البحث
ضوابط التربية بالترغيب والترهيب
وهذه الضوابط- بإذن الله- تحمي الطفل من الأمراض النفسية والانحرافات الأخلاقية والاختلالات الاجتماعية، وأهم هذه الضوابط:
1- الاعتدال في الترغيب والترهيب:
لعل أكثر ما تعانيه الأجيال كثرة الترهيب والتركيز على العقاب البدني، وهذا يجعل الطفل قاسياً في حياته فيما بعد أو ذليلاً ينقاد لكل أحد ([1])؛ ولذا ينبغي أن يتدرج في العقوبة لأن أمد التربية طويل وسلم العقاب قد ينتهي بسرعة إذا بدأ المربي بآخره وهو الضرب ([2]) وينبغي للمربي أن يتيح للشفعاء فرصة الشفاعة والتوسط للعفو عن الطفل ويسمح له بالتوبة ويقبل منه ([3]) كما أن للإكثار من الترهيب قد يكون سببا في تهوين الأخطاء والاعتياد على الضرب ([4]) ولذا ينبغي الحذر من تكرار عقاب واحد بشكل مستمر وكذلك إذا كان أقل من اللازم.
وعلى المربي أن لا يكثر من التهديد دون العقاب لأن ذلك سيؤدي إلى استهتاره بالتهديد فإذا أحس المربي بذلك فعليه أن ينفذ العقوبة ولو مرة واحدة ليكون مهيبا ([5]).
والخروج عن الاعتدال في الإثابة يعوِّد على الطمع ويؤدي إلى عدم قناعة الطفل إلا بمقدار أكثر من السابق ([6]).
كما يجب على المربي أن يبتعد عن السب والشتم والتوبيخ أثناء معاقبته للطفل ([7]) لأن ذلك يفسده ويشعره بالذلة والمهانة ([8]) وقد يولد الكراهية ([9]) كما أن على المربي أن يبين للطفل أن العقاب لمصلحته لا حقداً عليه ([10]).
وليحذر المربي من أن يترتب على الترهيب والترغيب الخوف من المخلوقين خوفاً يطغى على الخوف من الخالق سبحانه، فيخوِّف الطفل من الله قبل كل شيء، ومن عقابه في الدنيا والآخرة، وليحذر أن يغرس في نفسه مراعاة نظر الخلق والخوف منهم دون مراقبة الخالق والخوف من غضبه ([11]) وليحذر كذلك من تخويف الطفل بالشرطي أو الطبيب أو الظلام أو غيرها؛ لأنه يحتاج إلى هؤلاء؛ ولأن خوفه منهم يجعله جباناً.
وبعض المربين يكثر من تخويف الطفل بأن الله سيعذبه ويدخله النار ولا يذكر أدى الله يرزق ويشفي ويدخل الجنة فيكون التخويف أكثر مما يجعل الطفل لا يبالي بذكره النار لكثرة ترديد الأهل "ستدخل النار" أو "سيعذبك الله لأنك فعلت كذا" ولذا يحسن أن نوازن بين ذكر الجنة والنار، ولا نحكم على أحد بجنة أو نار، بل نقول إن الذي لا يصلي لا يدخل الجنة ويعذب بالنار.
2 - مراعاة الفروق الفردية:
تتجلى حكمة المربي في اختياره للأسلوب التربوي المناسب من أوجه عدة منها:
* أن يتناسب الترهيب والترغيب مع عمر الطفل، ففي السنة الأولى والثانية يكون تقطيب الوجه كافياً عادة أو حرمانه من شيء يحبه، وفي السنة الثالثة حرمانه من ألعابه التي يحبها أو من الخروج إلى الملعب ([12]).
* أن يتناسب مع الخطأ، فإذا أفسد لعبته أو أهملها يحرم منها، وإذا عبث في المنزل عبثا يصلح بالترتيب كُلِّف بذلك، ويختلف عن العبث الذي لا مجال لإصلاحه ([13]).
* أن يتناسب مع شخصية الطفل، فمن الأطفال من يكون حساسا لينا ذا حياء يكفيه العتاب، ومنهم من يكون عنيداً فلا ينفع معه إلا العقاب ([14]) ومنهم من حرمانه من لعبة أشد من ضربه ومنهم من حرمانه من أصدقائه أشد من حرمانه من النقود أو الحلوى.
* أن يتناسب مع المواقف، فأحياناً يكون الطفل مستخفيا بالخطأ فيكون التجاهل والعلاج غير المباشر هو الحل الأمثل، وإن عاد إليه عوقب سراً، لأنه إن هتك ستره نزع عنه الحياء فأعلن ما كان يسر ([15]).
وقد يخطئ الطفل أمام أقاربه أو الغرباء فينبغي أن يكون العقاب بعد انفراد الطفل عنهم، لأن عقابه أمامهم يكسر نفسه فيحس بالنقص ([16]) وقد يعاند ويزول حياؤه من الناس.
* المراوحة بين أنواع الثواب والعقاب لأن التكرار يفقد الوسيلة أثرها ([17]).
* مراعاة الفروق الفردية في التربية فالولد البالغ أو المراهق يكون عقابه على انفراد لأنه أصبح كبيراً ويجب أن يحترمه إخوانه الصغار، ويعاتَب أمامهم عتاباً إذا كان الخطأ معلناً، لأن تأنيبه والقسوة عليه في الكلام يحدثان خللاً في العلاقة بين المراهق والمربي ([18]) ويكون ذلك أوجب في حق الولد البكر من الذكور لأنه قدوة، وهو رجل البيت إذا غاب والده أو مرض أو مات.
* ومن الفروق الفردية جنس الطفل، فالبنت يكفيها من العتاب ما لا يكفي الذكر عادة لأن جسدها ضعيف وهي تخاف أكثر وتنقاد بسهولة.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) انظر: مقدمة ابن خلدون، ص 508.
([2]) انظر: منهج التربية الإسلامية، محمد قطب: ص 379.
([3]) انظر: تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان، 2/727- 728.
([4]) انظر: منهج التربية النبوية، محمد نور سويد، ص 27.
([5]) انظر: منهج التربية الإسلامية، محمد قطب ص 380.
([6]) انظر: كيف نجعل من الطفل رجل المستقبل، بهية أبو سبيت، ص 20.
([7]) انظر: مشكلات تربوية، محمد رشيد العويد، ص 32- 36.
([8]) انظر: كيف نربي طفلا، محمد زياد حمدان، ص 34.
([9]) انظر: التربية الإسلامية، سليمان الحقيل، ص 61.
([10]) انظر: تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان، 2/727- 728.
([11]) انظر: من أخطائنا في تربية أولادنا، محمد السحيم، 12-17، 72- 76.
([12]) انظر: المشكلات السلوكية، نبيه الغبرة، ص 65.
([13]) انظر: المرجع السابق، ص 63.
([14]) انظر: منهج التربية الإسلامية، محمد قطب: ص 372.
([15]) انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي، 3/70.
([16]) انظر: تذكرة الآباء، عمر بن أحمد الحلبي، ص 62، وكيف يربي المسلم ولده، محمد مولوي ص 247- 248.
([17]) انظر: منهج التربية الإسلامية، محمد قطب: ص 378.
([18]) انظر: تذكرة الآباء، عمر بن أحمد الحلبي، ص 62، وكيف يربي المسلم ولده: محمد مولوي ص 247- 248.