البحث
خطبة عن خصائص الشريعة الإسلامية (الخصائص6-10)
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما)
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله، اتقوا الله وعظّموه، وأطيعوه ولا تعصوه، واصبروا على فعل الطاعات، وعلى ترك المعاصي والسيئات، واعلموا أن الله تعالى شرع الشرائع لغاية عظيمة، وهي دلالتهم على ما فيه خير دينهم ودنياهم، لأن عقول البشر قاصرة، لا تستطيع أن تستقل بصنع شرائع تهديهم، فهذا من خصائص الله الكامل في صفاته، الحكيم في أفعاله وأقواله وتقديره، الخبير بمصالح خلقه، الرحيم بهم، أما البشر فقاصرون في علمهم.
معاشر المؤمنين، تقدم الكلام في الخطبة الماضية عن خمس خصائص من خصائص الشريعة الإسلامية، وفي هذه الخطبة نتناول بإذن الله طائفة أخرى.
6.عباد الله، إن مِن خصائص الشريعة الإسلامية نفي الخرافات والخزعبلات، وبيان بطلانها، ومن ذلك السحر، والذي يحصل به استعانة الساحر بالشياطين ليحققوا له مراده، والشياطين لا يخدمونه إلا بعبادته لهم.
ومن الخرافات التي زجر عنها الإسلام؛ الكهانة، وهي طلب علم ما يكون في الغيب، والإخبار عما في الضمير، وكلاهما – أي السحر والكهانة - محرم تحريما شديدا، بل ارتكابهما من نواقض الإسلام، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله، إذ هو من خصائص الله، قال سبحانه وتعالى (قلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)، فمن ادعى ذلك لنفسه فقد ادعى مشاركة الله في صفة علم الغيب، وكذب خبر القرآن.
7.ومن خصائص الشريعة الإسلامية كمالُـها وشموليتُها لجميع شؤون الحياة، في العقيدة والعبادات والمعاملات والسياسة والقضاء والسلوك.
ففي باب العقائد تتناول الشريعة الإسلامية أصول العقائد وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وتتناول مقتضيات الإيمان بالنبي (صلى الله عليه وسلم)، وأهمها التصديق والانقياد.
وفي باب العبادات فإن تعاليم الشريعة الإسلامية شاملة لأدق تفاصيل عبادات القلب والجوارح.
فأما عبادات القلب فهي كالصبر والخوف والرجاء والتوكل والتوبة والحب وغيرها.
الجوارح فيدخل فيها الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والذِّكر والجهاد والدعوة.
وفي باب المعاملات فإن تعاليم الشريعة الإسلامية شاملة لأدق تفاصيل المعاملات، من بيع وشراء وإجارة ووكالة وتوثيق ديون ونكاح وطلاق ومُزارعة وغيرها.
وفي باب السياسة فإن الإسلام شامل لتفاصيل العلاقة بين الحاكم والمحكوم، مِن بيعة وسمع وطاعة، ونصيحة ودعاء، واجتماع وتآلف، كما يشمل الإسلام تفاصيل العلاقة مع غير المسلمين في السلم والحرب، وتفاصيل الصلح والهدنة معهم، ويحث الحاكم على العدل والقسط، والجهاد لرفع كلمة الله، والذب عن ديار المسلمين، وحماية الضروريات الخمس، وهي الدين والعقل والنفس والعرض والمال.
وفي باب القضاء فإن الإسلام شامل لأحكام العقوبات والحدود ولقصاص والدِّيات والتعزير، لضمان الحقوق وضبط الأمن وزجر المفسدين عن الإفساد.
وفي باب السلوك فإن تعاليم الشريعة الإسلامية شاملة لأدق تفاصيل العلاقات الأسرية والزوجية والاجتماعية والتربوية، وتحث على التحلي بالأخلاق الطيبة، ورأسها بر الوالدين وصلة الأرحام وعفة اللسان وغض البصر، وحفظ الفروج ولبس الحجاب والتحلي بخلق الحياء، كما تنهى الشريعة عن سفاسف الأخلاق ومذمومها، وتحث على الاجتماع وترك التفرق والتحزب، وأن يكون الناس أمة واحدة.
عباد الله، وبهذه الشمولية يتحقق اكتمال الدين الإسلامي، وصدق الله القائل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا بُــيِّـــنَ لكم.[1]
وقال أبو ذر رضي الله عنه: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا منه علمٌ.[2]
8.ومن خصائص الشريعة الإسلامية موافقتها للفطرة الإنسانية، التي لا تتغير ولا تتبدل، وتلبيتها لحاجات الروح والجسد، قال تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
9.ومن خصائص الشريعة الإسلامية موافقتها للعقل الصحيح، وليس هذا بغريب، (فإنها مبنية على العقائد الصحيحة النافعة، وعلى الأخلاق الكريمة الــمُــهذِّبة للأرواح والعقول، وعلى الأعمال الـمُصلِحة للأحوال، وعلى البراهين في الأصول والفروع، وعلى نبذ الوثنيات والتعلق بالمخلوقين والمخلوقات، وإخلاص الدين لله رب العالمين، وعلى نبذ الخرافات والخزعبلات المنافية للحس والعقل، الـمُــحيِّـــرة للفكر، وعلى الصلاح المطلق، وعلى دفع كل شر وفساد، وعلى العدل ورفع الظلم بكل طريق، وعلى الحث على الرقي لأنواع الكمالات)[3]، (فليس في خبر الله وخبر رسوله شيء يخالف الحس والواقع والعقل الصحيح، وليس في أحكام الله ورسوله شيءٌ ينافي الحكمة والمصلحة للعباد، بل هي التي ترفع أهلها إلى أعلى مراتب الكمال ولا يكون النقص والضرر إلا بالإخلال بها أو ببعضها).[4]
وبعد عباد الله، فهذه جملة نافعة من خصائص شريعة الإسلام، من علِمها عَلِم عظيم حكمة الله فيما شرَعه من الشرائع، وعَلِم ضعف ما وضعه البشر من الشرائع.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
10.الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من خصائص الشريعة الإسلامية أنها تحث على إعمال العقل والنظر في الكون، والحث على الاختراعات والاكتشافات، والتفكر في الآيات الأفقية والنفسية، قال تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)، وقال (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، فالشريعة الإسلامية تتوافق مع العقل ولا تضاده، وتأتي بما تَـحار فيه العقول لا بما تُحيلُه وتراه مستحيلا، وقد جمعت هيئة الإعجاز العلمي التابعة لرابطة العالم الإسلامي كمًّا كثيرا من دلائل الإعجاز في القرآن والسنة، سواء كان ذلك في علم الأجنة أو الفلك أو الطب أو البحار أو غيرها، ما جعل علماء الطبيعة من غير المسلمين يقفون مدهوشين، إذ لا يمكن أن تذكر هذه الاكتشافات في القرآن والسنة قبل أربعة عشر قرنا إلا أن تكون وحيا من عند الله، لأنه لم تكن ثمة وسائل للوقوف على هذه الاكتشافات في ذاك الزمان، الأمر الذي أخضع جما غفيرا منهم للدخول في الإسلام.
وبعد عباد الله، فهذه جملة مِن خصائص من خصائص الشريعة الإسلامية، من علِمها ووعاها علِم حكمة الله في شريعة الإسلام، وعلِم زيغ منافقي زماننا، وهم العلمانيون، في طعنهم في الإسلام وتشريعه، وزعمهم أنه دين تخلف ورجعية، وهم الأولى بهذا الوصف، حمانا الله من شبهاتهم.
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، الأئمة الحنفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم إنا نسألك عيشا قارا، ورزقا دارا، وعملا بارا.
اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وعاف مبتلانا.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
المراجع
- رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (1647) عن أبي ذر رضي الله عنه، وقال الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1803): إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات.
- رواه ابن حبان في «صحيحه» (1/267) والطبراني في «المعجم الكبير» (1647)، وصححه الألباني في «الصحيحة» (118)، وشعيب الأرناؤوط، رحمهما الله.
- قاله ابن سعدي رحمه الله في «الدرة المختصرة في محاسن الدين الإسلامي»، ص 44-45، بتصرف يسير، الناشر: دار العاصمة – الرياض.
- قاله ابن سعدي رحمه الله في «الدلائل القرآنية في أن العلوم والأعمال النافعة العَصْرية داخِلة في الدّين الإسْلامي»، بتصرف يسير.