1. المقالات
  2. حُراس السلام.
  3. الرجل الذي عاش ستين عامًا في الظلام !

الرجل الذي عاش ستين عامًا في الظلام !

تحت قسم : حُراس السلام.
16 2025/10/16 2025/10/16

بعض الشباب عندما يتذكر الأخطاء التي اقترفها في ماضيه، والأوقات التي يضيعها في حاضره، يظن يقينًا ضياع مستقبله.

وهذا حقيقي؛ لأنه لن تنزل عليك معجزة من السماء تقوم بتغييرك مدى الحياة.

فالتغيير الجذري لا يكون إلا بإرادة قوية، ولا تأتي الإرادة القوية إلا بإيمانٍ قوي وعقيدة راسخة.

بطلنا الليلة أمضى ستين عامًا من حياته يعيش في الظلام.

يستيقظ كل يوم وهو يعبد أوثانًا، قام بنحتها وتشكيلها، ثم وضعها وسجد لها، وبدأ يطلب منها يوميًّا السماحة والغفران والرزق والإنعام.

وأي ظلام أشد من هذا الظلام ؟

الذي تسوَدّ به القلوب وتغيب به العقول وتضيع به الأبدان!

"عمرو بن الجموح"

كان سيدًا من أسياد الأنصار في الجاهلية قبل الإسلام، وكعادة الأسياد حينها لا يعبدون صنمًا يعبده الناس؛ وإنما يعبدون صنمًا مخصصًا لهم، يضعونه في بيوتهم ويركعون له بأجسادهم.

وهكذا كان عمرو بن الجموح الذي  اتخذ صنمًا له من خشب  يعبده يسمى "مناف"

وبعد أن جاء الإسلام، وأسلم ابنه معاذ.

أراد أن يبين له سوء ما يعتقد، وضلال ما يعبد، ويهديه إلى نور السَّلام؛ فيدخله الإسلام..!

فاتفق هو وصديقه الذي أسلم معه ، وهو معاذ بن جبل: أن يجعلا هذا الصنم عبرةً لمن يعتبر.

وفي ليلة من الليالي اجتمع الصديقان، ودخلوا إلى الغرفة التي يوضع فيها الصنم مناف، وذلك  بعدما تأكدوا من نوم عمرو بن الجموح.

وقاموا بأخذ الصنم، وحملوه، ثم ألقوه في مكان يُلقي فيه الناس فضلاتهم!

وعندما استيقظ عمرو بن الجموح من النوم، ولم يجد إلهه في مكانه الذي وضعه فيه، ظل يبحث عنه إلى أن وجده في المكان الذي ألقوه فيه، وكان متسخًا مليئًا بالفضلات؛

فانزعج كثيرًا، ثم قام فأخذه وأزال عنه النجاسات، وطيَّبه ووضعه في مكانه الذي يعبده فيه.

ليكرر الشابان فعلتهما كل ليلة؛ فيأتيان، ثم يأخذانه، ويلقيانه في النجاسات.

حتى سئِم عمرو، فجاء بسيفه، ووضعه على عنق الصنم "مناف"، وقال مخاطبًا له:

 "إن كان فيك خيرٌ، فدافِع عن نفسك!!"

 فلما أصبح في اليوم الذي يليه، لم يجده مكانه، وعندما بحث  عنه لم يجده في الحفرة النجسة الذي لطالما وجده فيها، بل في هذه المرة وجده في بئر تجمع فيها كل النجاسات، مقترنًا بحبل وثيق  بكلب ميتٍ!

وهنا أدرك أن هذا الصنم الوضيع يستحيل أن يكون إلهًا للعالمين، وخالقًا لهذا الكون البديع، وهو ولا يستطيع حتى أن يحمي نفسه؛

فاقتنع حينها ودخل الإسلام الذي يُعبَد فيه ربٌّ واحدٌ أحدٌ لا إله غيره وليس العديد من الآلهه، 

إنه فرد صمد يلجأ إليه جميع الناس ولا يلجأ هو لأحد! (1)

مستغنٍ لم يلد أحدًا، ولم يلده أحد ، فلا والد له ولا ولد، ولم يكن له مماثل أبدًا له في خلقه وإيجاده.

وبعد ستين عامًا من العيش في الظلام، أصبح يعيش في نور الإسلام.

بعد أن شاخ عظمه، وشاب شعره، وهو يعيش حياة لا تساوي شيئًا في ميزان الله، بل لا تساوي شيئاً في ميزان عقلاء الناس!  

 لكن الله سبحانه وتعالى أراد له الهداية؛ فآمن بعد الستين، وحدث انقلابٌ هائلٌ في حياته.

 أو دعنا  نقول: حدث انعدال هائل في حياته، صُحّحت فطرته، واستنار عقله، و عَظُمت غايته.

عمرو بن الجموح كان قبل إيمانه معروف بجوده وسخائه، وبعد إسلامه تصدر المدينة بكرمه وعطائه.

ولكن ليس فقط بالكرم والعطاء وإنما أيضًا بعلو همته، وطلبه للجهاد.

فلم يمنعه عجزه الذي أصابه بعد كبر سنه وعرجته التي نالت من قدمه، عن طلبه للاستشهاد في سبيل الله.

 رغم أنه في الإسلام يعذر المريض والأعرج في الذهاب للجهاد بنص القرآن فإنه أصر على الذهاب، وعندما منعه أبناؤه شفقةً عليه، ذهب يشكوهم لرسول الله قائلًا:

"يا نبي الله إن أبنائي هؤلاء يريدون أن يحبسوني عن هذا الخير، وهم يتعذرون بأني أعرج، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة!" (2)

انظروا إلى أي حد هو مشتاق إلى الجهاد، وانظروا إلى الأهداف العالية والطموحات السامية التي ملكت قلبه وباح بها قوله!

 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبنائه:

"دعوه لعل الله -عز وجل- يرزقه الشهادة."  وتأمل قول الرسول : "يرزقه الشهادة"

لأن طلب الشهادة في سبيل الله رزق يرزقه الله لمن اجتباه، يعقبه نعيم و تنعيم وسعادة خالدة مدى حياة لا نهاية فيها ولا شقاء.

فسعد الجموح بقول رسول الله ثم رفع عمرو بن الجموح يده إلى السماء وقال: "اللهم ارزقني الشهادة ولا تردني إلى أهلي خائبًا." (3)

فأصبحت الخيبة هي  أن يعود إلى أهله سالمًا، والغاية والأمنية والمطلب والفوز الحقيقي بالنسبة له هو أن يموت في سبيل الله.

فبعد أن قعد في الكفر أكثر من ستين عامًا ولم يمض على إسلامه سوى ثلاث أو أربع سنوات يقول هذا الكلام..!

لأنه كما قلت لكم كان يعيش في ظلمات، فجاء نور التوحيد وبددها إلى أنوار.

لقد صنع الإسلام عمرو بن الجموح من جديد وصيَّره إنسانًا يعيش حياة عظيمة في الإسلام، حياة كما أرادها الله لنا في القرآن عندما قال:  

{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}

[البقرة:٣٠]

 فلا يليق  أن يكون خليفة الله -عز وجل- يعيش حياة عبثية ليس لها معنى أو تمضي هباء في ضياع الأوقات.

 فلهذا نحتاج إلى أن نقبل الإسلام بالمعنى الذي أراده منا الله وليس بالمعنى  الذي يشجعنا عليه الشيطان، ونكون مثل أبي الأنبياء خليل الرحمن  إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-:

{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}

[البقرة:١٣١]

فسِرّ القوة والتغيير الحقيقي في الحياة أن نجعل دُنيانا كلها لله كما كان الأنبياء والصحابة ومن بعدهم من التابعون والعلماء.

المراجع

  1. إسلام ويب https://www.islamweb.net/ar/li... 
  2. إسلام ويبhttps://www.islamweb.net/ar/li...
  3.  كتاب كن صحابيا - راغب السرجاني - الجزء الثالث - صفحة 7https://shamela.ws/book/37381/... 
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day