1. المقالات
  2. الخطبة الأولى

الخطبة الأولى

تحت قسم :
32 2024/06/10 2024/07/27


إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

  • أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى واحذروه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن شهادة أن محمدا رسول الله لا ينتفع بها قائلها إلا بتحقيق شروط ثمانية[1]، وهي:

الأول: العلم بمعناها، وهو الإيمان بأنه رسول من عند الله حقا.

الثاني: استيقان القلب بها، وضده الارتياب، ودليله قوله تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا.

الثالث: الانقياد لها ظاهرا وباطنا، وذلك بطاعة النبي (صلى الله عليه وسلم)، ودليل الانقياد قوله تعالى ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى.

رابعا: القَبول لها، فمن ردَّ شيئا من لوازم شهادة أن محمدا رسول الله فقد نقضها.

خامسا: الإخلاص فيها، بأن يقصد قائل تلك الشهادة التقرب إلى الله وحده، وضده الشرك فيها، بأن يكون قصده من شهادة أن محمدا رسول الله شيئا من حظوظ الدنيا كما يفعل المنافقون.

سادسا: الصدق فيها وضده الكذب، والدليل قوله تعالى ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): ما من أحد يشهد أن لا إلـٰه إلا الله، وأن محمدا رسول الله، صدقا من قلبه؛ إلا حرَّمه الله على النار[2].

سابعا: المحبة لها ولأهلها، والمعاداة لمن أبغضها.

ثامنا: الكفر بما يناقضها، ونواقض شهادة أن محمدا رسول الله خمسة، عافانا الله من الوقوع فيها.

  • أيها المؤمنون، وشهادة أن محمدا رسول الله تنتقض بأمور خمسة:

الناقض الأول: انتقاض واحد أو أكثر من الشروط الثمانية المتقدم ذكرها.


الناقض الثاني: إنكارُ أمر معلوم من الدين بالضرورة، كإنكار نبوة النبي (صلى الله عليه وسلم)، أو بشريته، أو إنكار أن له حقوقا على أمته، أو إنكار أنه خاتم النبيين، أو إنكار أن رسالته ناسخة لـما قبلها من الشرائع، أو إنكار أنه بلَّغ الدين كله، أو إنكار عموم رسالته للإنس والجن، أو إنكار ركن من أركان الإسلام، أو إنكار أمر معلوم تحريمه من الدين بالضرورة كتحريم الخمر أو السرقة أو الزنا ونحو ذلك.

الناقض الثالث من نواقض شهادة أن محمدا رسول الله: إيذائه (صلى الله عليه وسلم)، سواء في حــياته أو بعد مـماته، بالطعن في شخصه، ومن ذلك الطعن في صدقه، أو في عقله، أو في عفته، فهذا كله كفر بشهادة أن محمدا رسول الله، لأنه يتنافى مع الإيمان بما تقرر في القرآن العزيز من اصطفاء الله تعالى له.

والدليل على كفر من آذى النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله تعالى ﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا﴾، واللعن هو الطرد من الرحمة، ومن طرده الله من رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافرا.

أيها المؤمنون، ومن إيذائه (صلى الله عليه وسلم) الاستهزاء به، جادا أو هازلا، والدليل على كفر المستهزئ به قوله تعالى في سورة التوبة ﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم﴾.

قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله في تفسير الآية: فإن الاستهزاء بالله ورسوله كفر مخرج عن الدين، لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة. انتهى.

الناقض الرابع: الوقوع في شيء من نواقض الإسلام، كالشرك في عبادة الله، أو اعتقاد أن غير هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) أكمل من هديه، أو أن حُكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حـكمه، كمن يُفضل الشيوعية أو الديموقراطية على حكم الإسلام، فهو كافر.

ويدخل ذلك بغضِ شيءٍ مما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أو الاستهزاء بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه، أو تعاطي السحر، أو الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به[3].

أيها المؤمنون، والناقض الخامس والأخير من نواقض شهادة أن محمدا رسول الله هو الغلو فيه عليه الصلاة والسلام، وهو مجاوزة الحد في تعظيمه، وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يزجر الناس ويحذرهم من عموم الغلو فيه في حياته وفي سياق موته، مبالغة في التحذير من الغلو فيه، فما أعظم نصحه لأمته، وقد ورد عنه (صلى الله عليه وسلم) عشرة أحاديث في التحذير من ذلك، منها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبـي (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله[4]. والإطراء هو مجاوزة الحد في المدح[5].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه كان للتوابين غفورا.


المراجع

  1. انظر «أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة»، تأليف الشيخ حافظ الحكمي، ص 39 ، الناشر: دار المؤيد - الرياض
  2.  .رواه البخاري (128) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه
  3. انظر رسالة «نواقض الإسلام» للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
  4. رواه البخاري (3445).
  5.  انظر «النهاية في غريب الحديث».


موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day