1. المقالات
  2. الرسول يعلمنا الأخلاق
  3. خـُـلـُـق النبي (صلى الله عليه وسلم) في جانب القضاء والقدرِ

خـُـلـُـق النبي (صلى الله عليه وسلم) في جانب القضاء والقدرِ

7468 2009/06/30 2024/11/12


السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،،
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
معنى القضاء والقدر شرعاً:

هو تقدير الله -تعالى- الأشياء في القدم، وعلمه - سبحانه- أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابته- سبحانه-لذلك ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها.

ومراتب القدر أربع وهي إجمالاً:

الأولى: العلم: أي أن الله علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم.

الثانية: الكتابة: أن الله كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ.

الثالثة: المشيئة: أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ليس في السماوات والأرض من حركة إلا بمشيئته-سبحانه- ولا يكون في ملكه إلا ما يريد.

الرابعة: الخلق والتكوين: أن الله خلق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد كما دلت على ذلك النصوص. القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ص30.1

ولما كان الرَّسُولُ (صلى الله عليه وسلم)هو أعرف الخلق بربه، وبتوحيده كان في ذلك القدوة الحسنة لجميع أتباعه في إيمانه بقضاء الله وقدره، وفي جوانبها كلها، وأفعاله وأقواله (صلى الله عليه وسلم) كلها شاهدة على ما كان عليه (صلى الله عليه وسلم)من حسن الأدب مع ربه - عَزَّ وجَلَّ-.

ومن أدبه مع ربه أنه وضح هذا الجانب لصحابته -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-وشرحه أتم الشرح، فكان يعلمهم ويربيهم على عقيدة القدر؛ لأنها هي العدة التي تجعل المؤمن شجاعاً لا يخاف إلا الله، وهي التي تجعل المؤمن يلاقي المصائب والصعاب راضياً مطمئناً، فعن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: كنت خلف النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم) يوماً فقال:(يا غلام إني أعملك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) الترمذي رقم 1516، وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (2648). وفي روايةٍ:(احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً). رواه أحمد في المسند (1/293) وصححه الألباني انظر كتاب السنة (315).

ومن هذا الأدب الذي كان يتحلى به النَّبيُّ(صلى الله عليه وسلم)مع ربه وظهر في أقواله وأفعاله، فقد كان يلاقي كل ما نزل به بالتسليم والرضى إيماناً وتصديقاً بقضاء وقدره، لما توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة بنت خويلد، هذان النصيران له في تبليغ هذه الدعوة، فقد عاوناه وناصراه ولم تنل قريش من رسول الله ما نالت منه إلا بعد ما مات عمه أبو طالب ورغم كل ذلك إلا أن النَّبيّ (صلى الله عليه وسلم) قابل أمر ربه بالرِّضَى والتسليم.

ومما يدل كذلك على حسن أدبه مع ربه وإيمانه بقضائه وقدره ما كان يقابل ما ينزل به بالحمد والثناء على الله بما هو أهله، فقد روى الإمام أحمد، لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون، قال رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم):(استووا حتى أثني على ربي - عَزَّ وجَلَّ-)، فصاروا خلفه صفوفاً، فقال: (اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت، اللهم: ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك.

اللهم إني أسألك النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك العون يوم العلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينة في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

اللهم توفنا مسلمين وأحيينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك. اللهم قاتل الكفرة الذين آوتوا الكتاب إله الحق). رواه البخاري في الأدب المفرد، والإمام أحمد في المسند (3/424) .

ولما توفي ولده إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهراً رآه النَّبيّ (صلى الله عليه وسلم) وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فأخذه في حجره وقال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، لا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) البخاري كتاب الجنائز باب قول النَّبيّ إنا بك لمحزونون (3/206) رقم (1303), ثم قال:(تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنه وعد صادق، وموعود جامع، وأن الآخر تابع للأول، لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا وإنا لمحزونون). ابن ماجة كتاب ما جاء في الجنائز باب ما جاء في البكاء على الميت. وصححه الألباني انظر صحيح ابن ماجة (1292) رقم (2932).

قال القاضي محمد سليمان المنصور فوري:وانظروا إلى عظمة النبوة وقت وفات إبراهيم حيث أخذه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حجره وهو يلفظ أنفاسه فلقنه درس التوحيد بقوله: لا نغني عنك شيئاً، وما أعجب ما بينه الرسول (صلى الله عليه وسلم)من الأدلة في الصبر على الموت من أنه أمر صدق، ووعد حق، وأن الآخر سيلحق بأوله، ثم بين ضعف الإنسان، وقوة الإيمان بالله بإظهار حزنه ورضائه بربه.

وتدبروا كيف تغلب واجبه نحو إصلاح العقيدة على حزنه على الابن الفقيد فأسرع إلى الناس يخطب فيهم ويعظهم – بعد ما قالوا: إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم- بينما الآخرون في العادة يحسبون أنفسهم في مثل هذه المصيبة مفجوعين وينوحون ويبكون. رحمة للعالمين ص352.

ولقد ثبت عن النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم)أنه قال:(ما أصاب عبداً قط همٌّ ولا غم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك عدلٌ في قضاؤك..)2

قال ابن القيم: ثم أتبع ذلك باعترافه بأنه في قبضته وملكه وتحت تصرفه، بكون ناصيته في يده يصرفه كيف يشاء، كما يقاد من أمسك بناصيته شديد القوي لا يستطيع إلا الانقياد له.

ثم أتبع ذلك بإقراره له بنفاذ حكمه فيه، وجريانه عليه شاء أم أبى، وإذا حكم فيه بحكم لم يستطع غيره ردَّه أبداً. وهذا اعتراف لربه بكمال القدرة عليه، واعتراف من نفسه بغاية العجز والضعف، فكأنه قال: أنا عبدٌ ضعيف مسكين يحكم فيه قوي قاهر غالب، وإذا حكم فيه بحكم مضى حكمه فيه ولا بد.

ثم أتبع ذلك باعترافه بأن كل حكم وكل قضية ينفذها فيه هذا الحاكم فهي عدلٌ محض منه لا جور فيها ولا ظلم بوجه من الوجوه، فقال: (ماضٍ فيّ حكمك عدلٌ فيّ قضاؤك)، وهذا يعم جميع أقضيته سبحانه في عبده، فقضاءه السابق فيه قبل إيجاده، وقضاءه فيه المقارن لحياته وقضاءه فيه بعد مماته، وقضاءه فيه يوم المعاد، ويتناول قضاءه فيه بالذنب، وقضاءه فيه بالجزاء، ومن لم يثلج صدره لهذا ويكون له كالعلم الضروري لم يعرف ربه، وكماله ونفسه وعينه، ولا عدل في حكمه، بل هو جهول ظلوم، فلا علم ولا إنصاف. شفاء العليل (2/273).

ولقد رسخ الرسول (صلى الله عليه وسلم) العقيدة في قلوب أصحابه فكان التسليم لله ورسوله من قبل الصحابة في كل أمر من الأمور.

وقد نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم)الصحابة من الخوض في القدر بالباطل وبلا علم ولا دليل، روى أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونحن نتنازع في القدر، فغضب واحمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال:(أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه). روى الترمذي (4/443) رقم (2133)، وحسنه الألباني مشكاة المصابيح (95).

وفي رواية أخرى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال: (بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم، تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم) قال: فقال عبد الله بن عمرو: (ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه)3. وحسنه الألباني صحيح ابن ماجة (69).

وكان رسول الله(صلى الله عليه وسلم)يبين لأصحابه أن كل شيء يجري بقضاء الله وقدره، حتى في الأمور التي يعتادها الناس، فقد روى أبو زرعة قال: حدثنا صاحب لنا عن ابن مسعود قال: قام فينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: (لا يُعدى شيء شيئاً)، فقال أعرابي: يا رسول الله! البعير أجرب الحشفة ندبنه فيجرب الإبل كلها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (فمن أجرب الأول؟ لا عدوى ولا صفر، خلق الله كل نفس وكتب حياتها ورزقها ومصائبها).

رواه البخاري: كتاب الطب، باب لا صفر وباب لا هامة وباب لا عدوى فتح الباري (10/171، 215، 241، 243) والترمذي، واللفظ له كتاب الغدر باب ما جاء في لا عدوى ولا هامة ولا صفر (4/450). ورقمه (2143)، وابن ماجه- المقدمة- باب في القدر (1/34) وفيه أنه قال: (ذلكم القدر فمن أجرب الأول) قال الألباني: صحيح دون كلمة ذلكم القدر. انظر صحيح ابن ماجة (70) .

ومن أقواله(صلى الله عليه وسلم) الدالة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر ما يلي:

حديث جبريل المشهور، الذي رواه عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - وفيه: (قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت) مسلم كتاب الإيمان باب الإيمان والإسلام والإحسان (1/36) رقم (8).

حديث جابر بن عبدالله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -,قال:قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم):(لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطئه لم يكن ليصيبه) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم (1743)، وفي السلسلة الصحيحة رقم (2439).

وعن علي-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-,قال: قال رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم): (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني محمد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بعثني بالحق ويؤمن بالموت وبالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر)

رواه الترمذي وابن ماجه وقال الألباني صحيح. انظر صحيح ابن ماجة (66)، وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي (وحديث علي هذا رجاله رجال الصحيح وأخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه والحاكم). تحفة الأخوذي (3/201) ط: الهند الناشر دار الكتاب العربي لبنان.

وعن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز).

مسلم كتاب القدر باب كل شيء بقدر، (4/2045) رقم (2655)..

وقد ورد عن النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم)التحذير من التكذيب بالقدر، وذلك في الحديث الذي رواه أبو الدرداء- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر، ولا مكذب بقدر). رواه أحمد (6/441) وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (675).

وأقواله(صلى الله عليه وسلم)الدالة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر كثيرة جداً ويدل ذلك على أن الرسول قد بين هذا الجانب ووضحه وجعله في غاية الوضوح حتى لا يلتبس الأمر على الأمة، وكل هذا يدل على ما كان عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- من الأدب مع ربه في تبليغ دينه إلى خلقه حتى يعبدوه على علم وبصيرة.

ولقد علم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- الأمة التسليم للقضاء والقدر بعد بذل الجهد في ما أمر به من الأسباب، فعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النَّبيّ (صلى الله عليه وسلم): (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا؛ كان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان). رواه مسلم كتاب القدر باب الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله (4/2052) رقم (2664).

قال ابن القيم: فنهى النَّبيُّ(صلى الله عليه وسلم) أن يقول عند جريان القضاء ما يضره ولا ينفعه وأمره أن يفعل من الأسباب ما لا غنى له عنه، فإن أعجزه القضاء قال: حسبي الله فإذا قال: حسبي الله بعد تعاطي ما أمره من الأسباب؛ قالها وهو محمود، فانتفع بالفعل والقول، وإذا عجز وترك الأسباب وقالها وهو ملوم بترك الأسباب التي اقتضتها حكمة الله - عَزَّ وجَلَّ- فلم تنفعه الكلمة نفعها لمن فعل ما أُمرَ به. الوابل الصيب: (ص279- 280).

----------------------------

1- رسالة ماجستير. لـ عبد الرحمن بن صالح المحمود.

2- أحمد في المسند (1/391، 452)، والحاكم في المستدرك (1/509) وأشار إلى صحته الألباني في صحيح الكلم الطيب ص 74. ط/ الرابعة من المكتب الإسلامي.

3- رواه ابن ماجه – المقدمة- باب في القدر (1/33)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ورواه أيضاً الإمام أحمد، وقال الساعاتي: وقال البويصيري في زوائد ابن ماجه: هذا إسناده صحيح رجاله ثقات، الفتح الرباني 1/142. الطبعة الأولى، وقد حسنه محق جامع الأصول: 10/135 عبد القادر الأرناؤط..

المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day