1. المقالات
  2. ‫‫الدلائل العشرة على عظم قدر المصطفى
  3. ‫‫الدلائل العشرة على عظم قدر المصطفى

‫‫الدلائل العشرة على عظم قدر المصطفى

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسي


الخطبة الأولى

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما)

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله أكرم هذه الأمة باختيار خير خلقه ليكون نبيا لها ورسولا، وهو محمد (صلى الله عليه وسلم)، فكان بحق خير الناس خُلُقا وعِلما وعملا، ولهذا فإنه أثَّــــر في الدنيا بأسرها، في جنها وإنسها وحتى بهائمها، فهو بحق رجل عظيم لم يأتِ الزمان بمثله مطلقا ولن يأتي، وليست عظمة النبي (صلى الله عليه وسلم) محصورة بجوانب معينة، بل هي عامة لجميع الجوانب، والأدلة على عِـظَم قدره تزيد على الـمِـئـة دليل، كل دليل مختلف عن الآخر، فمنها:

  1. اصطفاء الله له واختياره له من بين سائر الناس ليقوم بأعباء الرسالة، قال الله تعالى لنبيه محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) ﴿وأرسلناك للناس رسولا﴾.

  2. ومن دلائل عِظَمِ قدره (صلى الله عليه وسلم) أن الله تعالى جمع له بين النبوة والرسالة.

  3. ومن دلائل عظم قدره (صلى الله عليه وسلم) أنه من أولي العزم من الرسل، وأولو العزم من الرسل خمسة؛ نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، عليهم الصلاة والسلام، وقد ذكرهم الله تعالى في موضعين من القرآن ؛ في سورة الأحزاب وفي سورة الشورى ،

    في قوله

    ﴿‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾‏

    وكذا في قوله ﴿‏شَرَعَ لَكُم من الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه﴾.[1]

  4. ومن دلائل عظم قدره (صلى الله عليه وسلم) ما اختصه الله به من الآيات الكثيرة الدالة على نبوته، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في آخر كتابه «إغاثة اللهفان»[2] أنها تزيد على الألف، وهذا من رحـمة الله بعباده، ليكون ذلك أقوى في الإقناع والدلالة على نبوته (صلى الله عليه وسلم)، وقاطعًا لحجة من خالفه.

  5. ومن دلائل عظم قدره (صلى الله عليه وسلم) أن الله اختصه بآية خالدة مستمرة من حين بُعِث إلى يوم القيامة، وهي القرآن الكريم، فإن آيات الأنبياء قاطبة قد انقضت بموتهم، أما القرآن فمعجزة خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ما مِن الأنبياء من نبي إلا قد أُعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيت وحيا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة.[3]

  6. أيها المسلمون، ومن دلائل عظم قدره r أن الله تعالى أنزل عليه أحسن كتبه وهو القرآن الكريم، وهو أحسن من غيره من جهة أسلوبه وما تضمنه من شرائع حسنة، كما أنه أحسن من غيره من جهة أنه محفوظ من التبديل والتحريف. وفي تنزيل القرآن عليه إشارة إلى أن الله أنزل عليه أحسن شرائعه، وجعلها مشتملة على ما اشتملت عليه جميع الكتب السماوية من الشرائع الحسنة وزيادة.

  7. ومن دلائل عظم قدره (صلى الله عليه وسلم) أن الله أوحى إليه بالسُّنة، وهي المتضمنة لتفاصيل الشريعة.

  8. ومن دلائل عظم قدره (صلى الله عليه وسلم) أن الله أرسله للناس كافة، إنـــسِــــهم وجِـــــنِّــهم، بينما أرسل غيره من إخوانه الأنبياء إلى أقوامهم خاصة، قال تعالى ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا﴾، وقال تعالى ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، وقال تعالى عن استجابة الجن لدعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) )وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قُضِي ولوا إلى قومهم منذرين( إلى قوله )يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم(.

وداعِ الله المذكور في الآية هو النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، فهو الذي سمعه الجن يقرأ القرآن.

وقال (صلى الله عليه وسلم): كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود.[4]

أراد بالأسود والأحمر جميع الناس، والأحمر هو الأبيض، فإن العرب تُسمِّي الأبيض أحمرا.[5]

9.ومن دلائل عظم قدره (صلى الله عليه وسلم) أن الله تعالى ختم به النبوات والرسالات، ولهذا سُـمِّـــيَ بخاتم النبيين، قال الله تعالى )ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين(.

وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجلٍ بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لَــــــبِـــــنَــــةٍ من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويَعجبون له ويقولون: هلا وُضِعت هذه اللـبِــنَــة؟

قال: فأنا اللَّــــــبِـــــنة، وأنا خاتم النبيين.[6]

10.ومن دلائل عظم قدره (صلى الله عليه وسلم) أنّ الله رفع ذِكره رَفعا عظيما، كما قال تعالى ﴿ورفعنا لك ذكرك﴾، فجعل اسمه جزءا من شهادة التوحيد، «أشهد أن لا إلـٰه إلا الله، وأشهد أن  محمدا رسول الله»، ولا يُذكر الله تعالى إلا وذُكر معه النبي ﷺ، في الأذان والإقامة والخطب وفي الصلاة – في التشهد والتحيات - وكثيرٍ من الأذكار والأدعية، فذِكر النبي ﷺ يُدوِّي في كل مكان من الأرض، وليس بشر في الدنيا يُذكر ويُـثنى عليه كما يذكر النبي  ويُثنى عليه، كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

ألم تر أن الله أخلد ذِكره إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

وَضَمَّ الإلـٰهُ اسمَ النبيِّ إلى اسمه

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من أفحش القول وأقبحه؛ التعدي على جناب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ، بشتمه، أو الطعن في عرضه، مِـمَّـن أوضح القرآن بغضهم للإسلام وأهله، فمثل هؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى (إن شانئك هو الأبتر)، أي إن مبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى والنور، هو المنقطع أثره، المقطوع من كل خير.

وإن من مكر الله بهؤلاء الذين يمكرون بالإسلام أنهم كلما تهجموا عليه زاد إقبال أقوامهم على الإسلام، ليعرفوا الحقيقة من مصادرها، وزاد نشاط المسلمين عندهم في بلادهم في الدعوة إلى الإسلام، وصدق الله إذ يقول (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون).

ومع هذا فينبغي أن يفطَنَ المسلمون إلى أن الكفار يريدون استدراج المسلمين وإثارتهم لأن يستعملوا العنف والطيش والعنجَهية والتخريب، حتى إذا وقعوا في ذلك قالوا لأقوامهم (انظروا إلى الإسلام وأهله ماذا يفعلون)، ثم نشروا مظاهر تخريبهم في إعلامهم ليصدوا الناس عن سبيل الله، فالحذر الحذر، فلا ينبغي أن يتصدر خفاف العقول في الفتن، بل الواجب هو الصبر وضبط النفس، ورد الأمر إلى أهل العلم والخبرة، واستثمار الحدث في الدعوة إلى الله ورد الشبهات المثارة، ليُفَوِّتوا على أعدائهم فرصة الكيد بهم، وتتحول المحنة إلى منحة بإذن الله، قال الله تعالى (ولا يستخفنك الذين لا يوقنون).

ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم عليه السلام، وفيه قُبِــــض، وفيه النفخة[7]، وفيه الصَّعقة[8]، فأكثروا عليَّ من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة علي)[9]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين. اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بشر فاشغَله في نفسه، ورد كيده في نحره.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك، وإعزاز دينك، واجعلهم رحمة على رعاياهم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. 

سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


المراجع

  1. انظر للفائدة تقرير ابن كثير لهذه المسألة عند تفسيره لقوله تعالى )فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل(. (الأحقاف: 35).
  2. ص 1107 ، تحقيق علي حسن عبد الحميد، ط دار ابن الجوزي – الدمام.
  3. واه البخاري (4981) ومسلم (152)، واللفظ لمسلم.
  4. رواه مسلم (521) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
  5. قاله ابن الأثير رحمه الله في «جامع الأصول» (6/232) ، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط ، ط 1 ، سنة 1432 ، الناشر: دار ابن كثير – دمشق. 
  6. رواه البخاري (3535)، ومسلم (2286) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  7. أي النفخة الثانية في الصور، وهو قرنٌ يَنفخ فيه إسرافيل، وهو الـمَـلك الـمُـوكَل بالنفخ في الصور، فيقوم الخلائق من قبورهم.
  8. أي يُصعق الناس في آخر الحياة الدنيا، فيموتون كلهم، والصعقة تكون بسبب النفخة الأولى في الصور، وبين النفختين أربعون عاما. 
  9. رواه أحمد (4/8) وغيره، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود»، ومحققو «المسند» برقم (16162).




موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day