البحث
لناقض الثامن:مظاهرة الكفار علي المسلمين
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الإيمان بالله يستلزم موالاة المؤمنين
عباد الله، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن الإيمان بالله يستلزم موالاة المؤمنين، أي محبتهم ونصرتهم، قال تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه أولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم).
الإيمان بالله يستلزم بغض الكفر والكافرين، وبيان معنى موالاة الكفار
معاشر المؤمنين، ومما يستلزمه الإيمان بالله بغضُ الكفر والكافرين، والبراءة منهما، لأن المؤمن الصادق يحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، وضد ذلك موالاة الكفار، وهي محبتهم لأجل الدنيا، وهذا فسق، ومن كبائر الذنوب، وليس كفرا ناقلا عن الملة، وقد نهى الله تعالى عن موالاة الكفار في بضعِ آيات من القرآن، منها قوله تعالى (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ). وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَق).
بيان معنى تولي الكفار وحكمه
عباد الله، وأما تولي الكفار أعظم من مجرد موالاتهم، ومعنى تولي الكفار هو إعانتهم ونصرتهم على المؤمنين، بحيث إذا وقعت حرب بين أهل الإسلام وأهل الكفر وقف في صف الكفار وناصرهم وعاونهم، بالسلاح أو المال أو الرأي والتخطيط، قاصدا بهذا ظهور دين الكفار على الإسلام، فهذا من نواقض الإسلام عياذا بالله، والدليل قوله تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين.
ووجه كون تولي الكفار كفر؛ أنه مستلزم لبغض الإسلام وأهله، وهذا كفر، فإن الله أمر بحبه وحب رسوله (صلى الله عليه وسلم) وحب دينه وحب المسلمين، أما مظاهرة الكفار على المسلمين فإنها تستلزم ضد ذلك كله، وتناقض هذا كله، عافانا الله من ذلك.
قال الشنقيطي رحمه الله في تفسير قوله تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم: ذكر الله في هذه الآية الكريمة أن من تولى اليهود والنصارى فإنه يكون منهم بتوليه إياهم، وبــيَّـــنَ في موضع آخر أن توليهم موجب لسخط الله والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمنا ما تولاهم. انتهى بتصرف يسير.
أيها المؤمنون، ولا يُتصور أن يُظاهر مسلم كافرا على مسلم، ولا يقع هذا إلا من المنافقين وأشباههم كالرافضة، وبعضِ من ابتُلي بالهجرة من المسلمين إلى بلاد الكفار وأقام بينهم وعمل في جيوشهم، فمثل هؤلاء يقع منهم مشاركة للكفار في غزو المسلمين، قياما بالواجب الوظيفي، بحسب زعمهم، عافانا الله من ذلك.
وبعد عباد الله، فهذه مقدمة نافعة في بيان وجوب موالاة المؤمنين، والبراءة من الكفر والكافرين، وبيان معنى الولاء والبراء في العقيدة الإسلامية.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
بغض الكافر لا يقتضي ظلمه، فالإسلام دين العدل
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن بغض الكافر لا يقتضي ظلمه في معاملته، ولا تحريم معاملته من بيع وشراء وإجارة ومعاهدة ونحو ذلك، فهذا شيء وذاك شيء، فالعدل مطلوب في المعاملات، وحسن التعامل مطلوب في السلوكيات، وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعامل الكفار مع بغضه لهم ولدينهم، وكان يعاملهم بالحسنى ولو كانوا من أسرى الحروب، عملا بقول الله تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا).
ثم صلوا رحمكم الله على خير البرية وسيد البشرية محمد بن عبد الله، صاحب الحوض والشفاعة، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، الأئمة الحنفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم احفظ علينا عقيدتنا، واحفظ علينا أمننا، واحفظ علينا رزقنا. اللهم إنا نعوذ بك من شر الأشرار، ومن كيد الفجار، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارقا يطرُق بخير يا رحمـٰن. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعلهن الوارث منا. اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.