البحث
شعبان ورفع الأعمال
أيام ويقبل عينا شهر كريم؛ بالخير عميم، شهر أحاطه الله عز وجل بشهرين عظيمين؛ وجعله أوسطهما فكأنه دفء بين حبيبين، ومذكرا بخير شهور العام من حيث الفضل والثواب الجزيلين أنه شهر شعبان، الواقع بين شهر رجب الحرام، وشهر رمضان المبارك.
يهلَّ علينا فيذكرنا بأعمال جليلة، وعبادات عظيمة، واحداث خطيرة ،وساعتها تهيج مشاعر أهل الهداية والإيمان، وتهتف بهم إلى الطاعة والعبادة والإحسان.
وهو شهر كسائر شهور السنة التي
قال تعالى فيها:
﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ﴾
[التوبة: 36]
، ولكنه له مزية بل مذاقًا خاصًّا، فيفرح بقدومه ويستبشر، لأجل الأهبة لشهر الصيام والقرآن والقيام.
ومما ورد في فضله حديث جليل نحتاج أن نقف معه لنعلم الواجب علينا في هذا الشهر الخطير.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:
((قلت: يا رسول الله، لم أرَك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأُحب أن يُرفعَ عملي وأنا صائم))
حديث شريف يعلمه اغلبنا إن لم يكن كلنا، ولكن لم نحاول ان نتأمل فيه قليلا.
وإنه لمن المهم التأمل فيه خاصة ونحن مقبلون على شهر من أخطر شهور العام، إنه شهر شعبان
والدروس في الحديث كثيرة جدا، ومن اهمها الحرص على متابعة هدي النبي والتأسي به، إذ ان الله هدى سيدنا أسامة بن زيد، فلاحظ أن هناك شيئا متغيرا في عبادات حبيبه، إذ أن أسامة هو الحب بن الحب.
فكون السؤال منه هذا درس مهم هو: -
أن المحب الذي يحب كالحِب هو الذي يحرص على متابعة حبيبه في هذه الأيام الخطيرة، فكونه ورد على لسان سيدنا أسامة، ليس هكذا عبثا، إنما كأنه إشارة إلى أن المحبين فقط هم الذين ينشغلون ويهتمون بالاقتداء بحبيبهم في هذه الأيام.
فضرورة الاقتداء بالحبيب في هذه الأيام بكثرة الصيام أمر في غاية الأهمية، إذ انه علامة من علامات المحبين، فمن كان محبا فليتبع، قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}
وهناك درس آخر وهو: -
لأنه شهر غفلة لكثير من الناس؛ فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكانه يعاتب الناس، ويحثهم على أن لا يكنوا من هؤلاء، ((ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان))، فإن الناس يهتمون بشهر رمضان لِما فيه من الفضائل، ويعظِّمون شهر رجب لمكانته وحرمته، فأراد أن يبين لهم فضيلة شهر شعبان، ولو تأملت لأحوال الناس تجد أن الكثير منهم يستعدون لشهر رمضان بإنجاز أعمالهم الدنيوية في شعبان للتفرغ لشهر رمضان؛ ومن ثَمَّ يتحول شعبان إلى شهر دنيوي بحت، وهنا تكون الغفلة.
فيأتي شهر شعبان ليدفع أهل الإيمان عن أنفسهم هذه التهمة؛ أعني الغفلة، وذلك بتعمير أوقاته بالطاعات والقربات؛ فإذا غفل الناس، فالمؤمن له شأن آخر، وإذا نام الناس، تفرد هو بالقيام، وإذا أفطر الناس، كان هو من الصائمين، فينال بذلك محبة الله تعالى؛ ففي حديث الثلاثة الذين يحبهم الله تعالى عن أبي ذر رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
((ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يبغضهم الله؛ أما الثلاثة الذين يحبهم الله، فرجلٌ أتى قومًا فسألهم بالله، ولم يسألهم بقرابة بينهم فمنعوه، فتخلف رجل بأعقابهم، فأعطاه سرًّا، لا يعلم بعطيته إلا الله، والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به، نزلوا فوضعوا رؤوسهم، فقام أحدهم يتملقني ويتلو آياتي، ورجل كان في سرية، فلقوا العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يُقتَل، أو يفتح الله له))؛
[أخرجه الترمذي، والنسائي، وأحمد، واللفظ له]،
فإننا حينما ننظر ونتأمل جيدًا إلى الجامع المشترك لهذه الأعمال الثلاثة، والسر في محبة الله تعالى لهم، لوجدنا أنه بعد الإخلاص لله تعالى هو الخفاء والسر واليقظة في وقت غفلة الآخرين.
ويظفر بمضاعفة الأجور والحسنات؛ لأن الأعمال والقربات التي في غفلة الناس يعظُم أجرها وثوابها عند الله تعالى؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يتقرب إلى الله تعالى في الْهَرْجِ وأوقات الفتن أجره عظيم: ((إن من ورائكم أيامًا الصبرُ فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم، قيل: يا رسول الله، أجر خمسين منا أو منهم؟! قال: بل أجر خمسين منكم))، الخطاب موجه للصحابة رضي الله عنهم؛ أي: إن للعامل في أزمان الفتن ووقت الهرج أجر خمسين منكم، ثم بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم علة ذلك
بقوله:
((إنكم تجدون على الخير أعوانًا ولا يجدون))؛
فمن أحب وعمل، نجا بنفسه، فلم يكن من الغافلين الذين ذكرهم الرسول في الحديث،
وأختم بأخطر ما في شهر شعبان، وهوما لا يستطاع أن يُفل عنه أو ينسى، ألا وهو
ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم
(( ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم))
فإن الأعمال الصالحة تُرفع إلى الله عز وجل؛
كما قال تعالى:
﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
[فاطر: 10]
فتأسوا بهدي نبيكم فخي الهدي هديه، وابدأوا في شعبان صفحة جديدة مع ربكم، وتأهبوا لعرض اعمالكم، فإنه على الله معروضه، وأمامه موضوعه، وهو سبحانه يقبل م نيشاء بعفوه، ويرد من يشاء بعدله. فاللهم وفقنا للصيام في شعبان، واسترنا عند رفع الأعمال واجعلنا من عبادك الذين قبلت أعمالهم ورضيت عنهم اللهم آمين.