1. المقالات
  2. 40 مجلساً في صحبة الحبيب صلى الله عليه و سلم - د.عادل بن علي الشدي
  3. الهِجْرَةُ إِلَى المدِينَةِ

الهِجْرَةُ إِلَى المدِينَةِ

المقال مترجم الى : English

لمَّا اشتدَّ الْأَذى بأصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم, أَذِن رسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم لهمْ بالهجْرَةِ إِلَى المدينةِ, وَكَانَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم قدْ اطْمأنَّ بأنَّ الدَّعْوةَ قَدِ انتشرتْ فِي المدينةِ, وَأَنَّها قدْ أَصبَحَتْ مُهَيَّأَةً لاسْتِقبالِ المهَاجِرينَ.

فَبادَر المؤْمِنُونَ إِلَى الهجْرَةِ, وَخَرجُوا أَرْسَالاً  يتْبع بعضُهُم بَعضًا.

وَبَقِي النبيُّ صلى الله عليه و سلم، وَبَقِي مَعه أَبُو بكْرٍ وَعَليٌّ، وَكذلِكَ مَن احْتَبَسَهُ المشْرِكُون كُرْهًا.

عَلِمْت قُريشٌ أَنَّ أصْحابَ النبيِّ صلى الله عليه و سلم ذَاهِبُون إِلى أرضِ مَنْعةٍ، فَخَافُوا مِن انْتِشارِ هَذا الدِّينِ، وَأَجْمعُوا عَلى قَتْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم.

وَفي اللَّيْلَةِ الَّتِي خَطَّطوا لاغتِيالِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم فِيها، أَعْلمَ اللهُ نبيَّه صلى الله عليه و سلم بِما دَبَّره هؤلاءِ مِن كيدٍ، وأمرَهُ بالهجْرَةِ وَاللِّحاقِ بِمَنْ هَاجر مِنَ المؤمِنِينَ، وَأَلَّا يَنامَ فِي مَضجَعِه تِلك الليلةَ.

طلَب النبيُّ صلى الله عليه و سلم من علي رضي الله عنه أَنْ يَنامَ فِي فِراشِه, وَأَنْ يَتسجَّى ببُرْدَتِه، وَأَمرَهُ أَنْ يُؤدِّيَ عَنْه وَدَائِعَ النَّاسِ. فامتثلَ عَليٌّ للأمْرِ، وَنَامَ فِي فِراشِ النبيِّ صلى الله عليه و سلم والسُّيوفُ مُشْرَعَةٌ خَلفَ البَابِ.

وَخَرَجَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم مِنْ بَيْنِ هَؤُلاءِ الَّذينَ يُريدُونَ قَتْلَه، وَلَكِنَّ اللهَ تَعالى أَعْمَى أَبْصارَهُمْ, وَنِكايةً فيهِمْ، نَثر النبيُّ صلى الله عليه و سلم التُّرابَ عَلى رُؤوسِهم, ثُمَّ انطلَقَ إِلى بيتِ صَديقِه أَبي بكْرٍ، وَخَرجَا مُسرِعَيْنِ ليلاً.

انطلَقَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم وَأَبُوبكرٍ حتَّى وَصَلَا إِلَى غَار ثَوْرِ, وَمكثَا فِي الْغَارِ حَتَّى يخفَّ عَنْهُما الطَّلَب.

أَمَّا قريشٌ فقدْ ثارَتْ ثائِرتُها عِندَما عَلِمُوا بِفسَادِ مَكْرِهم، وَفَشَل خُطَّتِهم, فَأرْسلُوا الطُّلَّابَ مِن كلِّ جهةٍ, وَرَصدُوا لمنْ يَأتِي بالنبيِّ صلى الله عليه و سلم    أَوْ يَدلُّ عَلَيْهِ مِائةَ ناقةٍ, وَقَدْ أَوْصلَهمُ البحثُ عَن النبيِّ صلى الله عليه و سلم إِلى بَاب الغَارِ, وَوقفُوا عنده، إِلَّا أنَّ اللهَ تعالَى صَرفَهُم عَنْه، وَحَفِظَ نبيَّه صلى الله عليه و سلم مِنْ كَيْدِهم. قَالَ أَبُو بكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ نَظر أحدُهمْ إِلى مَوْضِع قدمَيْه لأبْصَرنَا. فَأجَابَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: "مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا"[رواه البُخارِيُّ].

وَبعدَ ثَلاثِ لَيالٍ جَاءهُما الدَّلِيلُ الَّذِي قَدِ اسْتأْجَراهُ مِنْ قَبْل بالرَّاحِلَتَيْنِ حَسبَ الخطَّةِ المعدَّةِ سَلفًا، ثُمَّ اتجَهُوا نَحوَ المدِينَةِ.

وَفِي الطَّرِيق مرَّ النبيُّ صلى الله عليه و سلم بخيْمةِ أمِّ معبدٍ الخزَاعِيَّة، وَأصَابها مِنْ بَركَتِه فِي شَاةٍ لَها، لَيسَ بِها قَطْرةُ لَبنٍ، فَاسْتأذَنها فِي حَلْبِها, فَامتَلأَ ضَرْعُها باللَّبَنِ, فسَقاهَا وَسَقَى مَنْ مَعهُ، ثُمَّ شرِبَ هُو صلى الله عليه و سلم، ثُمَّ حلَب الإِناءَ ثَانيًا فملَأهُ وارْتَحل صلى الله عليه و سلم.

وَسَمِعَ سُراقةَ بْنَ مَالكٍ بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه و سلم قَدْ سَلكَ طَرِيقَ السَّاحِلِ, وَكَانَ يَطمَعُ فِي جَائِزَةِ قُريْشٍ, فَركِبَ فَرَسَهُ وَأَخَذَ رُمْحهُ، وانْطلَق فِي طلَبِهمْ, فَلَمَّا قَرُب مِنْهمْ دَعَا النبيُّ صلى الله عليه و سلم، فساخَتْ يَدا فَرسِه فِي الأرْضِ، فَعلِمَ أَنَّ ذَلكَ بدُعاءِ النبيِّ صلى الله عليه و سلم وَأنَّه محفُوظٌ، فَنَادَى بالْأمَانِ وَعَاهَدَ النبيَّ صلى الله عليه و سلم أَنْ يردَّ عَنْه الطَّلبَ، فَدَعَا لَهُ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم، فخلصَتْ يَدا فرَسِه، فَرجَع وأخَذَ يُخذِّلُ النَّاسَ عَنِ البحْثِ فِي الجهَةِ الَّتي بِها رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم.

كَان الأنْصارُ يخرُجونَ كُلَّ يوْمٍ إِلى مدَاخلِ المدينةِ ينتَظِرُون قُدُومَ النبيِّ صلى الله عليه و سلم، ثُمَّ يَعُودُونَ إِلى منازِلهمْ عِنْدَ اشْتِدَادِ الحرِّ. فلمَّا كَانَ يَومُ الإِثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبيعِ الأوَّلِ، عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنةً مِن النُّبوَّة, صَاحَ صَائحٌ بقدُومِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم فسُمِعَ الصِّيَاحُ وَالتَّكْبِيرُ فِي كُلِّ مَكانٍ، وَخَرَجَ النَّاسُ جَمِيعًا لاسْتِقبَالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم.

فَنَزَلَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم بقُبَاءٍ, وَأسَّسَ مَسْجِد قُبَاءٍ، وَهُو أَوَّلُ مسجدٍ بُنِي في الإسْلَامِ.

ثُمَّ خَرجَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم مِنْ قُبَاءٍ بعْدَ أَنْ أَقَامَ بِها أَيامًا، وَفي الطَّريقِ أَدركَتْهُ الجمُعةُ، فَصلَّاها بمَنْ مَعَهُ مِنَ المسْلِمِينَ، وَهِيَ أَوَّلُ جُمُعةٍ صَلَّاها النبيُّ صلى الله عليه و سلم, وَبَعْدَ الصَّلاةِ دَخَلَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم المدينةَ مِنْ نَاحِيتِهَا الجنُوبِيَّةِ, وَمنذُ ذَلكَ اليومِ صَار اسمُها مَدينةَ النبيِّ صلى الله عليه و سلم, وَقَدْ عَمَّتِ الفرْحةُ والبهْجةُ أَهلَ المدينةِ بقدُومِ النبيِّ صلى الله عليه و سلم، وبذَلِكَ صَارَ للإسْلَامِ دَارُ منعةٍ ينطلِقُونَ مِنْها لتبليغِ رِسالةِ اللهِ إِلى مَشَارِقِ الأرْضِ ومغَارِبِها.

 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day