1. المقالات
  2. الطب النبوي لإبن القيم
  3. في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية دون ما لم تعتده

في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية دون ما لم تعتده

8018 2007/12/25 2024/10/04

في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية دون ما لم تعتده

 

هذا أصل عظيم من أصول العلاج ، وأنفع شئ فيه ، وإذا أخطأه الطبيب ، أضر المريض من حيث يظن

 أنه ينفعه ، ولا يعدل عنه إلى ما يجده من الأدوية في كتب الطب إلا طبيب جاهل ، فإن ملاءمة الأدوية والأغذية للأبدان بحسب استعدادها وقبولها ، وهؤلاء أهل البوادي والأكارون وغيرهم لا ينجع فيهم شراب اللينوفر والورد الطري ولا المغلي ، ولا يؤثر في طباعهم شيئاً ، بل عامة أدوية أهل الحضر وأهل الرفاهية لا تجدي علهم ، والتجربة شاهدة بذلك ، ومن تأمل ما ذكرناه من العلاج انبوي ، رآه كله موافقاً لعادة العليل وأرضه ، وما نشأ عليه . فهذا أصل عظيم من أصول العلاج يجب الإعتناء به ، وقد صرح به أفاضل أهل الطب حتى قال طبيب العرب بل أطبهم الحارث بن كلدة ، وكان فيهم كابقراط في قومه : الحمية رأس الدواء ، والمعدة بيت الداء ، وعودوا كل بدن ما اعتاد . وفي لفظ عنه : الأزم دواء ، والأزم : الإمساك عن الأكل يعني به الجوع ، وهو من أكبر الأدوية في شفاء الأمراض الإمتلائية كلها بحيث إنه أفضل في علاجها من المستفرغات إذا لم يخف من كثرة الإمتلاء ، وهيجان الأخلاط ، وحدتها أو غليانها .

 

وقوله : المعدة بيت الداء . المعدة : عضو عصبي مجوف كالقرعة في شكلها ، مركب من ثلاث طبقات ، مؤلفة من شظايا دقيقة عصبية تسمى الليف ، ويحيط بها لحم ، وليف إحدى الطبقات بالطول ، والأخرى بالعرض ، والثالثة بالورب ، وفم المعدة أكثر  عصباً ، وقعرها أكثر لحماً ، وفي باطنها خمل ، وهي محصورة في وسط البطن ، وأميل إلى الجانب الأيمن قليلاً ، خلقت على هذه الصفة لحكمة لطيفة من الخالق الحكيم سبحانه ، وهي بيت الداء ، وكانت محلاً للهضم الأول ، وفيها ينضج الغذاء وينحدر منها بعد ذلك إلى الكبد والأمعاء ، ويتخلف منه فيها فضلات قد عجزت القوة الهاضمة عن تمام هضمها ، إما لكثرة الغذاء ، أو لردائته ، أو لسوء ترتيب في استعماله ، أو لمجموع ذلك ، وهذه الأشياء بعضها مما لا يتخلص الإنسان منه غالباً ، فتكون المعدة بيت الداء لذلك ، وكأنه يشير بذلك إلى الحث على تقليل الغذاء ، ومنع النفس من اتباع الشهوات ، والتحرز عن الفضلات .

 

وأما العادة فلأنها كالطبيعة للإنسان ، ولذلك يقال : العادة طبع ثان ، وهي قوة عظيمة في البدن ، حتى إن أمراً واحداً إذا قيس إلى أبدان مختلفة العادات ، كان مختلف النسبة إليها . وإن كانت تلك الأبدان متفقة في الوجوه الأخرى مثال ذلك أبدان ثلاثة حارة المزاج في سن الشباب ، أحدها : عود تناول الأشياء الحارة ، والثاني : عود تناول الأشياء الباردة ، والثالث : عود تناول الأشياء المتوسطة ، فإن الأول متى تناول عسلاً لم يضر به ، والثاني : متى تناوله ، أضر به ، والثالث : يضر به قليلاً ، فالعادة ركن عظيم في حفظ الصحة ، ومعالجة الأمراض ، ولذلك جاء العلاج النبوي بإجراء كل بدن على عادته في استعمال الأغذية والأدوية وغير ذلك .

 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day