قول، ونظر، وسماع محرم، وغير ذلك؛ فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله قال: من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه))[2].


ومن الأعمال الصالحة المشروعة في هذه العشر:

ذكر الله، وأعظم الذكر قراءة القرآن، ومراجعته، وتعلمه وتعليمه، فهل استغللنا هذه الأيام لمدارسة كتاب الله؟ هل اخترنا الأوقات الفاضلة لذلك؟ ومن ذلك من بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس؛ فعن جابر بن سمرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلَّى الفجر، جلس في مصلاه، حتى تطلع الشمس[3]، ثم نصلي سنة الضُّحى؛ فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام فركع ركعتين، انقلب بأجر حجة وعمرة))[4].

وقد حضَّنا ربنا - عزَّ وجل - على الصلاة أول النهار؛ فعن نعيم بن هَمَّار الغطفاني - رضي الله عنه -: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال الله - عز وجل -: يا ابن آدم، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره))[5]، فالبقاء في المسجد بعد صلاة الصبح وصلاة الضحى كلاهما مستحَب بالسنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما الخلاف في ثبوت الأجر الخاص، وفضل الله واسع، وليس الثواب على مشقة العمل بل على انتفاع العامل به.

ومن ذكر الله في العشر:
التكبير المطلق، وهو الذي لا يتقيد بوقت، فيستحب كل وقت، وفي كل حال في الليل والنهار، قبل الصلاة وبعدها، في كل مكان يجوز فيه الذكر؛ كالمساجد، والطرقات، والبيوت؛ فعن محمد بن أبي بكر الثقفي قال: سألتُ أنس بن مالك - رضي الله عنه - ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية: كيف كنتم تصنعون مع النبي - صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان يلبي الملبي لا ينكر عليه، ويكبر المكبِّر فلا ينكر عليه[6]، فالصحابة - رضي الله عنهم - وهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يكبرون يوم عرفة، ويوم عرفة من العشر، ووردت أحاديث مرفوعة في التكبير أيام العشر، وآثار موقوفة على الصحابة - رضي الله عنهم - لا تخلو من ضعف.


لكن كثرة ما ورد يدل على أنَّ للتكبير في أيام عشر ذي الحجة أصلاً، لا سيما حديث أنس - رضي الله عنه - وهو في الصحيحين؛ لذا قال ابن رجب: ومن الناس من بالغ وعده من البدع، ولم يبلغه ما في ذلك من السنة[7].

صفات التكبير:

الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخصوص التكبير في العشر ضعيف؛ لكن ثبت عن الصحابة - رضي الله عنهم - صفات متنوعة:
1- الله أكبر الله أكبر مرارًا؛ فعن أبي عثمان النهدي، قال: كان سلمان - رضي الله عنه -يعلمنا التكبير، يقول: كبروا الله، الله أكبر الله أكبر مرارًا، اللهم أنت أعلى وأجلّ من أن تكون لك صاحبة، أو يكون لك ولد، أو يكون لك شريك في الملك، أو يكون لك ولي من الذل، وكبِّره تكبيرًا، الله أكبر تكبيرًا، اللهم اغفر لنا اللهم ارحمنا"[8].

2- الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد؛ فعن الأسود قال: كان عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - يُكَبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من النحر، يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد"[9].

3- الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد؛ فعن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنَّه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد"[10].

وإن قال: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بكرة وأصيلاً - فحَسَن؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بكرة وأصيلاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن القائل كلمة كذا وكذا؟))، قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: ((عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء))، قال ابن عمر - رضي الله عنهما - فما تركتهن منذ سمعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك"[11].

ومن الأعمال الصالحة في العشر صيام تسع ذي الحجة؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما العمل في أيام أفضل منها في هذه))، وقد شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصل الصيام لأمته في هذه العشر صيام يوم عرفة، وهو آكدها؛ ففي حديث أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن صوم يوم عرفة، فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية))[12]، وفقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم[13] ينصُّون على استحباب صيام تسع ذي الحجة؛ استدلالاً بعموم حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - فالصيام داخل في العموم، والمنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صيامه العشر وترك صيامها لا يخلو من قدح من جهة السند.

وقد سن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته الأعمال الصالحة في هذه العشر، ولم يخص عبادة من غيرها، ولو قال قائل: إذا لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صامها، فلا يشرع صومها، لقيل: يرد هذا على كل الأعمال الصالحة؛ كالصلاة، والذكر، وسائر أعمال الخير؛ حيث لم يرد نصٌّ خاص صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعل هذه القرب، لا قولاً ولا فعلاً، لكنها داخلة في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما العمل في أيام أفضل منها في هذه)).

والحاج يُسَن له الفطر؛ لأنَّ هذا اليوم يوم عيد لأهل عرفة، وليتقوى بالفطر على الدعاء والذكر في هذا اليوم؛ فعن أم الفضل بنت الحارث - رضي الله عنها -: أنَّ ناسًا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه"[14].

وكان من هدي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تصوم الصغار من أولادهم؛ فعن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها - قالتْ عن يوم عاشوراء: كنا نصومه ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك، حتى يكون عند الإفطار"[15]، فلنحتسب الأجر في حث أولادنا على الخير؛ من صلاة، وصيام، وذكر، ونتابعهم على ذلك، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا))[16].

وليرغب الصغار في الصيام من غير إكراه، ومن شق عليه الصيام إذا استأذن في الفطر يؤذن له.

 

 

ــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه البخاري (969).
[2] رواه البخاري (6502).
[3] رواه مسلم (670).
[4] رواه الطبراني في "الكبير" (7741)، وجوَّد إسناده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/104)، والمنذري في "الترغيب والترهيب" (656)، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (469)، وله شاهد من حديث أنس وحديث ابن عمر - رضي الله عنهم.
[5] رواه الإمام أحمد (21963) وغيره بإسناد حسن.
[6] رواه البخاري (970)، ومسلم (1285).
[7] "فتح الباري" (9/9).
[8] رواه عبدالرزاق في جامع معمر بن راشد (20581)، بإسناد صحيح، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/462).
[9] رواه ابن أبي شيبة (2/165)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/304) بإسناد صحيح، وصححه الحاكم (1/299)، وصحح إسناده الألباني في "الإرواء" (654).
[10] رواه ابن أبي شيبة (2/167)، وعنه ابن المنذر (4/301)، وإسناده صحيح.
[11] رواه مسلم (601).
[12] رواه مسلم (1162).
[13] انظر: "الفتاوى الهندية والقوانين الفقهيَّة" ص: 87، و"نهاية المحتاج" (3/207)، و"كشَّاف القناع" (2/338)، و"المحلى" (7/19) و"الدراري المضيئة" (1/388).
[14] رواه البخاري (1662)، ومسلم (1123).
[15] رواه البخاري (1960) ومسلم (1136).
[16] رواه مسلم (2674).



المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day