البحث
عكرمة بن أبي جهل
مقدمة | ||||||||
(كان يضع المصحف على وجهه ويقول: كتاب ربي كتاب ربي) (يا رسول الله، والله لا أترك مقاما قمته لأصد عن سبيل الله إلا قمت مثله في سبيله، ولا أترك نفقة أنفقتها لأصد عن سبيل الله؛ إلا أنفقت مثلها في سبيل الله ) (من يبايعني على الموت؟!) ترى من هذا العظيم الذي تنطلق من قلبه هذا المعاني فتغير وجه الحياة؟! إنها معاني الإيمان الصادق، والإحساس العميق بحلاوة طالما افتقدها، ولذة قلما أحسها في عمره السابق قبل أن ينطق بشهادة الحق، أمام رسول الصدق؛ محمد صلى الله عليه وسلم. إنه عكرمة.....نعم...(عكرمة بن أبي جهل بن هشام بن المغيرة واسم أبي جهل عمرو وكنيته أبو الحكم وإنما رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون كنوه أبا جهل فبقي عليه ونسي اسمه وكنيته )(1)... ولا تذهب بذهنك بعيدا تفكر في مواقف أبيه وشدة عداوته للرسول والمسلمين، فقد كان هو أيضا مع أبيه في كل ذلك؛ ولكنها رحمة الله ينزلها على من يشاء من خلقه، فتكون للولد دون أبيه وللأخ دون أخيه. ولنقترب قليلا منه، وعمره تسع وأربعون سنة يسير مع أبيه، أين يقصدان؟! إنهما ومعهما جموع قريش يقصدون يثرب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليستأصلوا شأفة هذا الدين ويقضوا على أهله، ويقاتل عكرمة دفاعا عن الباطل قتالا مريرا، ولكنه ما يلبث أن يعود؛ تاركا أباه جثة هامدة وسط من قتل من صناديد الكفر يومئذ - يوم بدر -. ويتكرر المشهد مرة أخرى ونراه عائدا إلى المدينة مرة أخرى يوم أحد، فلئن كان يوم بدر يقاتل مع أهله وعشيرته بدافع الحمية؛ فهو اليوم يقاتل مستهدفا الثأر لأبيه، ونراه أشد بأسا، وأكثر حمية، وأسرع اندفاعا، وإن كان بالأمس جنديا فهو اليوم قائد... ولنقترب أكثر من مشهد الحرب الضروس الدائرة بين أنصار الحق وجيش الباطل؛( قال محمد بن عمر الواقدي حدثني عبد الله بن عمار الخطمي قال أقبل ثابت بن الدحداحة يوم أحد والمسلمون أوزاع قد سقط في أيديهم فجعل يصيح يا معشر الأنصار إلي إلي أنا ثابت بن الدحداحة إن كان محمد قتل فإن الله حي لا يموت فقاتلوا عن دينكم فإن الله مظهركم وناصركم فنهض إليه نفر من الأنصار فجعل يحمل بمن معه من المسلمين وقد وقفت له كتيبة خشناء فيها رؤساؤهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب فجعلوا يناوشونهم وحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فطعنه فأنفذه فوقع ميتا وقتل من كان معه من الأنصار فيقال إن هؤلاء آخر من قتل من المسلمين يومئذ ) (2) وقتل عكرمة في هذه الغزوة عبدالله بن جبير رضي الله عنه. وتمر السنون ويخرج عكرمة بن أبي جهل في خمسمائة إلى الحديبية( فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد )(3)
|
المشهد الأخير |
ما كانت حياة كحياة هذا الفارس المغوار أن تختم بغير هذا المشهد العظيم، تأتي معركة اليرموك،وانظر إليه وهو الذي كان يصطحبه أبوه يوم بدر ليقاتل المسلمين؛ هاهو اليوم يصطحب ابنه عمر لقتال الروم وعندما وصل إلى أرض المعركة (نزل فترجل فقاتل قتالا شديدا فقتل رحمة الله عليه فوجد به بضع وسبعون من بين طعنة وضربة ورمية )(22) وتعالوا بنا نرى المشهد من ناحية أخرى: روى حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة جرحوا يوم اليرموك فلما أثبتوا دعا الحارث بن هشام بماء ليشربه؛ فنظر إليه عكرمة فقال: ادفعه إلى عكرمة فلما أخذه عكرمة نظر إليه عياش فقال: ادفعه إلى عياش فما وصل إلى عياش حتى مات ولا وصل إلى واحد منهم حتى ماتوا. ويأبى القدر إلا أن يظل صاحبنا مصطحبا ابنه؛ ولكن في هذه المرة إلى الفردوس الأعلى...فهنيئا لهما. المراجع: 1- أسد الغابة ج 1 ص 781 2- الاستيعاب ج 1 ص 61 3- تفسير البيضاوي ج 1 ص205 4- أسد الغابة ج 1 ص 429 5- أسد الغابة ج 1 ص 781 6- أسد الغابة ج1 ص 782 7- تفسير البغوي ج 1 ص 293 8- تاريخ دمشق ج 41 ص 61 9- تاريخ دمشق ج 41 ص 63 10- تاريخ دمشق ج 41 ص 66 11- تاريخ دمشق ج 41 ص 67 12- سنن النسائي - كتاب فضائل القرآن - باب في تعاهد القرآن - رقم3216 13- الطبقات الكبرى ج 7 ص 101 14- الإصابة ج 3 ص 381 15- الإصابة ج 5 ص 142 16- الإصابة ج 5 ص 318 17- الترمذي - كتاب الاستئذان - الآداب - باب ما جاء في مرحبا - رقم 2659 18- مسند الإمام أحمد - رقم 12317 19- سنن النسائي - كتاب فضائل القرآن - باب في تعاهد القرآن - رقم3216 20- تاريخ بغداد ج 10 ص 320 21- أسد الغابة ج 1 ص 223 22- الاستيعاب ج 1 ص 334 |