1. المقالات
  2. ذو اللغو وأهمية الإعراض عنه
  3. ذو اللغو وأهمية الإعراض عنه

ذو اللغو وأهمية الإعراض عنه

92 2024/10/07 2024/10/07

 

 اللغو هو فارغ الحديث الذي لا طائل تحته، ولا حاصل وراءه، وهو الهذيان الذي يقتل الوقت دون أن يضيف إلى القلب والعقل زادًا جديدًا، ولا معرفة مفيدة، وهو البذيء من القول الذي يفسد الحس واللسان، سواء وجه إلى مخاطب، أم حكي عن غائب.

والإنسان الراجح عقله الواعي لمصلحته لا يلغو ذلك اللغو، ولا يستمع إلى ذلك الهذر، ولا يعنى بهذا البذاء، فهي مشغولة بتكاليف الإيمان، مرتفعة بأشواقه، متطهرة بنوره، ينزهون أنفسهم عن اللغو، ويصونونها عن الخوض فيه،

قال تعالى

﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾

[القصص:55]

فالعاقل هو من يبتعد عن الباطل الذي لا يفيد، وليس هناك فائدة تعود عليه، بل ربما يكون وبالا عليه، فينأى بنفسه عن كل كلام قبيح باطل، كالخوض في المعاصي ،والسب ،والشتم ،والرفث، وما إليها،

قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ

﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾

[الفرقان:72]

أي:  كفوا عن القبيح وتعففوا عن التصريح به.

مظاهر اللغو

ويظهر اللغو في القول، وفي العمل، وفي الفعل، وفي النظر، وفي السماع، وفي التفرج، وفي الدعابة، وفي القراءة، وفي الرياضة، وفي السوق، وفي المنزل، وفي المدرسة، وفي التجارة، وفي الإعلام، وفي التعليم والتعلم، وفي الإدارة، وفي السياسة، وفي الحب، و في الكراهية، و في المنشط والمكره، و في العادات، وفي العلاقات، وفي الممارسات، وفي السلوكيات، ظلمات بعضها فوق بعض إذا ظهرت الجدية النافعة لم يكد يراها.

أضرار انتشار اللغو في الأمة

فاللغو كما هو ملاحظ أمر متشعب في أغلب نواحي الحياة، ولذا فإنه نجم عنه أضرار فادحة، يرزح تحت عبئها الباهظ كاهل الأمة، وتنقض تحت وزرها ظهرها، من أهونها:

((1- التسمم الفكري 2-التوسخ العقلي والذهني 3-التدنس العملي 4- الإفلاس القيمي 5-الانهيار الخلقي 6-التخلف الحضاري))، إلى جانب أنه أنتج: -

(( أ) تلبداً عقلياً، ب) بلادة ذهنية ج) بساطة فكرية د) طبيعة بهيمية))

ولذا لما كثر اللغو في حياتنا، وملأ أغلب شؤننا، انقلبت الموازين، واختلت المعايير، وتشوهت المفاهيم، والتبست معيارية الحق على الكثير، فاختلط الحابل بالنابل.

ومن أسوأ الانعكاسات السيئة والآثار السلبية له على المجتمعات كلها: -

فقد الأمن والأمان في الدماء والأموال والأعراض والعقول، فبسببها تقع اعتداءات تشمئز منها النفوس، وتنفر منها العقول. ألم تر تلك الكوميديات القاتلة للوقت؟! ألم تر تلك المسارح الفخمة التي يفدى في سبيلها الملايين والملايين سواء من المال وسواء من الوقت؟ ألم تر تلك الأفلام الساقطة تعرض على ملايين الناس عبر شاشات التلفاز والسينما فتوجه الجماهير إلى الفحشاء والمنكر، وتعوِّدهم على سلب الأموال والأعراض، وتحرضهم على الاغتيال والانتحار؟! أليس من هذا التعويد الذميم ما انتشر في أوساط مجتمعاتنا من جميع هذه السلبيات وعلى رأسها الانتحار؟! فيصرف الجماهير أوقاتهم النفيسة لها، يتفرجون عليها ساعات تلو ساعات، دون أن تعود لا عليهم ولا على أسرهم ولا على أمتهم بأدنى نفع عاجل أو آجل، سوى تعويدهم على الفحشاء والرذيلة، أو على أيسر الاحتمالات قتل الوقت؛ على حد تعبيرهم، فأهدرت خامات إنسانية وطاقات غزيرة في سبيله. ألم تر إلى ذلك اللغو العظيم والباطل الجسيم وما أدراك ما ذلك اللغو العظيم: تلك المباريات الرياضية التي تنشأ الأجيال على حبها وهواها بحيث جعلت إلهاً من دون الله، فتظهر بشكل واضح في جماهير الناس مصداقية قوله سبحانه:

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً﴾

[الفرقان:43]

ألم تر ذلك اللغو والباطل الذي يسيطر على قطاع كبير من الصحافة العالمية سواء في الشرق أو في الغرب؟! ألم تر إلى النسيج العنكبوتي عبر الإنترنت وهو الأدهى والأمر؟! كيف استولى على العقول واستأسر النفوس؟! ألم تر أن أهل اللغو في كل واد يهيمون، ولا يتبعهم في مسالكهم إلا الغاوون؟ فهل من مدكر! والأكثر إثارة للعجب والدهشة أن كثيراً من أهلنا وأصدقائنا يقرؤون صباح مساء قوله تعالى :

﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾

[المؤمنون:3]

وقوله جل في علاه

﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾

[الفرقان:72)

ويعدّون في مصاف المسلمين الواعين الساهرين على هموم الإسلام، ومع ذلك لم ينجوا من هوى اللغو في بعض مظاهره، كالمباريات الرياضية، أو الأفلام غير المجدية، أو غير ذلك مما هم به أدرى، بما أملت عليهم أهواؤهم من الفتاوى الباطلة والعلل الساقطة، فتراهم يصرفون أوقاتاً نفيسة عليها بدون جدوى. ولكن سوف يعلمون! وإلى الله المشتكى!

أهمية الإعراض عن اللغو

الإسلام يدعوا لتهذيب الأخلاق

إن الإسلام أتى للإنسانية في باب تربية الأفراد وتنقيح أفعالهم وتهذيب أخلاقهم بما لا مثيل له، ففتح على المسلم عالماً خصباً ممتد الأرجاء مكتمل الجوانب، سواء في التكميل النفسي، والتطهير الروحي، والتزكية الخلقية، والتربية البدنية؛ فهو يأتي في جميع هذه الممارسات بأسمى القيم وأفضل المبادئ وأنفع القواعد، التي من إحدى خصائصها، سهولة تكيّف النفس بها، ويسر تطبيقاتها الواقعية، والاهتمام بالممارسات غير الأخلاقية والعادات السيئة التي لا تأتي للفرد والأمة بخير وصلاح، وتضرهما ضرراً بالغاً، ومن هذه الممارسات السلبية اللغو: فاللغو بمعناه اليسير يضفي صبغته الممقوتة على جميع صفحات بعض من المسلمين، ومعظم جوانب حياة بعضهم الآخر منهم، مع أن المفروض أن يكون أبعد خلق الله من اللغو هم المسلمون؛ لوفرة تلك التعاليم القرآنية الإسلامية الرادعة لهم عن التلبس باللغو، إلى درجة أن جعل في المنظور النبوي ترك اللغو شاهداً على حسن إسلام المرء، فعن أبى هريرة-رضي الله عنه-عن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه». لكن مع الأسف الشديد بلغ الأمر بالمسلمين في التوجه لهذا اللغو البغيض واللهو المقيت إلى حد لا تفرق بين حياة مسلم وغيره في الانعكاسات اللَّغْوية والتظاهرات اللهوية، ولم يقف فُشُوُّ اللغو عند حد الفرد، بل وصل إلى مستوى التوجه الجماهيري؛ فمن هنا تراجع المسلمون تراجعاً حضارياً مرعباً، فارتبكوا من جراء ذلك في أوحال التخلف والجهالة الجهلاء.

ورغم الضربات القاسية التي كانت تتوالى ولا تزال على جسد أمتهم العظمى بين فينة وأخرى، لكنهم لم يتنبهوا من غفلتهم، ولم يتجنبوا مواطن ذلهم وخنوعهم، لما خدرهم به ذلك التلبس باللغو، والممارسة البالغة له، فأورثهم أمراضاً لم يعلموها؛ فكان اللغو من أعظم العوامل في ازدياد سباتهم في مراقد غفلتهم وجهالتهم.

الغرب يَسُرّه تلك الفوضى الأخلاقية

لعل من أبرز سمات هذا العصر الذي سادت فيه قيم الحضارة الغربية بقضها وقضيضها على معظم أرجاء العالم.. اللغو؛ فبينما كان في سالف الأزمان سمة فردية تبدو في بعض الأحيان على بعض الأفراد فقط، صار اليوم ظاهرة اجتماعية تحدد كمّاً كبيراً من جوانب حياة كثير من الحشود البشرية، كما أنه من أبرز الكيفيات التي يتكيف بها كثير من جبهات حياتهم.

ترى الرغبة الجماهيرية متوجهة إلى أنواع اللغو توجهاً جنونياً، يضحك منه الذئاب والكلاب، الحشود العظيمة تتكتل على مظاهر اللغو في الشرق والغرب والجنوب والشمال تكتلاً تتحير فيه الألباب، وتنفق القوى الكبرى العالمية في هذا العصر على مشاهد اللغو واللهو ومظاهر العبث والمجون أموالاً طائلة، لو أنفقت على محاويج الناس فربما لم يبق فقير على سطح الكرة الأرضية، ولكن لا لوم عليهم في ذلك من ناحية أنفسهم؛ فإنهم وصلوا بذلك البث اللغوي إلى قدر كبير من التخدير البشري، ذلك التخدير الذي به وصلوا إلى جل مآربهم السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم عامة والإسلامي خاصة؛ بحيث ما كانوا يتصورون تحقق ذلك ولا في أحلامهم؛ فحق لهم أن ينفقوا عليه كل ما أرادوا أن ينفقوا ويدل على ذلك ما اشتهر عن الغربيين من مقولتهم:

بإدخالنا ثلاث سينات بين المسلمين ارتحنا كثيراً: (الرياضة: (SPOR) السينما: (SINEMA) الحياة غير المشروعة: (SEX).. تُصرف هنا وهناك أوقات نفيسة طويلة على التفرج على اللغو واللهو والباطل، دون فائدة تعود على الفرد والأمة، التي لو أنفقت على عمارة البلاد لكفتها، ولأنقذتها من كثير من أزماتها الاقتصادية، ولخفّف عنها تخلفها الحضاري.

وفي غمرة هذا الضياع تنشأ الأجيال القادمة على حب اللغو بمختلف مظاهره، وجعله ركيزة أساسية من ركائز الحياة، فيأخذ مركزاً أصلياً ومحوراً حيوياً في حياة الناس يدور في فلكه كثير من شؤون حياتهم، ويتشكل حسب الاتجاه اللَّغْوي الاتجاه العقلي والثقافي عند غير قليل منهم، فيظن كثير من الناس أن اللغو -أو ما يعبرون به عنه -حاجة أساسية في حياة الناس ولا يستغنى عنه أبداً.

فالواجب إذا أن نعرف أن: -

  • اللَّغْو من سوء الخُلق المتعلق باللسان، ومما يصعب إمساكه، فإذا تخلَّق المؤمن بالإعراض عنه سهل عليه الإعراض عما هو دون ذلك.
  • الإعراض عن اللَّغْو والانصراف عنه بالقلب والعقل من خلق الجِد، ومن تخلَّق بالجِد في شئونه كملت نفسه، ولم يصدر منه إلا الأعمال النافعة، والجِد من أخلاق الإسلام.
  • الحث على حفظ الوقت وعدم إضاعته إلا فيما ينفع المؤمن.
  • اللهو من اللغو، وهو صرف الأوقات فيما ليس بحق من واجب أو مندوب، وهو في أصله مباح، والإعراض عن اللَّغْو في الآية يدخل فيه اللهو الذي لا يخرج المؤمن عن صفة الإعراض عن اللغو، لأن اللهو المباح لا يكون إلا في اليسير من الأوقات، وقد تصاحبه نية ومقصد شرعي، يؤجر عليه المؤمن.

ولنعلم أن: -

هذه الحياة قصيرة، فلا مجال فيها للهو واللعب، وساعات العمر معدودة، وما تلفظ من قول إلا لديك رقيب عتيد، فذو العقل الحصيف، والرأي الصائب لا يضيع أوقاته وساعاته المحدودة المعدودة في لهو وباطل، ومخالطة ومعاشرة لأهله، بل يَرْبَأ بنفسه عن مثل ذلك، ولا يُقحمها فيما فيه هلاكها، بل العاقل يكون عالي الهمة، طاهر النفس، يحمل نفسه على مكارم الأخلاق، ومعالي الأمور، ويبتعد عن الرذائل وسفاسف الأخلاق، لا سيّما وديننا الحنيف يأمرنا بذلك، ويحثنا على التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن السجايا، ويُنَوّه بالمؤمنين ويثني عليهم في اجتنابهم اللغو وإعراضهم عنه، ويعدهم على ذلك الثواب الجزيل، ويخبر أنهم أهل الفلاح.

فينبغي على المؤمن أن يعرض عن كل ما لا فائدة منه من الكلام والثرثرة وإن كان في الأمور المباحة، لأنها على الأقل مضيعة للوقت الذي ينبغي أن يستثمر فيما يرضي الله تعالى، فضياع الأوقات من أعظم ما ابتلي به كثير من الناس، والشيطان إن لم يستطع أن يوقع العبد في المعاصي حاول أن يلهيه بالأمور التي يضيع بها وقته وشغله بها عما ينفعه.

 كما يجب ألا ينسى أن كل قول وكل فعل يُسطّر ويكتبه الملكان حتى المزاح، والأنين،

قال الله تبارك وتعالى

﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ 

[ق:18]


موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day