البحث
خطبة عن خصائص الشريعة الإسلامية(الخصائص11-15)
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما)
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله، اتقوا الله وعظّموه، وأطيعوه ولا تعصوه، واصبروا على فعل الطاعات، وعلى ترك المعاصي والسيئات، واعلموا أن الله تعالى شرع الشرائع لغاية عظيمة، وهي دلالتهم على ما فيه خير دينهم ودنياهم، لأن عقول البشر قاصرة، لا تستطيع أن تستقل بصنع شرائع تهديهم، فهذا من خصائص الله الكامل في صفاته، الحكيم في أفعاله وأقواله وتقديره، الخبير بمصالح خلقه، الرحيم بهم، أما البشر فقاصرون في علمهم.
معاشر المؤمنين، تقدم الكلام في خطب ماضية عن عشر خصائص من خصائص الشريعة الإسلامية، وفي هذه الخطبة نتناول طائفة أخرى بإذن الله.
11.عباد الله، إن مِن خصائص الشريعة الإسلامية أن من اطلع عليها من المنصفين مِن غير المسلمين انبهر منها وعَلِم أنها مِن عند الله، وأن البشر قاطبة لا يستطيعون أن يأتوا بمثلها في الـحُـسن والإحكام، وهذه شهادة حق من غير المسلمين، وصدق الله تعالى إذ يقول عن القرآن (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا).
12.ومن خصائص الشريعة الإسلامية أن من اطلع عليها من غير المسلمين وعلِم أنها مِن عند الله، وأنها لا يمكن أن تكون من عند بشر؛ كان هذا سببا في دخوله في الإسلام، وهم كثير لا يحصون، سواء مِمن هم في بلاد الكفار أو من المقيمين في بلاد المسلمين، وسواء كانوا من المثقفين أو مِـمَّن دونهم.
13.ومن خصائص الشريعة الإسلامية أنها وسطٌ بين الإفراط والتفريط، قال تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، فتعاليم الشريعة الإسلامية وسط في باب العقائد وفي باب العبادات وفي باب المعاملات وفي باب السلوكيات.
14.ومن خصائص الشريعة الإسلامية الدعوة إلى التوازن بين حاجات الروح والجسد، فلا يوجد تعارض بين الحياة الروحية والدنيوية، فالشريعة تدعو إلى تهذيب الروح وتزكيتها بأنواع العبادات القلبية والبدنية والمالية من توكل وخوف ورجاء وصلاة وصيام وحج وذِكر لله تعالى وإنفاق للمال في سبل الخير، وغير ذلك من أنواع العبادات التي تجمعها شعب الإيمان، وعددها بضع وسبعين شعبة، على خلاف المناهج البشرية، كالعلمانية المادية التي تتجاهل الحاجة الروحية، وتدعو الإنسان ليكون ماديا بحتا، لا يفكر إلا بمصلحته المادية، ولو كان على حساب والديه وأسرته، حتى صار نظام الأسرة فيها هشا، وصار الرابط بين الرجل والمرأة رابط صداقة لا غير.
وعلى النقيض من منهج العلمانية المادية؛ فمنهج الرهبنة يتجاهل حاجة الجسد، ومن ذلك أنه يدعو أتباعه إلى ترك الزواج، وتحريم بعض الطيبات التي أحلها الله تعالى، كما هو المعمول به بين القساوسة في الكنائس.
أما الإسلام فيعترف بحاجة الإنسان إلى حاجة الروح والجسد، ويأمر بالتوازن بينهما، فينهى عن الانهماك المادي، وينهى عن الرهبنة والتشدد، ويأمر بالسعي في الأرض وعمارتها، كما يأمر بالعناية بتقوية العلاقة بين العبد وربه، فقد قال عليه الصلاة والسلام لأحد الصحابة وكان يريد أن يُـــنهِك نفسه في العبادة: (وإن لنفسك عليك حقا)[1]، ولما قال بعض الناس إنه لا يأكل اللحم، وقال بعضهم لا أتزوج النساء، وقال الثالث: أصوم ولا أفطر، وقال الرابع: أقوم الليل ولا أنام؛ قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أما أنا فآكل اللحم، وأتزوج النساء، وأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، فمن رغب عن سنتي فليس مني.[2]
وبعد عباد الله، فهذه جملة نافعة من خصائص شريعة الإسلام، من علِمها عَلِم عظيم حكمة الله فيما شرَعه من الشرائع، وعَلِم ضعف ما وضعه البشر من الشرائع.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
15.الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن مِن خصائص الشريعة الإسلامية حسن تعاليمها، فهي تدعو لكل ما هو معلوم بالعقول والفِطر السليمة حسنه، وتنهى عن كل ما هو معلوم بالعقول والفِطر السليمة قبحه، قال تعالى (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)، وقال تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)، قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله: فتعاليم الشريعة تأمر بمحاسن الأعمال ومكارم الأخلاق ومصالح العباد، وتحث على العدل والفضل والرحمة والخير، وتزجر عن الظلم والبغي ومساوئ الأخلاق، فما مِن خصلةِ كمال قررها الأنبياء والمرسلون إلا وأقرتها الشريعة الإسلامية وأثبتتها، وما مِن مصلحة دينية ودنيوية دعت إليها الشرائع إلا وحثت عليها، ولا مفسدة إلا ونهت عنها وأمرت بمجانبتها.[3]
وبعد عباد الله، فهذه جملة مِن خصائص من خصائص الشريعة الإسلامية، من علِمها ووعاها علِم حكمة الله في شريعة الإسلام، وعلِم زيغ منافقي زماننا، وهم العلمانيون، في طعنهم في الإسلام وتشريعه، وزعمهم أنه دين تخلف ورجعية، وهم الأولى بهذا الوصف، حمانا الله من شبهاتهم.
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، الأئمة الحنفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم إنا نسألك عيشا قارا، ورزقا دارا، وعملا بارا.
اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وعاف مبتلانا.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
المراجع
- رواه أحمد (6/268) وغيره عن عائشة رضي الله عنها، وحسنه محققو «المسند» (26308)، وأصله في الصحيحين من حديث أبي جُحيفة رضي الله عنه وغيره من الصحابة.
- رواه البخاري (5063)، ورواه مسلم (1401) بنحوه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
- بتصرف يسير من «الدرة المختصرة في محاسن الدين الإسلامي»، ص 15، الناشر: دار العاصمة – الرياض.