البحث
أهمية الصلاة
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما)
أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن من خير أعمالكم الصلاة، وقد دلت الشريعة على أهميتها من عشرة وجوه:
الأول: أن الصلاة أولُ ما أوجبه الله تعالى من العبادات بعد الشهادتين، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: بُني الإسلام على خـمس، شهادة أن لا إلـٰه إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.[1]
ومن دلائل أهمية الصلاة أنها فُرضت في مكة قبل هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة في السنة الثالثة من البعثة النبوية في حادثة الإسراء والمعراج لما عُرِج بالنبي (صلى الله عليه وسلم) إلى السماء، ففَرض الله عليه الصلوات الخمس في السماء السابعة مخاطبة بينه وبين نبيه (صلى الله عليه وسلم) من غيرِ واسِطة مَــلَــك، كما هو الحال في سائر العبادات الأخرى.
ومن دلائل أهمية الصلاة أن لها في الدين منزلة لا تعدلها منزلة أي عبادة أخرى، فهي عَمُودُ الدين الذي لا يقوم إلا به، ففي الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال له: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه؟
فقال معاذ: بلى يا رسول الله.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد.[2]
4.ومن دلائل أهمية الصلاة أنها وسيلةُ مناجاةٍ بين العبد وربّه، لما تتضمنه من ذكر الله بالقلب واللسان والبدن، من دعاء وثناء على الله عز وجل، وقراءة قرآن، وتسبيح وتحميد وتكبير، وخضوع بالجوارح، كالركوع والسجود والوقوف بخشوع وتذلل وانكسار وإطراقُ بصرٍ بين يدي العزيز، وفيها من عبوديات الجوارح كلها ما ليس في غيرها.
5.ومن دلائل أهمية الصلاة أنها اخْتُصَّتْ بِأمورٍ كثيرة على سائر العبادات، أهمُّها:
النداء لها، وهو الأذان.
وجوب التطهر لها.
والمشي لها بسكينة ووقار.
وفيها من عبوديات الجوارح كلها ما ليس في غيرها.
6.ومن دلائل أهمية الصلاة وجوب أداؤها في السفر والحضر والخوف والأمن والصحة والمرض، إلا إذا كان مرضا يَغِيبُ معه العقلُ أو يُفْقَدُ.
7.ومن دلائل أهمية الصلاة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أوصى بالاهتمام بها وهو على فراش الموت، فعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يقول في مــرضه الذي توفي فيه: (الصلاة وما ملكت أيـمانكم)، فما زال يقولها حتى ما يُفيضُ بها لسانه.[3]
أي حتى صار ما يجري على لسانه غير هذه الوصية.
8.ومن دلائل أهمية الصلاة أنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: إنَّ أول ما يُـحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا جل وعز لملائكته - وهو أعلم -: (انظروا في صلاة عبدي، أتـمَّـها أم نَقَصَها؟) فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئا قال: (انظروا هل لعبدي من تطوع)، فإن كان له تطوع قال: (أتموا لعبدي فريضته من تطوعه)، ثم تؤخذ الأعمال على ذاك.[4]
9.ومن دلائل أهمية الصلاة أنها آخر ما يُفقد من الدين في آخر الزمان، ودليل ذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم): لــــتُــــنقضُـــنَّ عُــــرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة، تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن الــحُـــكمُ، وآخرهن الصلاة.[5]
قوله (عُرى الإسلام) أي فرائضه وشرائعه، أي يترك الناس التمسك بها، فتشتد غربة الدين حتى يترك الناس الصلاة، وتكون هي آخر ما يتركون، وهذا في آخر الزمان.
10.ومن دلائل أهمية الصلاة أنها الفارق بين الإسلام والكفر، فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): العهـد الذي بيننا وبينهم[6] الصلاة، فمن تركها فقد كفر.[7]
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة.
[8]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا ؛ فذلك المسلم الذي له ذمة الله[9] وذمة رسوله، فلا تخـفِروا[10]الله في ذمته.[11]
أيها المسلمون، هذه عشرة دلائل على أهمية الصلاة، وفق الله الجميع لإقامتها كما أمر الله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد، فاعلموا رحمكم الله أن الصلاة وسيلة مناجاة بين العبد وربّه، لما تتضمنه من دعاء وثناء على الله عز وجل، وقراءة قرآن، وتسبيح وتحميد وتكبير، وخضوع بالجوارح، كالركوع والسجود والوقوف بخشوع وتذلل وانكسار واطراق بصر بين يدي العزيز. قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر﴾: وثُـم في الصلاة مقصود أعظم من هذا وأكبر، وهو ما اشتملت عليه من ذكر الله بالقلب واللسان والبدن، فإن الله تعالى إنما خلق العباد لعبادته، وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة، وفيها من عبوديات الجوارح كلها ما ليس في غيرها، ولهذا قال ﴿ولذكر الله أكبر﴾. انتهى.
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم حاثا أمته على الإكثار من الصلاة والسلام عليه يوم الجمعة: (إن من خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا من الصلاة علي فيه، فإن صلاتكم معروضة علي)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بشر فاشغَلهُ في نفسه، ورد كيده في نحره، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك، وإعزاز دينك، واجعلهم رحمة على رعاياهم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المراجع
- رواه البخاري (8) ومسلم (16)، واللفظ له.
- رواه الترمذي (2616)، وقال: حديث حسن صحيح.
- رواه ابن ماجه (1625)، وأحمد (6/290)، وصححه الألباني في «الإرواء» (7/238).
- رواه أبو داود (864)، وأحمد (2/425)، واللفظ لأبي داود، وصححه الألباني رحمه الله وكذا محققو «المسند».
- رواه أحمد (5/251) وابن حبان (6715) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، وقال محققو «المسند»: إسناده جيد.ومعنى قوله (فأولهن الحكم) أي أولهن انتقاضا فساد الحكم والحكام. أقول: وهذا الفساد ظاهر في زماننا، فالحكم السائد في بلاد المسلمين إلا ما قَل هو الحكم بالقوانين الوضعية، وإلى الله المشتكى.
- المقصود بقوله (بيننا وبينهم) أي: بين المسلمين والكفار.
- رواه الترمذي (2621) والنسائي (462)، وابن ماجه (1079)، وابن حبان (1454)، وأحمد (5/346)، وقال الألباني في تعليقه على كتاب «الإيمان» لابن أبي شيبة (46): إسناده صحيح على شرط مسلم.
- رواه مسلم (82).
- الذمة هي العهد بالحفظ والكَلاءة. انظر «المعجم الوسيط».
- أخفر أي نقض العهد، وهي ضد خفر بمعنى عاهد وكفل، بالهمزة في أخفر للإزالة. انظر «المعجم الوسيط».
- رواه البخاري (391).