البحث
حكم سب أم المؤمنين عائشة
وقفة مع المنهج الموضوعي...
ولعل من المناسب هنا أن نقف وقفة قصيرة جدا ، نبين فيها فساد هذا المنهج، وخطورة تطبيقه على تاريخ الصحابة .
والمنهج الموضوعي ، عند الغربيين يعني أن يبحث الموضوع بحثا عقليا مجردا ، بعيدا عن التصورات الدينية . ( راجع منهج كتابة التاريخ للعلياني ص 138 ) .
فنقول ردا على ذلك :
أولا : المسلم لا يمكن أن يتجرد من عقيدته بأي حال من الأحوال ، إلا أن يكون كافرا بها . ( راجع في تفصيل ذلك ، وفي الرد على دعوى الموضوعية ، بحث مخطوط للدكتور رشاد خليل 34 -37 ) .
ثانيا : كذلك بالنسبة للتاريخ الإسلامي ، إذا ثبتت الحوادث في ميزان نقد الرواية ، فبأي منهج نفهمها ونفسرها ؟ إذا لم نفسرها بالمنهج الإسلامي ، فلا بد أن نختار منهجا أخر . فنقع في الانحراف من حيث لا نعلم .
وبناء على ذلك ، يجب أن نحذر من تطبيق هذا المنهج على تاريخ الصحابة.
ويجب أن نعلم أيضا أن ما يسمى بالنقد العلمي أو الموضوعية لتاريخ الصحابة ، هو السب الوارد في كتب أهل البدع ، وفي كتب الأخبار ، وتسميته بالمنهج العلمي لا يخرجه من حقيقته التي عرف بها عند أهل السنة ، وأيضا تسميته بذلك لا تعلي من قيمته ، كما لا يعلي من قيمته أن يردده كتاب مشهورون ، وفيهم أولو فضل وصلاح .
وإنما كل ما فعله المحدثون أنهم أحيوا هذا السب الذي أماته أهل السنة عندما كانت الدولة دولتهم . ( هذه الفقرة مأخوذة من البحث القيم للدكتور رشاد خليل ) .
والذي أوصي به نفسي وإخواني الباحثين في تاريخ الصحابة إلا يتخلوا عن عقيدتهم ، ومنها الاعتقاد بعدالة الصحابة وتحريم سبهم عند البحث في تاريخهم ، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلهم ، وليعلموا أن لأهل السنة منهجا واضحا في النظر إلى تلكم الأخبار ، كما سيأتي في آخر البحث .
حكم سب أم المؤمنين عائشة...
أما من سب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه ، فقد أجمع العلماء انه يكفر .
قال القاضي أبو يعلي : (( من قذف عائشة رضي الله عنها بما براها الله منه كفر بلا خلاف )) .
وقد حكي الإجماع على هذا غير واحد من الأئمة لهذا الحكم .
فروي عن مالك : (( من سب أبا بكر جلد ، ومن سب عائشة قتل . قيل له : لم ؟ قال : من رماها فقد خالف القرآن )) . ( الصارم المسلول ص 566 ) .
وقال ابن شعبان في روايته ، عن مالك : (( لأن الله تعالى يقول : { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين } فمن عاد فقد كفر )) . ( الشفا 2 / 1109 ) .
والأدلة على كفر من رمى أم المؤمنين صريحة وظاهرة الدلالة ، منها :
أولا : ما استدل به الإمام مالك ، أن في هذا تكذيبا للقرآن الذي شهد ببراءتها ، وتكذيب ما جاء به القرآن كفر .
قال الإمام ابن كثير : (( وقد اجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية ، فإنه يكفر ، لأنه معاند للقرآن )) . ( راجع تفسير ابن كثير 3 / 276 ، عند تفسير قوله تعالى { إن الذين يرمون المحصنات . . . } ) .
وقال ابن حزم - تعليقا على قول الإمام مالك السابق - : (( قول مالك هاهنا صحيح ، وهي ردة تامة ، وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها )) . ( المحلي 11 / 15 ) .
ثانيا : إن فيه إيذاء وتنقيصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، من عدة وجوه ، دل عليها القرآن الكريم ، فمن ذلك :
إن ابن عباس رضي الله عنهما فرق بين قوله تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } وبين قوله { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } ، فقال عند تفسير الآية الثانية : (( هذه في شأن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وهي مبهمة ليس توبة ، ومن قذف امرأة مؤمنة فقد جعل الله له توبة . . . إلى آخر كلامه . . . قال : فهم رجل أن يقوم فيقبل رأسه من حسن ما فسر )) . ( انظر ابن جرير 18 / 83 ، وعنه ابن كثير 3 / 277 ) .
فقد بين ابن عباس ، أن هذه الآية إنما نزلت فيمن قذف عائشة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، لما في قذفهن من الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيبه ، فغن قذف المرأة أذى لزوجها ، كما هو أذى لابنها ، لأنه نسبة له إلى الدياثة وإظهار لفساد فراشه ، وإن زنى امرأته يؤذيه أذى عظيما . . ولعل ما يلحق بعض الناس من العار والخزي بقذف أهله اعظم مما يلحقه لو كان هو المقذوف . ( الصارم المسلول ص 45 ، والقرطبي 12 / 139 ) .
وكذلك فإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر بالإجماع .
قال القرطبي عند قوله تعالى { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا } : (( يعني في عائشة ، لأن مثله لا يكون إلا نظير القول في المقول بعينه ، أو فيمن كان في مرتبته من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، لما في ذلك من إذاية رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه وأهله ، وذلك كفر من فاعله )) . ( القرطبي 12 / 136 ، عن ابن عربي في أحكام القرآن 3 / 1355 - 1356 ) .
ومما يدل على أن قذفهن أذى للنبي صلى الله عليه وسلم ، ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما في حديث الإفك عن عائشة ، قالت : (( فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي سلول )) ، قالت : (( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر - : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي . . )) كما جاء في الصحيحين .
فقوله : (( من يعذرني )) أي من ينصفني ويقيم عذري إذا انتصفت منه لما بلغني من أذاه في أهل بيتي ، والله أعلم .
فثبت أنه صلى الله عليه وسلم قد تأذى بذلك تأذيا استعذر منه .
وقال المؤمنون الذين لم تأخذهم حمية : (( مرنا نضرب أعناقهم ، فإنا نعذرك إذا أمرتنا بضرب أعناقهم )) ، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على سعد استئماره في ضرب أعناقهم . ( الصارم المسلول ص 47 ) .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : (( ومن يقذف الطيبة الطاهرة أم المؤمنين زوجة رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، لما صح ذلك عنه ، فهو من ضرب عبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين .
ولسان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يا معشر المسلمين من يعذرني فيمن أذاني في أهلي . { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا مبينا } . . فأين أنصار دينه ليقولوا له : نحن نعذرك يا رسول الله )) . (الرد عل الرافضة 25-26 ) .
كما أن الطعن بها رضي الله عنها فيه تنقيص برسول الله صلى الله عليه وسلم من جانب آخر ، حيث قال عز وجل : { الخبيثات للخبيثين .. } .
قال ابن كثير : (( أي ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة ، لأنه أطيب من كل طيب من البشر ، ولو كانت خبيثة لما صلحت له شرعا ولا قدرا ، ولهذا قال تعالى { أولئك مبرءون مما يقولون } أي عما يقوله أهل الإفك والعدوان )) . ( ابن كثير 3 / 278 ) .
حكم سب بقية أمهات المؤمنين... اختلف العلماء في قذف بقية أمهات المؤمنين ، والراجح الذي عليه الأكثرون : كفر فاعل ذلك ، لأن المقذوفة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله تعالى إنما غضب لها ، لأنها زوجته صلى الله عليه وسلم ، فهي وغيرها منهن سواء . ( البداية والنهاية 8 / 95 ) .
وكذلك فيه تنقيصا وأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقذف حليلته . ( الشفا 2 / 1113 ، وراجع أيضا الصواعق المحرقة ص 387 ) .
وقد بينا ذلك عند كلامنا عن حكم قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
أما أن سب أمهات المؤمنين سبا غير ذلك فحكمهن حكم سائر الصحابة على التفصيل السابق .
لوازم الـسـب...
تيقظ السلف الصالح رضوان الله عليهم لخطورة الطعن في الصحابة وسبهم ، وحذروا من الطاعنين ومقاصدهم ، وذلك لعلمهم بما يؤدي إليه ذلك السب من لوازم باطلة تناقض أصول الدين ، فقال بعضهم كلمات قليلة ، لكنها جامعة ، أذكرها في مقدمة هذا المبحث ، ثم أوضح - بعض الشيء - ما يترتب على السب غالبا .
وسأركز في الرد على السب من القسم الأول والثاني ، من نسبة الكفر أو الفسق لمجموع الصحابة أو أكثرهم ، أو الطعن في عدالة من تواترت النصوص بفضله كالخلفاء رضي الله عنهم .
قال الإمام مالك رحمه الله عن هؤلاء الذين يسبون الصحابة : (( إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يمكنهم ذلك ، فقدحوا في أصحابه ، حتى يقال رجل سوء ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحون )) . ( رسالة في سب الصحابة ، عن الصارم المسلول ص580 ).
وقال الإمام أحمد رحمه الله : (( إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام )) . ( البداية والنهاية 8 / 142 ، وأنظر المسائل والرسائل المروية عن أحمد في العقيدة الأحمدية للأحمدي 2 / 363 ، 364 ) .
وقال أبو زرعة الرازي رحمه الله : (( فإذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلم انه زنديق ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة )) . ( الكفاية للخطيب البغدادي 97 ) .
وقال الإمام أبو نعيم رحمه الله : (( فلا يتتبع هفوات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزللهم ويحفظ عليهم ما يكون منهم حال الغضب والموجدة إلا مفتون القلب في دينه )) . ( الإمامة لأبي نعيم 344 ) .
ويقول أيضا : (( لا يبسط لسانه فيهم إلا من سوء طويته في النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والإسلام والمسلمين )) . ( الإمامة لأبي نعيم 376 ) .
وتحذير العلماء هنا عام يشمل جميع الصحابة ، وتأمل قول إمام أهل السنة : (( يذكر أحدا من الصحابة بسوء )) ، وقول أبي زرعة : (( ينتقص أحدا )) ، فحذروا ممن ينتقص مجرد انتقاص أو ذكر بسوء ، وذلك دون الشتم أو التكفير ، ثم في واحد منهم وليس جميعهم ، فماذا يقال فيمن سب أغلبهم ؟!
وإليك أخي إيضاح لبعض لوازم السب :
أولا : يترتب على القول بكفر وارتداد معظم الصحابة أو فسقهم إلا نفرا يسيرا ، الشك في القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، وذلك لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول ، إذ كيف نثق بكتاب نقله إلينا الفسقة والمرتدون - والعياذ بالله - ولذلك صرح بعض أهل الضلال والبدع ممن يسب الصحابة بتحريف الصحابة للقرآن ، والبعض أخفى ذلك .
وكذلك الأمر بالنسبة للأحاديث النبوية ، فإذا اتهم الصحابة رضوان الله عليهم في عدالتهم ، صارت الأسانيد مرسلة مقطوعة لا حجة فيها ، ومع ذلك يزعم بعض هؤلاء الإيمان بالقرآن .
فنقول لهم : يلزم من الإيمان بالقرآن الإيمان بما فيه ، وقد علمت أن الذي فيه أنهم خير الأمم ، وأن الله لا يخزيهم ، وأنه رضي عنهم . . . الخ ، فمن لم يصدق ذلك فيهم ، فهو مكذب لما في القرآن ، ناقض لدعواه .
ثانيا : هذا القول يقتضي أن هذه الأمة - والعياذ بالله - شر أمة أخرجت للناس ، وسابقي هذه الأمة شرارها ، وخيرها القرن الأول كان عامتهم كفارا أو فساقا وإنهم شر القرون . ( الصارم 587 ) كبرت كلمة تخرج من أفواههم .
ثالثا : يلزم من هذا القول ، أحد أمرين : إما نسبة الجهل إلى الله تعالى عما يصفون ، أو العبث في هذه النصوص التي أثنى فيها على الصحابة .
فإن كان الله عز وجل - تعالى عن قولهم - غير عالم بأنهم سيكفرون ، ومع ذلك أثنى عليهم ووعدهم الحسنى فهو جهل ، والجهل عليه تعالى محال .
وإن كان الله عز وجل عالما بأنهم سيكفرون ، فيكون وعده لهم بالحسنى ورضاه عنهم عبث ، والعبث في حقه تعالى محال . ( انظر إتحاف ذوي النجابة لمحمد بن العربي التباني ص75 ) .
ويتبع ذلك الطعن في حكمته عز وجل ، حيث اختارهم واصطفاهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فجاهدوا معه وآزروه ونصره واتخذهم أصهارا له ، حيث زوج ابنتيه ذا النورين عثمان رضي الله عنه ، وتزوج ابنتي الصديق وعمر رضي الله عنهما ، فكيف يختار لنبيه أنصارا وأصهارا مع علمه بأنهم سيكفرون ؟!.
رابعا : لقد بذل رسول الله صلى الله عليه وسلم جهودا خارقة في تربية الصحابة على مدى ثلاثة وعشرين عاما ، حتى تكون بفضل الله عز وجل المجتمع المثالي في خلقه وتضحياته وزهده وورعه ، فكان صلى الله عليه وسلم اعظم مرب في التاريخ .
لكن على العكس من ذلك ، فإن جماعة تدعي الانتماء إلى الإسلام ونبي الإسلام ، تقدم لهذا المجتمع صورة معاكسة ، تهدم المجهودات التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم في مجال التربية والتوجيه ، وتثبت له إخفاقا لم يواجهه أي مصلح أو مرب خبير مخلص لم يكن مأمورا من الله ، كما كان الشأن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( صرح بعض من تولى كبر تلكم المزاعم والتهم والضلالات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينجح ، وأن الذي ينجح في ذلك المهدي الغائب - مهديهم - ) .
إن الإمامية ترى أن المجهودات التي بذلها محمد صلى الله عليه وسلم لم تنتج إلا ثلاثة أو أربعة - وفقا لبعض الروايات - ظلوا متمسكين بالإسلام إلى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، أما غيرهم فقد قطعوا صلتهم بالإسلام - والعياذ بالله - فور وفاته صلى الله عليه وسلم ، وأثبتوا أن صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتربيته أخفقت ولم يعد لها أي تأثير .
وهذا الزعم يؤدي إلى اليأس من إصلاح البشرية ، وعدم الثقة في المنهج الإسلامي وقدرته على التربية وتهذيب الأخلاق ، وإلى الشك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن الدين الذي لم يستطع أن يقدم للعالم عددا وجيها من نماذج عملية ناجحة بناءة ، ومجتمعا مثاليا في أيام الداعي وحامل رسالته الأول ، فكيف يستطيع أتباعه ذلك بعد مضي وقت طويل على عهد النبوة ؟!
وإذا كان المؤمنون بهذه الدعوة لم يستطيعوا البقاء على الجادة القويمة ، ولم يعودوا أوفياء لنبيهم صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ، فلم يبق على الصراط المستقيم الذي ترك عليه النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه إلا أربعة فقط ، فكيف نسلم أن هذا الدين يصلح لتزكية النفوس وبناء الأخلاق ؟ وانه يستطيع أن ينقذ الإنسان من الهمجية والشقاء ، ويرفعه إلى قمة الإنسانية ؟ .
بل ربما يقال : لو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صادقا في نبوته ، لكانت تعاليمه ذات تأثير ، ووجد هناك من آمن به من صميم القلب ، ووجد من بين العدد الهائل ممن آمنوا به بضع المئات ثبتوا على الإيمان ، فإن كان أصحابه سوى بضعة رجال منهم منافقين ومرتدين - فيما زعموا - فمن دام بالإسلام ؟! ومن أنتفع بالرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وكيف يكون رحمة للعالمين ؟ . ( صورتان متضادتان للشيخ أبي الحسن الندوي ص 13 -45 -58-99 ) .
الإمساك عما شجر بينهم...
قال صلى الله عليه وسلم : (( إذا ذكر أصحابي فامسكوا ، وإذا ذكر النجوم فامسكوا ، وإذا ذكر القدر فامسكوا )) . ( أخرجه الطبراني في الكبير 2 / 78 / 2 ، وأبو نعيم في الحلية 4 / 108 ، وفي الإمام من حديث ابن مسعود ، وقواه الألباني بطرقه وشواهده - السلسلة الصحيحة1 / 34 ) .
ولذلك فمن منهج أهل السنة والجماعة الإمساك عن ذكر هفوات الصحابة وتتبع زلاتهم وعدم الخوض فيما شجر بينهم .
قال أبو نعيم رحمه الله : (( فالإمساك عن ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر زللهم ، ونشر محاسنهم ومناقبهم ، وصرف أمورهم إلى أجمل الوجوه ، من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسان ، الذين مدحهم الله عز وجل بقوله : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )) .
ويقول أيضا في تعليقه على الحديث المشار إليه : (( لم يأمرهم بالإمساك عن ذكر محاسنهم وفضائلهم ، وإنما أمروا بالإمساك عن ذكر أفعالهم وما يفرط منهم في ثورة الغضب وعارض الوجدة )) . ( الإمامة 347 ) .
إذا فالإمساك المشار إليه في الحديث الشريف إمساك مخصوص يقصد منه عدم الخوض فيما وقع بينهم من الحروب والخلافات على سبيل التوسع وتتبع التفصيلات ونشر ذلك بين العامة ، أو التعرض لهم بالتنقص لفئة والانتصار لأخرى . ( منهج كتابة التاريخ الإسلامي لمحمد بن صامل 227 ) .
ونحن لم نؤمر بما سبق / وإنما أمرنا بالاستغفار لهم ومحبتهم ونشر محاسنهم وفضائلهم ، وإذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلابد من الذب عنهم ، وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل . ( منهاج السنة 6 / 254 ) .
وهذا مما نحتاجه في زماننا ، حيث ابتليت الأمة المسلمة في جامعاتها ومدارسها بمناهج - يزعم أصحابها الموضوعية والعلمية - تخوض فيما شجر بين الصحابة بالباطل دون التأدب بالآداب التي علمنا إياها ربنا عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وكذلك وللأسف وصلت هذه العدوى إلى بعض الإسلاميين ، حتى إن بعضهم يجمع الغث والسمين من الروايات حول الفتنة التي وقعت بين الصحابة ، ثم يبني أحكامه دون الاسترشاد بأقوال الأئمة الأعلام وتحقيقاتهم .
من أجل ذلك أردت أن أشير إلى بعض الأسس والتوجيهات التي ينبغي أن يعرفها الباحث إذا اقتضت الحاجة أن يبحث فيما شجر بينهم رضي الله عنهم .