البحث
كان صلى الله عليه وسلم إذا سافر تارة يصوم، وتارة يفطر
وكان صلى الله عليه وسلم ربما قبل بعض نسائه وهو صائم.
وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه.(1).
وعن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سل هذه " لأم سلمة، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له "(2).
( فائدة ) قال الشيخ ابن عثيمين ما ملخصه: ( القبلة تنقسم إلى ثلاث أقسام:
1- ألا يصحبها شهوة إطلاقا، فهذه لا تؤثر ولا حكم لها، لأن الأصل الحل.
2- أن تحرك الشهوة، ولكنه يأمن من إفساد الصوم بالإنزال، فهذه الصحيح أنها جائزة ولا بأس بها.
3- أن يخشى من فساد الصوم، فهذه تحرم إذا ظن الإنزال ) أ.هـ(3).
وكان صلى الله عليه وسلم ربما صب على رأسه الماء وهو صائم.
عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالعَرْج(4) يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش _ أو من الحر _(5).
وكان صلى الله عليه وسلم إذا سافر تارة يصوم، وتارة يفطر، وتارة يبتدأ الصوم في أول النهار ثم يفطر بعد ذلك، ويبدو – والله أعلم- أن مرجع هذا الاختلاف في الحال اختلاف أنواع السفر ومشاقه.
عن أبي الدرداء قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة(6).وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكَدِيد أفطر، فأفطر الناس(7).وفي رواية قال: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء فيه شراب فشربه نهارا ليراه الناس، ثم أفطر حتى دخل مكة. قال ابن عباس: فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر، من شاء صام ومن شاء أفطر. وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح ماء، فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام. فقال: " أولئك العصاة، أولئك العصاة ". وفي رواية أخرى: فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر(8).
وعن أبي سعيد الخدري قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام، ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم(9).وفي رواية له: فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن.وفي رواية عند أحمد(10) قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهر من ماء السماء، والناس صيام في يوم صائف مشاة، ونبي الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له، فقال: " اشربوا أيها الناس " قال: فأبوا. فقال: " إني لست مثلكم، إني أيسركم، إني راكب " فأبوا، فثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذه، فنزل، وشرب وشرب الناس، وما كان يريد أن يشرب.
وعن منصور الكلبي أن دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق مِزَّة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه، إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك(11).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) رواه مسلم (2/777).
([2]) رواه مسلم (2/779).
([3]) «الشرح الممتع» (6/432 - 433).
([4]) قرية بين الحرمين الشريفين.
([5]) رواه أبو داود في "سننه" (2357).
([6]) رواه مسلم، وهو عند البخاري (1945) دون قوله: ( شهر رمضان ).
([7]) رواه البخاري (1944) ومسلم (2/784).
([8]) رواه مسلم (2/785).
تنبيه: قال ابن دقيق العيد في «الإحكام»: (أخذ من هذا أن كراهة الصوم في السفر لمن هو في مثل هذه الحالة، ممن يجهده الصوم ويشق عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من القربات، ويكون قوله: « ليس من البر الصيام في السفر» منزلا على مثل هذه الحالة، والظاهرية المانعون من الصوم في السفر يقولون: إن اللفظ عام، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ويجب أن تتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن الدالة على تخصيص العام، وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على سبب، ولا تجريهما مجرى واحدا، فإن مجرد ورود العام على السبب لا يقتضي التخصيص به، كقوله تعالى" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا" بسبب سرقة رداء صفوان، وأنه لا يقتضي التخصيص به بالضرورة والإجماع، أما السياق والقرائن: فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه،
وهي المرشدة إلى بيان المجملات، وتعيين المحتملات، فاضبط هذه القاعدة فإنها مفيدة في مواضع لا تحصى، وانظر في قوله صلى الله عليه وسلم : « ليس من البر الصيام في السفر » مع حكاية هذه الحالة من أي القبيلتين هو؟ فنزله عليه ) ا.هـ.
([9]) رواه مسلم (2/786).
([10]) (3/46).
([11]) رواه الإمام أحمد (6/398) وأبو داود (2405).