1. المقالات
  2. أعظم إنسان في العهد القديم
  3. خامساً : بشارات إشعياء

خامساً : بشارات إشعياء

الكاتب : د. محمد بن عبد الله السحيم
1649 2020/09/02 2020/09/03

البشارة العشرون


قال إشعياء في الفصل الثامن والعشرين مخاطباً هاجر عليها السلام: "أيتها المنغمسة المتغلغلة في الهموم التي لم تنل حظوة ولا سلوا، إن جاعل حجرك بلوراً .. ويعرفني هنالك جميع ولدك ولا ينكرونني، وأعلم أبناءك بالسلم، وتكونين مزينة بالصلاح والبر، فتنحي عن الأذى والمكاره ، لأنك آمنة منها، فانحرفي عن الانكسار والانخذال فلن يقرباك، ومن انبعث من بين يدي فإليك يكون وفيك حلوله، وتصيرين وزراً وملجأً لقاطنيك وساكانك". قال الطبري: " فأي شهادة أعظم من شهادة الله لهم أنهم جميعاً يعرفونه ولا يجهلونه؟ وأنه صيّر بلدهم وزراً وملجأً للناس، أي حرماً آمناً".

البشارة الواحد والعشرون


قول إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: "يا معشر العطاش توجهوا إلى الماء والورود، ومن ليس له فضة فليذهب ويمتار ويستسقي ويأكل من الخمر واللبن بلا فضة ولا ثمن" . قال المهتدي الطبري: " فهذا من نبوة إشعياء دال على ما أنعم الله به على ولد هاجر من أمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى أنهم صائرون إلى ما وعدهم الله تعالى في الآخرة من أنهار من خمر، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين. فانظروا إلى هذه المشاكلة والموافقة التي بين النبوتين جميعاً ". وهذا إشارة منه إلى

قوله تعالى:

" مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ "

( محمد : 15 ).

البشارة الثانية والعشرون


قول إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: " إني أقمتك شاهداً للشعوب، ومدبراً وسلطاناً للأمم، لتدعو الأمم الذين لم تعرفهم، وتأتيك الأمم الذين لم يعرفوك هرولة وشداً، من أجل الرب إلهك قدوس إسرائيل الذي أحمدك، فاطلبوا ما عند الرب، فإذا عرفتموه فاستجيبوا له، وإذا قرب منكم فليرجع عن خطيئته، والفاجر عن سبيله، وليرجع إليّ لأرحمه، ولينب إلى إلهنا الذي عمّت رحمته وفضله " قال الطبري: " فقد سمي النبي صلى الله عليه وسلم باسمه، وقال: إن الله جعلك محمداً. فإن آثر المخالف أن يقول: ليس بمحمد، بل محمود وافقناه فيه، لأن معناهما واحد" .
أما قوله: " أقمتك شاهداً للشعوب ". فهو مماثل

لقوله تعالى:

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً "

( البقرة : 143)

" لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ "

(الحج : 78)

وقوله عز من قائل:

" فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً"

( النساء : 41)

أما قوله: سلطاناً للأمم. فيحتمل أن يكون المراد منه المعنى المتبادر للذهن وهو السيادة والقيادة، وقد تحققت له هذه على الأمم في حياته وحياة أصحابه. ويحتمل أن يكون المراد منه أنه سلطان بمعنى حجة على الأمم، لأن السلطان في لغة التنزيل تأتي بمعنى حجة.
وأما قوله: " لتدعو الأمم الذين لم تعرفهم" . فقد تحقق ذلك بإرساله صلى الله عليه وسلم الرسل والكتب إلى الملوك كهرقل وكسرى والمقوقس وغيرهم ممن لا يعرفهم كما هو مشهور في كتب السنة والسيرة.

وأما قوله: تأتيك الأمم الذين لم يعرفوك هرولة وشداً. فمصداق ذلك في انضواء الأمم التي لم تكن تعرفه من قبل، والتي لا تعد ولا تحصى تحت لوائه، والإذعان لأمره. كما أن هذه البشارة لا تنطبق على الأنبياء قبله، لأنهم دعوا أقوامهم وهم يعرفونهم، واستجابت لهم الأمم التي تعرفهم، أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد دعا من لم يعرفه، واستجاب له من لا يعرفه.
وبقية النص تتعلق بالرحمة والمغفرة والتوبة، وهي معان ظاهرة في شريعته، أظهر من الشمس في رائعة النهار، ولا يمكن أن تكون هذه البشارة دالة على اليهودية أو على النصرانية لما يأتي.

1. أن اليهودية تعتقد أنها دين خاص ببني إسرائيل، وهذه البشارة قد تضمنت أنه يدعو الأمم ، وتأتيه الأمم، وهذا يناقض اعتقادها.

2. أن هذا النص تضمن أن صاحب هذه الرسالة يبشر بالتوبة والمغفرة والرحمة، وهذا يخالف اعتقاد اليهود والنصارى: فاليهود تعتقد أن من حق الكاهن المغفرة ومحو الخطايا كما أن النصرانية تعتقد أن البشرية كانت مثقلة بالخطيئة الموروثة التي رفعت عنهم بعد صلب المسيح – كما زعموا – ثم غفلت النصرانية عن كونها محت الخطيئة الموروثة فمنحت رجال الدين حق مغفرة الخطايا.

3. المسيحية ديانة خاصة ببني إسرائيل، لأن المسيح عليه السلام أرسل إلى بني إسرائيل حيث يقول لتلاميذه: " إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" .

البشارة الثالثة والعشرون


قول إشعياء في الفصل الثامن والعشرين عن الله سبحانه وتعالى أنه قال: " إني أقسمت بنفسي وأخرجت من فمي كلمة الحق التي لا خلف لها ولا تبديل، وإنه تخرّ لي كل ركبة، ويقسم بي كل لسان، ويقولون معا: إن النعمة من عند الرب". قال المهتدي الطبري: " فمن هذه الأمة التي تقسم باسم الله؟ ومن ذا الذي يخر على الركب لاسم الفرد الواحد، ويحدث بنعم الله صباحاً ومساء، ويفرده بالدعاء والابتهال غير هذه الأمة ؟ فأما جماعة النصارى فإنهم ينسبون النعم إلى المسيح".

البشارة الرابعة والعشرون


قال إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: " إن الله نظر ولم ير عدلاً، وأنكر ذلك، ورأى أنه ليس أحد يعين على الحق، فعجب الرب منه، وبعث وليه فأنقذه بذراعه، ومهد له بفضله، فاستلأم العفاف كالدرع، ووضع على رأسه سنور الإعانة والفلح، ولبس لباس الخلاص، لينتقم من المبغضين له والمعادين، ويجازي أهل الجزائر جزاءهم أجمعين، ليتقي اسم الله في مغارب الأرض، وليخشع في مشارقها لجلاله" وفي هذه النبوة تصوير لواقع البشرية قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام، كما أن فيها إشارة إلى اختيار الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ووصفاً لجهاده صلى الله عليه وسلم الكافرين والمعاندين، وبياناً للنتيجة التي تحققت على يديه وهي: دخول الأمم في دين الله أفواجاً، حتى شمل ذلك المشرق والمغرب.

البشارة الخامسة والعشرون


قول إشعياء مخاطباً هاجر عليها السلام وبلادها وهي مكة: " قومي وأزهري مصباحك فقد دنا وقتك، وكرامة الله طالعة عليك، فقد تخللت الأرض الظلام، وغطي على الأمم الضباب، فالرب يشرق عليك إشراقاً، وتظهر كرامته عليك، وتسير الأمم إلى نورك، والملوك إلى ضوء طلوعك، ارفعي بصرك إلى ما حولك وتأملي، فإنهم سيجتمعون كلهم إليك ويحجونك، ويأتيك ولدك من بلد بعيد، وتحج إليك عساكر الأمم حتى تعمرك الإبل المربلة، وتضيق أرضك عن القطرات التي تجتمع إليك، ويساق إليك كباش مدين وكباش أعفا، وتأتيك أهل سبأ ويتحدثون بنعم الله ويمجدونه، وتسير إليك أغنام قيدار كلها، وتخدمك رخلات نبايوت، ويرفع إلى مذبحي ما يرضيني، وأحدث حينئذ لبيت محمدتي حمداً". فذكر هاجر وذكر البلد، وصرح بالحج وما يصاحبه من توافد الأمم، وسوق الهدي، كما صرح بأسماء بعض هذه الأمم الوافدة إلى الحج كأهل سبأ ومدين وغيرهما. أما قوله: " قيدار ونبايوت" . فقال الطبري: هما من أولاد إسماعيل عليه السلام.

البشارة السادسة والعشرون


قال إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: " سيترجاني أهل الجزائر، ومن في سفن تارسيس كما فعلوا من قبل، ويوردون عليك أبناءك من بلد بعيد ومعهم فضتهم وذهبهم، من أجل اسم الرب إلهك قدوس إسرائيل الذي أحمدك وأكرمك، ويبني أبناء الغرباء سورك، وملوكهم يخدمونك، وتفتح أبوابك في كل وقت وأوان من آناء الليل والنهار فلا تغلق، ويدخل إليك أرسال الأمم، ويقاد إليك ملوكهم أسرى، لأن كل أمة ومملكة لا تخضع لك تتبدد ستورها، وتصطلم الشعوب بالسيف اصطلاماً، وتأتيك الكرامة من صنوبر لبنان البهي، ومن أبهلها ليبخر به بيتي، ويعظم به موضع قدمي ومستقر كرامتي، وتأتيك أبناء القوم الذين كانوا يذلونك، ويقبل آثار أقدامك جميع من كان يؤذيك ويضطهدك، وأجعلك كرامة إلى الأبد، وغبطة وفرحاً إلى دهر الداهرين، وسترضعين ألبان الشعوب، وستصيبين من غنائم الملوك، وتتمززين من غاراتك عليهم ... وأجعل السالمة مدبرك، والصلاح والبر سلطانك، ويكون الرب نورك ومصباحك إلى الأبد" . فلم تتحقق هذه الصفات مجتمعة إلا لهذه الأمة الإسلامية، فتغلبت على الأمم، وقادت ملوكهم أسرى، وتبدد من أمامها الأمم التي لم تذعن لها. وكتب الله لها الغلبة والظهور إلى قيام الساعة وهو ما أشار إليه أشعياء في قوله: إلى دهر الداهرين .. إلى الأبد. وهو مماثل

لقوله تعالى:

" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ "

( النور : 55 )

.. وقوله صلى الله عليه وسلم:

(لا يزال ناس من أمتي ظاهرين، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون).

البشارة السابعة والعشرون


قال إشعياء في الإصحاح الثاني والأربعين: " إن عبدي المجتبى عندي، ابن حبيبي اخترته وأرسلته إلى الأمم بأحكام صادقة" .
وقد أورد المهتدي الترجمان وغيره هذا النص بصورة أطول، واشتمل على صفات هي ألصق بمحمد صلى الله عليه وسلم من غيره وهو قوله: " إن الرب سبحانه وتعالى سيبعث في آخر الزمان عبده الذي اصطفاه لنفسه، ويبعث له الروح الأمين، يعلمه دينه، ويعلم الناس ما علمه الروح الأمين، ويحكم بين الناس بالحق، ويمشي بينهم بالعدل، وما يقول للناس هو نور يخرجهم من الظلمات التي كانوا فيها، وعليها رقود، وقد عرّفتكم ما عرفني الرب سبحانه قبل أن يكون" . فمحمد صلى الله عليه وسلم هو المبعوث في آخر الزمان، وهو الذي نزل عليه الروح الأمين، وهو الذي حكم بين الناس بالعدل وأخرجهم من الظلمات إلى النور.

البشارة الثامنة والعشرون


قول إشعياء في الإصحاح الثاني والأربعين: " لترفع البرية ومدنها صوتها، والديار التي سكنها قيدار، ولتترنم سالع من رؤوس الجبال، ليهتفوا ليعطوا مجداً، ويخبروا بتسبيحه في الجزائر الرب كالجبار، يخرج كرجل حروب ينهض غيرته، يهتف ويصرخ على أعدائه". تضمن هذا النص الإشارة إلى مساكن العرب وهم ذرية قيدار أحد أبناء إسماعيل عليه السلام، والتصريح بذكر جبال المدينة المنورة وهو سالع، إذاً فلا تقبل هذه البشارة أن تنطبق على غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من الجدير بالذكر أن النبوءات التي أوردها إشعياء تكاد أن تأخذ طابعاً معيناً وهو: المباشرة في الطرح والتصريح بذكر الأسماء كمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإسماعيل، ومكة والعرب، أو الإشارة إلى صفته وصفات أمته وأصحابه كذكر الدروع والسيوف والجهاد .. كما مر سابقاً.

المقال السابق

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day