1. المقالات
  2. الفصل الثاني
  3. 2- محمد وبناء قريش للكعبة

2- محمد وبناء قريش للكعبة

تحت قسم : الفصل الثاني
1402 2010/05/04 2025/05/04
المقال مترجم الى : English

وأردفت قائلاً: وواحدة أخرى.

      قال: إني مُصغٍ إليك.

      قلت: قبل بعثة محمد بحوالي خمس سنين، أي عندما كان عمره حوالي /35/ عاماً، عزمتْ قبيلة قريش على تجديد بناء الكعبة، وكانوا يَعدّون المشاركة في هذا التجديد شرفاً ما بعده شرف. وحتى لا يختصموا فيما بينهم، تقاسموا هدمها، فتولت كل عشيرة من عشائر قبيلة قريش هدم جزء منها، ثم جمعوا الحجارة لبنائها، كل عشيرة تجمع على حدة.. ثم بَنَوْها.. حتى بلغ البنيان موضع (الحجر الأسود) منها، وكانوا يعظِّمون هذا الحجر.. فاختصموا فيه، كل عشيرة تريد أن تحوز شرف رفعه إلى موضعه، دون غيرها.. حتى وصل الأمر بهم إلى التهيؤ للاقتتال! وتحالف بعضهم ضد بعض! وجاء حِلفٌ منهم بجفنة مملوءة دماً، وغمسوا أيديهم فيها، كناية عن تعاهدهم على الموت إن حاول غيرهم أن يفوز دونهم بشرف رفع الحجر الأسود إلى مكانه في ركن الكعبة، وسُمِّي هؤلاء (لعقة الدم).. وتفاقم الأمر.. وكادت قبيلة قريش أن تتمزق ويقتل بعضها بعضاً..ومكثتْ على ذلك أربع ليالٍ أو خمساً.. ثم إنهم اجتمعوا بجوار الكعبة يتشاورون.. فأشار عليهم أحد حكمائهم فقال: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه، أوّل داخل عليكم من هذا الفج - أي الناحية - ليقضي بينكم ويحلّ الخلاف، وترضون بما يقضي به. فرضي الجميع بما قال.. وانتظروا أول داخل عليهم..

      وأردفت: أتدري أيها الأب ستيفانو من كان أول داخل عليهم؟.

      قال: من؟

      قلت: لقد كان محمد بن عبد الله هو أول داخل عليهم من ذلك الفج الذي اختاروه.

      قال: وهل رضي به الجميع ليحكم بينهم؟.

      قلت: بل تصايح الجميع من جنبات المكان قائلين: هذا هو الأمين.. رضينا به.. هذا محمد.

ولم يكن محمد عالماً باتفاقهم.. فلما سألهم عن سبب تصايحهم؟ أخبروه الخبر.. وطلبوا منه أن يحكم بينهم فيما هم فيه.

      قال: وبماذا حكم محمد في أمرهم؟

      قلت: ما كان أسرع من أن قال لهم: هلمّ إلي ثوباً، فجاؤوه بثوب واسع، فأخذه، فبسطه على الأرض، ثم أخذ (الحجر الأسود) بيده فوضعه وسط الثوب، ثم قال: ليأخذ زعيم كل عشيرة بطرف من أطراف الثوب.. ثم رفعوه جميعاً.. حتى إذا بلغوا به موضعه من ركن الكعبة، تناوله هو من الثوب، ووضعه بيده مكانه، ثم بنى عليه[1].

      قال الأب ستيفانو: إن مثل هذا الرجل الحكيم، لا يمكن أن يكون فظّاً غليظاً قاسياً، ولو كان كذلك لما حكّمه قومه بينهم ورضوا بحكمه.

*               *               *



[1] انظر (السيرة النبوية) لابن هشام ص185 ط. دار ابن كثير /1426/هـ- وانظر (صحيح السيرة النبوية) للألباني /44-45.

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day