1. المقالات
  2. أربع وعشرون ساعة في حياة المسلم
  3. عند المرض

عند المرض

12341 2009/07/26 2024/10/06
المقال مترجم الى : English Deutsch Español

إنّ المؤمن الحق يكون أشدّ صبرا وإيمانا وتوكّلا على الله عند المرض لأنّه يعلم أن المرض هو اختبار من الله في الدنيا، لذلك تراه صبورا مهما كانت شدة مرضه، ويدعو الله بكلّ إخلاص لأنّ خالق المرض هو الله وخالق الدواء هو الله. و قد نوه الله في القرآن الكريم بصبر المؤمن عند المرض فقال"لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" ( البقرة 177 )

المؤمن يواجه المرض بالصبر ويستعمل الدواء الشافي ليتعافى من مرضه، فلا يكون حسّاسا ولا يتصرف كالذي يسعى إلى جلب الأنظار إليه، ويحرص على استعمال أدويته بطريقة علمية منظمة دون أن ينسى الدّعاء والتضرع إلى الله ليشفيه من علّته اقتداء بسيدنا أيوب الذي يدعو الله ليرحمه من المرض فيقول تعالى: "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (الأنبياء 83 ) .

نودّ الإشارة هنا إلى أنّ الأدوية المستعملة للعلاج ما هي إلاّ وسائل، ولا تشفي المريض إلاّ بإذن الله تعالى لأنّ الإمكانيات الطبّيّة من أدوية كلّها مستخرجة من الحيوان والنباتات التي خلقها الله تعالى.

باختصار، إن الشافي هو الله وحده لا شريك له كما قال سيدنا ابراهيم في قوله تعالى: "وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" ( الشعراء، 80 ).

أمّا الذين ما زالت تسكنهم الأفكار الجاهلية فبمجرد إصابتهم بالمرض يثورون ويضجرون متسائلين: "لماذا أصبت بهذه المصيبة؟"، فيتمردون على القدر، إنه تصرف خاطئ يفقد صاحبه القدرة على مواجهة الحدث بطريقة سليمة.

غير أنّ المرض بالنسبة للمؤمنين فرصة هامّة يستغلّونها لمحاسبة النفس والتقرب من الله أكثر ويفكّرون في الحكم الخفية وراء هذا الحدث، ويتذكرون مرّة أخرى نعمة الصحة وعجز الإنسان. فبمجرد نزلة صدرية يمكن أن تلزم الإنسان الفراش. في مثل هذه الظروف مهما كان الإنسان قويّا أو غنيّا فهو عاجز، وعليه أن يشرب الدواء و يلزم الرّاحة.

هذه الظروف يحتاج فيها الإنسان لله وهو طريق للإخلاص في الدعاء علاوة على أن كلّ مرض ينبه المؤمن إلى أنّ الحياة فانية وأن الموت الآخرة أقرب ممّا يتصوّر.

موقفه عند وجوده في الأماكن المزعجة والسيّئة

قد يجد الإنسان نفسه أحيانا في مكان يبعث على الانزعاج والنفور، كأن يجد نفسه في مكان مغلق مليء بالزبالة، أو في مطبخ كلّه روائح كريهة، أو مكان ضيق أو مكان مظلم... بالنسبة للمؤمنين فإنّ خلق مثل هذه الأماكن تكمن وراءه حكم خفية، فهي تذكّر بعذاب جهنّم الذي لا يقاس بأيّ عذاب في الدنيا، وقد جاء وصفها في القرآن الكريم: "إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا" (الفرقان، 6).

إنّ قبح جهنم وظلمتها عرفناه من خلال الكثير من الآيات، كقوله تعالى: "وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لاَ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ" (الواقعة، 41-44 )، ويقول تعالى: "وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا لاَ تَدْعُوا اليَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَاَدْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا" ( الفرقان، 13-14 ) .

إنّ الإنسان المتذكر لهذه الآيات يسعى إلى إنقاذ نفسه من عذاب جهنم بالدعاء إلى الله وطلب المغفرة. وحسب الوصف القرآني لجهنم فهي مكان وسخ، ذو روائح كريهة، ضيق، مظلم، به دخان كثيف، سخامي مخنق. وهو مكان غير آمن فيه نار موقودة.

وتوجد في جهنم أبشع المأكولات والمشروبات، وفيها لباس من نار وعذاب أبدي لا نهاية له. أهل جهنم تحترق جلودهم، وكلّما احترقت جلودهم جدّدت لهم مرّة أخرى وهم يتضرعون ويستغيثون من شدّة العذاب، حتى أنهم يطلبون الموت كأننا أمام مشاهد مصورة التقطت بعد حرب النووية. لكن تأثير تلك المشاهد على النفس لا يساوي شيئا أمام أجواء جهنم القاتمة، وليس هذا سوى تشبيه وتقريب لصورة جهنم من الأذهان لأنّها أسوء ما عرفه الإنسان.

المكان الضيق، الوسخ، المظلم والساخن في الدنيا تضيق النفس به، أمّا جهنم فهي فضاء خانق، ويمكن تجنب الحرارة في الدنيا باستعمال التقنيات المتقدمة، أمّا حرارة جهنّم فلا حلّ لها لأنّ حرارتها أقوى من حرارة الصحراء، وفيها ظلمة قاتمة، لا قدرة للإنسان على تحملها.

لا نجاة ولا راحة للمنكرين الكافرين من عذاب جهنّم، هذا ما تخبرنا به الآيات القرآنية من صور العذاب المختلفة في جهنم التي لا يمكن مقارنتها بصور العذاب في الدنيا لأنها أعظم وأشد. فالآلام التي يحس بها الإنسان في الدنيا تخف بعد مدّة قصيرة وتشفى الجروح بمرور الزمن، أما آلام جهنم فهي أبدية ولا تخف إلاّ بإذن الله تعالى.

وهناك حكمة أخرى من وجود هذه الأماكن الوسخة يستطيع المؤمن التوصل إليها، ويمكن أن نفهمها بالمثال التالي: يمكن أن يترك الإنسان مكانا ما لم ينظفه سواء ناسيا أو مهملا، لكنه إذا ما رأى تلك الأوساخ تبين رحمة الله ولطفه، ويتبين له كذلك مدى خطئه حين ترك ذلك المكان ولم يعتن بنظافته، لأنّ الله وهبه مكانا طاهرا ليعيش فيه وهو ضيفٌ فيه ألا وهو هذه الأرض. لذلك على الإنسان أن يحافظ على نعم الله وأن يقوم بخير الأعمال في الدنيا حمدا وشكرا لله على تلك النعم. أما إذا فعل عكس ذلك فهو يكون مستحقا لغضب الله تعالى. والمؤمن العاقل يفهم ذلك جيدا، فيحرص على النظافة ويقوم بإصلاح أخطائه ويحرص على أن لا يعود إلى هذا الخطإ مرة أخرى.

 
المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day