البحث
معنى شهادة أن محمداً رسول الله وحقوقه صلّى الله عليه وسلّم على أمته_2
أيها المسلمون: ومن الحقوق العظيمة على المسلم معرفة حقوق النبي على أمته، فمن حقوقه علينا وعلى جميع المسلمين بل وعلى الناس جميعاً بل وعلى الجن:
*- الإيمان الصادق به وتصديقه فيما أتى به قال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. وقال عليه الصلاة والسلام: ”أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به“ [متفق عليه]. والإيمان به r هو التصديق بنبوته وأن الله أرسله للجن والإنس، وتصديقه في جميع ما جاء به وقاله ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله فإذا اجتمع التصديق به بالقلب والنطق بالشهادة ثم تطبيق ذلك بالعمل بما جاء به تَمَّ وكمل الإيمان به .
* ومن حقوقه على أمته: وجوب طاعته والحذر من معصيته فإذا وجب الإيمان به وتصديقه فيما جاء به وجبت طاعته؛ لأن ذلك مما أتى به، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ }. وقال سبحانه: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ”من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله“ [رواه البخاري]. وعنه t قال: قال رسول الله : ”كل الناس يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى“ [رواه البخاري].
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله : ”بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجعل الذِّلُ والصغارُ على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم“ [رواه أحمد، والبخاري معلقاً، وهو حديث حسن].
*- ومن حقوقه r على أمته: اتباعه واتخاذه قدوة في جميع الأمور والاقتداء بهديه، قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} فيجب السير على هديه والتزام سنته والحذر من مخالفته، قال: ”فمن رغب عن سنتي فليس مني“ [رواه البخاري].
*- ومن حقوقه r على أمته محبته أكثر من الأهل، والولد، والوالد، والناس أجمعين، قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. وعن أنس قال: قال رسول الله : ”لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه: من ولده، ووالده، والناس أجمعين“ [متفق على صحته].
ولاشك أن من وفقه الله تعالى لذلك ذاق طعم الإيمان ووجد حلاوته، فيستلذ الطاعة ويتحمل المشاق في رضى الله عز وجل ورسوله ولا يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد إذ أنه رضي به رسولاً وأحبه، ومن أحبه من قلبه صدقاً أطاعه ولهذا قال القائل:
تعصي الإله وأنت تُظهر حبَّهُ |
|
هذا لعمري في القياس بديعُ |
لو كان حُبَّك صادقاً لأطعته |
|
إن المُحب لمن يُحبُّ مُطيعُ |
وعلامات محبته r تظهر في الاقتداء به واتباع سنته، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه، في الشدة والرخاء، وفي العسر واليسر.
*- ومن حقوقه على أمته احترامه وتوقيره ونصرته كما قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}.
وحرمة النبي بعد موته، وتوقيره لازم كحال حياته وذلك عند ذكر حديثه، وسنته، وسماع اسمه وسيرته، وتعلم سنته والدعوة إليها ونصرتها.
* ومن حقوقه على أمته: الصلاة عليه r قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
- وقال : ”من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً“ [رواه مسلم].
وقال : ”البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِّ علي“ [رواه الترمذي وغيره وهو حديث ثابت].
وللصلاة عليه مواطن كثيرة ذكر منها الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى واحداً وأربعين موطناً منها على سبيل المثال: الصلاة عليه عند دخول المسجد، وعند الخروج منه، وبعد إجابة المؤذن، وعند الإقامة، وعند الدعاء، وفي التشهد في الصلاة، وفي صلاة الجنائز، وفي الصباح والمساء، وفي يوم الجمعة، وعند اجتماع القوم قبل تفرقهم، وفي الخطب: كخطبتي صلاة الجمعة، وعند كتابة اسمه، وفي أثناء صلاة العيدين بين التكبيرات، وآخر دعاء القنوت، وعلى الصفا والمروة، وعند الوقوف على قبره، وعند الهم والشدائد وطلب المغفرة، وعقب الذنب إذا أراد أن يكفر عنه، وغير ذلك من المواطن التي ذكرها رحمه الله في كتابه جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام.
*- ومن حقوقه على أمته: وجوب التحاكم إليه والرضى بحكمه صلّى الله عليه وسلّم قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} وقال عز وجل: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} ويكون التحاكم إلى سنته وشريعته بعده صلَّى الله عليه وسلَّم.
*- ومن حقوقه على أمته: إنزاله مكانته r بلا غلو ولا تقصير فهو عبد الله ورسوله، وهو أفضل الأنبياء المرسلين وهو سيد الأولين والآخرين، وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود، ولكنه مع ذلك بشر لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله كما قال تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}.
وقال تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
وقد مات كغيره من الأنبياء ولكن دينه باق إلى يوم القيامة: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}.
وبهذا يعلم أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده لا شريك له: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
أعوذ بالله من الشيطان {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.