1. المقالات
  2. الشباب والنجاح في حياة الرسول _محمد شاهين
  3. النجاح في العلاقات

النجاح في العلاقات

 

النجاح في العلاقات

 

العلاقات البشرية أنواع مختلفة، تختلف باختلاف موقع الإنسان، أنت في بيتك تختلف شخصيتك وأنواع العلاقة معك عنك في العمل، او في المواصلات العامة أو في بيئة الدراسة، أو مع  الأصدقاء، ومن حيث نوعية العلاقات أيضا، فأنت مرغم على علاقتك مع أقاربك وذوي رحمك، أنت لم تختارهم، لكنك رغم ذلك تحبهم أكثر من الآخرين، ومأمور أيضا بالإحسان إليهم، والإحسان درجة عالية من درجات الإيمان، في العمل يختلف الوضع كثيرا أو قليلا حسب قرب زميلك من موقعك وإمكانية وجود تنافس معه حول المنصب أو المميزات الوظيفية، وأنت مرغم على علاقاتك بزملاء العمل لأنك أيضا لم تختارهم، فلا أنت اخترت أقاربك ولا زملائك في العمل، ورغم التقارب في عدم الاختيار، لكن الفرق في الود كبير، باختلاف الموقع تختلف العلاقة، الود، الصلة، وما بينها من أمور.

 

مهما اختلف موقع الإنسان فان له حاجات أساسية  منها ما هو اقتصادي كالطعام والشراب والعمل والمال ومنها ما هو نفسي كالاحترام والجنس ومنها ما هو اجتماعي كالحب والأمان والراحة ومنها ما هو صحي كالعلاج والرياضة  والغذاء والهواء النظيف ومنها ما هو شخصي كالتعليم وتطوير المهارات الفردية.

 

تلك الحاجات الأساسية جميعنا نحتاج إليها، لا يمكن التعامل مع أي فرد دون أن نحترم حاجاته مهما كان موقعنا منه أو موقعه هو منا، يمكنك الحصول على شخصية جذابة ورائعة، محبوبة من الآخرين إن أنت تعلمت كيف تحترم وتجيد العمل من خلال تلك القواعد مع الآخرين، النبي علمنا هذا، يمكننا التقرب إلى مواقف مختلفة من حياته للتعرف على طريقته فى التعامل معهم.

 

الناس أحبوا النبي كما لم يحبوا أحدا في زمانهم، ونحن أيضا نحبه، أبو  سفيان – وكان داهية سياسية - توقع أن يملك الرسول جزيرة العرب لما يراه من حب أصحابه له، وقال على ابن ابي طالب عن حبه للنبي: كان والله أحب إلينا من أموالنا، وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا والماء البارد على الظمأ، وعندما حضرت الوفاة بلال كان سعيدا بلقاء النبي فقال وافرحتاه، غدا نلقى الأحبة، محمدا وصحبه، أتخيل رجلا يموت وكيف يكون حاله فأعجب من فرحته لأنه سيلاقي النبي، فكيف يكون حبه!.

قصة رواها ابن إسحاق فقال: اجتمع رهط من قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب ؛ فقال له أبو سفيان لرجل من المسلمين قدموه ليقتل: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ قال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأني جالس في أهلي. قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمدٍ محمدا.

 

وأخرج الطبراني وحسنه عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت انك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ([1]).

 

و عن سعد بن أبي وقاص قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها، وأخوها، وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرونيه حتى أنظر إليه. قال: فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل.

 

كيف استطاع النبي الوصول إلى هذا الحب في قلوب الناس، من يومها وحتى الآن؟ قرأت الكثير من الكتب في كيفية بناء العلاقات فلم أجد نموذجا مشى على الأرض يمكنه تطبيق قواعد بناء العلاقات الجيدة مع الآخرين وكسبهم أفضل من النبي، ليس لأنه نبي، كثير من الأنبياء لم يحظى بهذا الحب، بل لأن أسلوبه مميز في التعامل مع الآخرين، التجربة في التعرف على أسلوبه صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نصل للحب مع الناس، إنهم إن أحبوك فتحوا لك أبواب الصداقة والعمل، فكسبت ونجحت، وسعدت أيضا.

 

يقول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ([2])، هذه الأية كما أراها هى مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة، في بحث قرأته عن المبيعات قال إن أكثر من 60% من حجم حركة المبيعات تتم لحسن العلاقة بين البائع والمشتري، هى قاعدة ذهبية أن يحبك الناس كما فعلوا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن هم أحبوك اشتروا منك وباعوا لك، إن احبوك فتحوا لك قلوبهم للصداقة، وجيوبهم للعمل، ليس هذا وحده، في بحث أخر أثبت أن 85% من الذين يفقدون وظائفهم يفقدونها بسبب عدم قدرتهم على بناء علاقات اجتماعية جيدة في بيئة العمل، التعارف كما جاء في الآية الكريمة هي سر النجاح في الدنيا(جَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، وسر النجاح في الآخرة(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، في التقوى سعادة الآخرة، لماذا أحب الصحابة الرسول إلى هذا الحد، ولماذا نحن أيضا؟ فأوصلنا الحب إلى الإسلام، فالتقوى، ثم الجنة التي نتمناها برحمة الله تعالى؟كيف أخذ الرسول بيدنا نتيجة هذا الحب فنجحنا في الدنيا، ونأمل رحمة الله في الآخرة.تلك هى القواعد:

 

 

أحب الناس يحــبوك:

الحب علاقة بين طرفين، لا تتوقع من الآخرين أن يحبوك ان لم تحبهم، ابدأ أنت بالحب، اشعرهم بحبك، باهتمامك، كان النبي يحب أصحابه، لهذا بادلوه الحب، يسأل عن من غاب منهم، يزور المريض، يمشي في جنازة الميت، حريص عليهم، وهنا بعض مواقف حب النبي لأصحابه، منها نعرف، ومنها نتعلم!

 

في يوم جمعة وكان النبي يغير معطفه يوم الجمعه، كان لديه ثوبين، احدهما للجمعة فقط، استحسنه أحد أصحابه فطلبه منه، أعطاه الرسول أياه، ولبس القديم، لم يكن يعرف الرجل أن النبي لا يملك غيرهما فطلب أن يعيده للنبي فأبى، لبسه الرجل وفرح به، حتى إذا مات أوصى أن يدفن به رجاء أن يرحمه الله وهو يرتدي ثوب النبي.

 

قصة أخرى يرويها بن مسعود: قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فرأيت شعلة من نار في ناحية المعسكر فاتبعتها أنظر إليها، قال: فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين قد مات، وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف داخل الحفرة وأبو بكر وعمر يدليانه إليه، وإذا هو يقول: أدليا إلي أخاكما فدلياه، فلما هيأه لشقه قال: اللهم إني قد أمسيت راضياً عنه فارض عنه.

قال عبد الله بن مسعود يا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة.إنها الرحمة بالأصحاب، والحب لهم، في جوف الليل يقوم، يدفنه بيديه الشريفتين، يدعو الله له، فماله من رحمة، ويالها من ميتة على باب الدار الآخرة.

 

يوم فتح مكة أسلم أبو قحافة - والد أبى بكر الصديق رضى الله عنه - وكان إسلامه متأخرا و قد عمي بصره، فأخذه أبو بكر رضى الله عنه وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه ويبايع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:  يا أبا بكر هلا تركت الشيخ في بيته، فذهبنا نحن إليه. فقال أبو بكر: لأنت أحق أن يؤتى إليك يا رسول الله، أسلم أبو قحافة، فبكى أبو بكر الصديق، فقالوا له: هذا يوم فرحة، فأبوك أسلم ونجا من النار فما الذي يبكيك؟ قال: إسلام أبي يفرحني، وإسلام أبو طالب يفرح رسول الله، كنت أحب أن الذي بايع النبي الآن ليس أبي ولكن أبو طالب! هل رأيت حبه واحترامه لوالد أبي بكر! وهل رأيت المقابل كم كان حب أبي بكر له!

 

أتى النبي صلى الله عليه ولم وفدا من اليمن، وطلبوا منه أن يرسل معهم من يعلمهم دينهم، فقال صلى الله عليه وسلم: لأبعثن معكم رجلا أمينا, حق أمين, حق أمين.. حق أمين..!! تمنى كل من الصحابة أن يكون هو، أن يحظى بكل هذا الثناء والرضا من  النبي، فهل رأيت كم أحبهم النبي، وكيف شهد لهم، وشهادته في ميزانهم يوم القيامة، هي نصيب وافر من المجد في الدنيا أيضا، ما دمنا نحكي عن النبي.

 

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أحببت الامارة قط, حبّي اياها يومئذ, رجاء أن أكون صاحبها, فرحت الى الظهر مهجّرا, فلما صلى  بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر, سلم, ثم نظر عن يمينه, وعن يساره, فجعلت أتطاول له ليراني..

فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح, فدعاه, فقال: أخرج معهم, فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة؟..!!

 

كان النبي يحبهم، فأحبوه، انظر كيف امتلك قلوبهم بالحب، بالكلمات الحلوة، بشهادة في حق كل منهم بما يستحق، قال صلى الله عليه وسلم: ان لكل نبي حواريا وحواريي  الزبير بن العوّام.

 

ان أردت أن يحبك الناس فأحبهم، وزع كلماتك الحلوة والابتسامات، لا تكن جافا في مشاعرك، بقدر ما تمنح منها بقدر ما يمنحوك هم. تقدير الناس أهم ما يحتاجه الناس بعد الماء والطعام، لا تبخل به عليهم، نادهم بأحب الأسماء إليهم، مع الحب وزع عليهم بعضا مما يستحقون من الثناء.

كان النبي محبا حتى لمن ليسوا على دينه، من حبه كان يشفق عليهم من النار، من الجهل، من حياة كلها شقاء وكفر، وموت بعده عذاب، يقول تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ([3])، قصته مع عدي بن حاتم تبين جانبا من هذا الحب، من حرصه على الناس، رأفته بهم وحرصه عليهم، هذا ما شهد الله به له للنبي. يقول عدي عن قصته مع الرسول، مع ما كان يحمل له من بغض بينما الرسول حريص عليهم، يرجو لهم الخير: ما من رجل من العرب كان اشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني، أما أنا فكنت امرأ شريفاً، وكنت نصرانياً، وكنت أسير في قومي بالمرباع، فكنت في نفسي على دين، وكنت ملكاً في قومي، لما كان يصنع بي .

فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته، فقلت لغلام كان لي عربي، راعيا لإبلي: لا أبا لك أعدد لي من إبلي أجمالا ذللاً سماناً. فاحتبسها قريباً مني، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطىء هذه البلاد فآذني، ففعل ؛ ثم إنه أتاني ذات غداة، فقال: يا عدي ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن، فإني قد رأيت رايات، فسألت عنها، فقالوا: هذه جيوش محمد، قال: فقلت: فقرب إلي أجمالي، فقربها فاحتملت بأهلي وولدي، ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام، فسلكت الجوشية

 

وتخالفني خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتصيب ابنة حاتم، فيمن أصابت، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام، قال: فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد، كانت السبايا يحبسن فيها، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة، فقالت: يا رسول الله، هلك الولد، وغاب الوافد، فامنن علي من الله عليك. قال: من وافدك ؟ قالت: عدي بن حاتم. قال: الفار من الله ورسوله ؟

قالت: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني، حتى إذا كان من الغد مر بي، فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس .

قالت: حتى إذا كان بعد الغد مر بي، وقد يئست منه، فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه، قالت: فقمت إليه، فقلت:

يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علي من الله عليك. فقال صلى الله عليه وسلم: قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة، حتى يبلغك إلى بلادك، ثم آذنيني.

فسألت عن الرجل الذي أشار إلى أن أكلمه، فقيل: علي بن أبي طالب رضوان الله عليه.

وأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة، قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشام. فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، قد قدم رهط من قومي، لي فيهم ثقة وبلاغ. قالت: فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملني، وأعطاني نفقة، فخرجت معهم حتى قدمت الشام.

قال عدي: فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلي تَؤُمُّنا، قال: فقلت ابنة حاتم. قال: فإذا هي هي، فلما وقفت علي انسحلت تقول: القاطع الظالم، احتملت بأهلك وولدك، وتركت بقية والدك عورتك! قال: قلت: أي أخيه لا تقولي إلا خيرا، فوالله ما لي من عذر لقد صنعت ما ذكرت. قال: ثم نزلت فأقامت عندي، فقلت لها: وكانت امرأة حازمة، ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى والله أن تلحق به سريعاً، فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكاً فلن تذل في عز اليمن، وأنت أنت. قال: قلت: والله إن هذا الرأي

 

قال فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخلت عليه وهو في مسجده، فسلمت عليه، فقال: من الرجل ؟ فقلت: عدي بن حاتم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بي إلى بيته، فوالله إنه لعامد بي إليه، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة، فاستوقفته، فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها .

قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بملك !

قال: ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا دخل في بيته، تناول وسادة في أدم محشوة ليفا، فقذفها إلي، فقال: اجلس على هذه، قال: قلت: بل أنت فاجلس عليها، فقال: بل أنت، فجلست عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض.

قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك .

ثم قال: إيه يا عدي بن حاتم، ألم تك ركوسيا؟ قال: قلت: بلى، قال: أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟ قال: قلت: بلى، قال: فإن ذلك يكن يحل لك في دينك، قال: قلت: أجل والله .

وقال: وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل.

ثم قال: لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم، وقلة عددهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت، لا تخاف. ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله، ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم، قال: فأسلمت.

وكان عدي يقول: قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة، والله لتكونن، قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت، وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها، لا تخاف حتى تحج هذا البيت، وأيم الله لتكون الثالثة، ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه.

 

القصة كلها رائعة، جميلة، تبين كرم النبي مع أخت عدي، وحسن خلقه مع عدى عند استقباله له، وإصراره على أن يجل عدى على الوسادة ويجلس هو بأبي وأمي على الأرض، ما أروع الأخلاق، يقف للناس في الطريق لحاجة امرأة، فيسمع لها حتى تنتهي! ولرجل يشكو له قطع الطريق، ينصت له حتى ينتهي، بحب يفعل وبساطة أيضا! يخبر عدى بديانته وتفاصيلها وما يفعله فيها، علم عدى أن انه نبي يخبره الله بما خفي من الأمور، علم ما في نفسه من حب لمجاورة الملوك، للسلطان والمال، فينبأه بما سوف يحدث للمسلمين، هؤلاء الضعفاء الذين رأهم عدي في الطريق، بأنهم سيمتلكون الأرض، والملك، يحدثه بقدر ما يفهم ويعي ويحب! فأي رجل رحيم بالناس هو! لهذا استحق الحب.

 

عامل الناس بالحب، تعلم من رسول الله، تلك المواقف، ومازلنا في رحاب الرسول نتعلم، منها و نفهم، نعى كيف نتعامل مع الناس، كيف نتبسط معهم، نحبهم، نعاملهم على قدر عقولهم، بما يفهمون نحدثهم، افعل وستنال منهم الحب أنت أيضا.

--------------------------------------------------------------------------------

[1] النساء 69

[2] الحجرات 13

[3] التوبة 128

 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day