البحث
يجب أن تتعرف على هذا الرجل _ يوسف استس
قد تكون نصرانيا بروتستانتيا، كاثوليكيا، يهوديا، ملحدا، لاأدري، أو قد تنتمي إلى طوائف دينية مختلفة مما هو شائع في عالمنا اليوم. وربما تكون شيوعيا أو تعتقد بأن ديمقراطية الإنسان هي القانون السائد في الأرض. مهما كانت شخصيتك ومها كانت إيديولوجيتك أو فكرك ومعتقداتك السياسية أو الاجتماعية أو عاداتك، لابد ان تعرف من هو هذا الرجل...محمد صلى الله عليه وسلم.
فقد أكدت الموسوعة البريطانية ما يلي:
".... هناك تفاصيل كثيرة من مصادرة قديمة تدل على أنه كان شخصا صادقاً أميناً، واستطاع أن يحظى باحترام وولاء الآخرين الذين كانوا أيضا رجال يتحلون بالصدق والأمانة" (المجلد 12).
كما قال جورج برناردشو عنه:
"من الأجدر أن نطلق عليه اسم منقذ البشرية. أعتقد لو أن رجلاً مثله تولى قيادة العالم المعاصر لكان نجح في حل جميع مشاكله على النحو الذي يحقق أمنه وسلامه وسعادته" (الإسلام الحقيقي، سنغافورة، المجلد 1، الرقم 8، 1936).
لقد كان أفضل رجل وطأت قدماه الشريفتين على الثرى. فقد بلغ ديانةً، وأسس دولةً، وبنى أمةً، وأرسى محاسن الأخلاق، وصنع العديد من المبادرات في مجال الإصلاح الاجتماعي والسياسي وأسس مجتمعا ديناميكياً يجسد تعاليمه فأحدث ثورةً في الفكر والسلوك البشري لتستهدي بها الأجيال اللاحقة.
اسمه محمد
صلى الله عليه وسلم
ولد في شبه الجزيرة العربية عام 570 ميلادي، وبدأ رسالته في تبليغ دين الحقيقة، الإسلام، (ومعناه الخضوع والاستسلام والانقياد لله تعالى) في سن الأربعين من عمره وانتقل إلى الرفيق الأعلى في سن الثالثة والستين (صلى الله عليه وسلم).
وخلال هذه الفترة القصيرة من عمر الزمن، 23 عاما من النبوة، غير وجه شبه الجزيرة العربية برمته، فنقلها من الوثنية وعبادة الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد، وأخرجهم من الحروب العشائرية الطاحنة إلى الوحدة الإسلامية والتعاضد، ومن الظلمات والفجور إلى التقوى والنور، ومن الفوضى والانحطاط إلى النظام والانضباط، ومن الفقر والإملاق إلى التقدم ومحاسن الأخلاق. إن تاريخ البشرية برمته لم يشهد تحولاً جذرياً مماثلاً له في أي شعب من الشعوب أو مكان من الأماكن، بل لم يتخيل حدوث هذه العجائب في غضون عقدين من عمر الزمن.
قال لامارتاين، المؤرخ المشهور الذي يركز على أهم عجائب المنجزات البشرية والإنسانية:
"إذا كان السمو في الغاية، والبساطة في الوسيلة، والنتائج المذهلة هي المعايير الثلاثة للأصالة البشرية، فمن يجرؤ إذاً على مقارنة رجل من التاريخ الحديث بمحمد (صلى الله عليه وسلم)؟ معظم الرجال المشاهير أسسوا جيوشاً وأحدثوا قوانيناً وبنوا إمبراطوريات فقط. فقد أسسوا، إن كان ولا بد، القوى المادية التي سرعان ما تتلاشى أمام أعينهم. ولكن هذا الرجل (محمد صلى الله عليه وسلم) لم يحرك الجيوش فحسب، ولم يضع القوانين فقط ولم يؤسس الإمبراطوريات والشعوب والحكم فقط، بل ربى ملايين من الرجال في ثلث مساحة العالم آنذاك، بل وأكثر من ذلك، حرر الأفكار والمعتقدات والأديان... وكان صبره على النصر، وطموحه المنصب على فكرة واحدة، وعدم سعيه وراء سقط الدنيا، وصلواته الطويلة، ومناجاته لله تعالى، ووفاته ونصره بعد وفاته، كل ذلك لم يكن وهماً أو خداعاً، بل كان حقيقة راسخة وشهادة خالدة أعطته القوة والحق في تصحيح العقيدة. وهذه العقيدة كان لها شقين: أولها توحيد الله تعالى وثانيها أن الإله ليس شيئا ماديا، فالأول يخبرك عما يتصف به الله تعالى، والثاني يخبرك عما لا يوصف به الله تعالى، والأول ينفي ويسقط جميع الآلهة الكاذبة بحد السيف، والآخر بدأ فكرة جديدة بكلمات".
"لقد كان حكيماً، واعظاً، رسولاً، مشرعاً، محارباً، فاتحاً للعقول، مصححاً للعقائد، مبلغاً لدينٍ حر من الأوثان والأصنام، ومؤسساً لعشرين إمبراطورية دنيوية وإمبراطورية روحية واحدة، هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم). وفيما يتعلق بجميع المعايير التي يقاس بها التفوق البشري، يمكننا أن نسأل، هل هناك رجل في العالم يدانيه؟ (لامارتاين، هيستوري دي لا توركوي، باريس، 1854، المجلد 2، الصفحة 276-277).
لقد حظي العالم بحضور الكثير من الشخصيات العظيمة، ولكن تلك الشخصيات كانت أحادية في تميزها، أي أنها كانت تبرع أو تتميز في مجال واحد أو اثنين فقط، وغالبا ما تكون القيادة الدينية أو العسكرية. ولذلك فإن تفاصيل حياتهم وتعاليمهم تلاشت في العالم البشري في غضون فترة قصيرة من الزمن.
فليس هناك الكثير من التأمل والتعمق في مكان وتاريخ ميلادهم، أو طريقة عيشهم أو أسلوب حياتهم أو طبيعة وتفاصيل تعاليمهم ودرجة وقياس نجاحهم أو إخفاقهم، أي أنه من المستحيل للبشرية إعادة بناء طريقة عيشهم وتعاليمهم بدقة.
ولكن الحال ليس كذلك بالنسبة لهذا الرجل، فمحمد (صلى الله عليه وسلم)، أنجز وحقق الكثير في شتى مجالات الفكر والسلوك البشري، فكان أسوة حسنة وسراجاً منيرا تهتدي بنوره البشرية جمعاء. فقد تم توثيق وحفظ جميع تفاصيل حياته الخاصة وجميع أحاديثه وتصرفاته بكل أمانة ودقة، وشهد بصحتها وصدقها جميع أتباعه المخلصين، بل وأعدائه ومنتقديه.
لقد كان محمد (صلى الله عليه وسلم) معلماً للدين، ومصلحا اجتماعيا، وأسوة في الأخلاق، ومثالا في الإدارة، وصديقا حميما، ورفيقا رائعا، وزوجا مخلصا، وأباً محباً – كل ذلك في شخص واحد. لم يستطع أحد في تاريخ البشرية أن يتجاوزه أو يعادله في أي من تلك المجالات المختلفة من حياته، فلم يصل أحد إلى ما وصل إليه محمد (صلى الله عليه وسلم) من الكمال بشخصيته الإيثارية.
وقد ورد عن مهاتما غاندي أن قال عن شخصية محمد (صلى الله عليه وسلم) في صحيفة يونغ انديا:
"أتمنى لو أعرف رجلا في تاريخنا الحاضر يستطيع التأثير على قلوب ملايين البشر... لقد أصبحت الآن أكثر قناعة بأن السيف لم يكن الوسيلة التي حقق بها الإسلام مكانة مرموقة في تلك الأيام، بل إنها البساطة الشديدة، والعفو والحلم الواسع لدى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والاحترام والوفاء الدقيق بعهوده، وإخلاصه وتفانيه لأصحابه وأتباعه، وشجاعته، وبسالته، وثقته المطلقة في الله عز وجل وإيمانه برسالته.
هذه هي الأمور التي حققت الكثير وذللت كل الصعاب، وليس السيف. عندما أنهيت المجلد الثاني (من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم) شعرت بالأسف الشديد لعدم وجود المزيد لقراءته حول حياته العظيمة".
وتسائل توماس كيليل، في كتابه الأبطال وعبادة الأبطال، متعجباً:
"كيف لرجل واحد أن يوحد القبائل المتحاربة والبدو الرحل ويصنع منهم أقوى دولة وأعظم حضارة في أقل من عقدين من عمر الزمن".
وكتب ديفان تشاند شارما:
"لقد كان محمد (صلى الله عليه وسلم) آيةً في اللطف والمودة، وكان من حوله يستشعرون تأثيره فلا ينسوه أبدا" (دي.سي. شارما، رسول المشرق، كاكوتا، 1935، الصفحة 12).
وكتب إدوارد جيبون وسيمون اوكلي حول إعلان الإيمان في الإسلام:
"أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه هي الصيغة الثابتة والبسيطة لاعتناق الإسلام. فالصورة الذهنية للإله لم تنزل مكانتها بتجسيدها في صنم أو وثن، والرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يتجاوز أياً من القيم الإنسانية، كما أن مبادئ وتعاليم حياته أسرت أتباعه وجعلتهم يدورون بين نطاقي المنطق والدين". (تاريخ الإمبراطوريات العربية، لندن، 1870، الصفحة 54).
لقد كان محمد (صلى الله عليه وسلم) إنسانا عاديا لا أكثر ولا أقل، ولكنه كان يحمل رسالة نبيلة، وهي توحيد البشرية على عبادة إله واحد أحد وتعليمهم طريقة العيش الشريف والمستقيم من خلال الانصياع لأوامر الله عز وجل. فقد كان يصف نفسه دائما "بعبد الله ورسوله" وقد جسدت جميع تصرفاته هذه المقالة بحذافيرها.
وقالت الشاعرة الهندية المشهورة، ساروجيني نايدو في سياق الكلام حول المساواة بين الناس أمام الله تعالى في الإسلام:
"لقد كان الإسلام هو الدين الأول الذي علّم وطبق الديمقراطية، ففي المسجد، عندما يرفع الأذان للصلاة ويجتمع المصلون معاً، يمكنك حينها أن ترى ديمقراطية الإسلام عياناً، ولخمس مرات يوميا، حيث يصطف الفلاح والملك والغني والفقير جنبا إلى جنب، وقدما إلى قدم وكتفا إلى كتف، ثم يفتتحون صلاتهم بكلمة: "الله أكبر"... لقد كنت مغرمة مرة تلو الأخرى في مشاهدة هذه الوحدة والتماسك في الإسلام التي جعلت من جميع الناس أخوة بالفطرة". (اس. نايدو، القيم المثالية في الإسلام، كلمات وكتابات، مدراس، 1918، صفحة 169).
وكتب البروفيسور هيرجرونجي:
"لقد تم تأسيس عصبة الأمم بواسطة نبي الإسلام (محمد صلى الله عليه وسلم) الذي أرسى مبادئ الوحدة العالمية والأخوة الإنسانية على قواعد عالمية راسخة فكان جذوة مضيئة وشعلة منيرة تهتدي بها الأمم الأخرى". ثم استطرد قائلاً: "في الحقيقة لا يمكن لأي أمة في العالم أن تداني أو تماثل ما فعله الإسلام في تطبيق فكرة عصبة الأمم".
إن العالم لم يتردد في أن يضع بعض الأفراد موضع الإلوهية ممن كانت حياتهم ورسالاتهم قد انتهت بشكل أسطوري. ومن الناحية التاريخية، لم تحقق أيا من تلك الشخصيات الأسطورية ولو جزءا بسيطاً مما حققه محمد (صلى الله عليه وسلم). فقد كان نضاله وكفاحه مكرساً لغرض واحد، وهو توحيد البشرية على عبادة الله تعالى وحدة وإرساء مبادئ الأخلاق. إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) وأتباعه لم يزعموا أبداً أنه ابن الله أو إلهاً ولم يجسدوه في إله ولم يجعلوه رجلاً له إلوهية، بل كانوا دائما وسرمداً يعتبرونه فقط رسول اصطفاه الله تعالى لتبليغ رسالته. (صلى الله عليه وسلم).
كما كتب مايكل اتش. هارت في كتابه الذي نُشر مؤخرا بشأن تقييم الأشخاص الذين ساهموا في خدمة البشرية والارتقاء بها:
"إن اختياري لشخص محمد (صلى الله عليه وسلم) لقيادة قائمة أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم قد يدهش بعض القرّاء وقد يثير تساؤلات لدى البعض الآخر، ولكنه كان الشخص الوحيد في تاريخ البشرية الذي حقق النجاح الفائق في الجوانب الدينية والدنيوية معاً. (ام.اتش. هارت، أول مائة شخصية: ترتيب أكثر الشخصيات تأثيرا في التاريخ"، نيويورك، 1978، الصفحة 33).
كيه.اس. راماكريشنا راو، بروفيسور هندي متخصص في الفلسفة، أطلق على محمد (صلى الله عليه وسلم)، نبي الإسلام، لقب: "النموذج الأمثل للحياة البشرية". وشرح البروفيسور راماكريشنا راو هذه النقطة بقوله:
"من الصعب جدا الوصول أو الوقوف على كامل حقيقة شخصية محمد (صلى الله عليه وسلم). يمكنني فقط التقاط بعض اللمحات من حياته. إنه سلسلة مثيرة من المزايا والصفات الحميدة والفريدة، فهو محمد الرسول، محمد المجاهد، محمد رجل الأعمال، محمد رجل الدولة، محمد الواعظ، محمد المصلح، محمد مأوى اليتامى، محمد ناصر الضعفاء، محمد محرر المرأة، محمد القاضي، محمد العابد، لقد كان بطلا في جميع تلك الأدوار وفي كافة مناحي النشاطات الإنسانية".
والآن، بعد مرور أربعة عشر قرناً، لا تزال حياة محمد (صلى الله عليه وسلم) وتعاليمه جارية وسارية دون أدنى نقص أو تغيير أو تبديل. فهي لا تزال الأمل القائم لمعالجة الكثير من أمراض البشرية كما فعلته عندما كان حياً. فهذه ليس من مزاعم أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم، بل هي النتيجة الحتمية التي نقلها التاريخ الحيادي والغير متحيز.
أقل ما يمكنك القيام به كإنسان مفكر ومنطقي أن تتوقف للحظة واحدة وتسأل نفسك: هل يمكن أن تكون هذه المعلومات التي تبدو استثنائية وثورية صحيحة وحقيقة؟ ولو فرضنا أنها صحيحة حقا ولم تكن تعرف محمد (صلى الله عليه وسلم)، أو لم تسمع عنه، أم يحن الوقت للاستجابة لهذا التحدي البسيط فتبذل بعض الجهد للتعرف عليه؟
لن يكلفك الأمر شيئا، بل على العكس، قد يكون ذلك بداية لحقبة جديدة ومختلفة تماما في حياتك.
نحن ندعوك للتعرف على هذا الرجل العظيم، محمد (صلى الله عليه وسلم)، أشرف من وطأت قدماه وجه الأرض.