البحث
اسم النبي الموعود
اسم النبي الموعود :
تؤكد الدلائل السابقة بما لا يدع مجالاً للشك أن النبي الموعود هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والبشارات لم تكتف بهذه الإشارات والأوصاف بل ذكرت اسم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والنبي المجتبى، وهذه النصوص هي:
1ـ أخنوخ يصرح باسم المصطفى:أخنوخ يشهد بمبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، لقد رأى رؤية: "وهناك رأيت رؤيا ثانية: مساكن القديسين، وأماكن راحة الأبرار، وهناك رأيت بعيني أنهم كانوا يسكنون مع ملائكة عدالته، ويرتاحون برفقة القديسين، وكانوا يصلون ويبتهلون ويتوسلون من أجل البشر، كان الحق يجري أمامهم مثل المياه، والنعمة مثل الندى على الأرض، كانت تغرز بينهم إلى الأبد وفي هذا الموضع رأت عيناي مصطفى الحق والإخلاص، العدالة ستسود في زمنه، والأبرار والمختارون الذين لا يحصى عددهم سيمتثلون أمامه إلى الأبد"[1].
وسيُبعثُ المصطفى صلى الله عليه وسلم المقام المحمود، "وفي هذا اليوم سيجلس مصطفاي على عرش المجد، وسيصنف أعمالهم، وستكون مساكنهم غير معدودة، ونفوسهم ستتصلب فيهم، عندما سيرون مختاري، والذين لجؤوا إلى اسمي القدوس والعظيم في ذلك اليوم سأسكن مصطفاي بينهم، وسأحول السماء وسأجعل منها بركة ونورًا أبديًا، وسأحول اليابسة، وسأجعلها بركة، وسأسكن فيها مختاري"[2]، سيحقق التوافق بين العلم والدين؛ "لأنه أمامه تجري الحكمة مثل الماء، والمديح لن ينضب إلى الأبد، لأنه معضد بأسرار العدالة كلها، والعنف سيمر مثل ظل ولن يكون له من بعد مكان يقف فيه، لأن المصطفى يقف أمام رب الأرواح، مجده أبدي، وقدرته على مدى العصور، فيه يكمن روح الحكمة، وروح المعرفة، روح العلم والقدرة"[3].
وهذا مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم : (إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ، حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)[4].
2ـ جاء في سفر حَجَّي أن اسم النبي الموعود أحمد: جاء في سفر حَجَّي أن النبي الموعود هو أمل كل الشعوب: "قال رب الجنود: هي مرة بعد قليل فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، وأزلزل كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجدًا"[5].
يقول أستاذ اللاهوت المهتدي عبد الأحد داود: أن هذه الجملة في العبرية: "في يافو حِمداث كُول هاجوييم"، والتي تعني حرفيًا: "سوف يأتي حمدًا لكل الأمم"، وحِمْد تأتي بمعنى: الأمنية الكبيرة، أو المشتهى، أو الشهية أو الشائق، وفي اللغة العبرية يأتي الفاعل (حِمْدا) من نفس الحرف الساكن (حِمْد)، ومعناها الحمد، والكلمة العربية التي تقابل (حِمْدا) هي قطعاً (أحمد)، ويكون المعنى: وسوف يأتي حمدا لكل الأمم، إنما هو أحمد، أي محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد ذكر (جودفري هجيتر): "هي بشارة صريحة باسم نبي الإسلام، ونقل عن (باركهُرست) قوله: مُدعي النبوة (محمد) أخذ اسمه من هذه الكلمة"[6]، وهذا اعتراف صريح من باحث نصراني بأن المقصود ببشارة حجَّي هو اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3ـ عيسى عليه السلام بشر بالنبي الموعود أحمد:عيسى عليه السلام كما مرَّ بنا كان يبشر بملكوت الله وبالنبي الموعود، وذكر اسمه: "إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الآب فيعطيكم مُعَزِّيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم، لا أترككم يتامى ... الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني بهذا كلمتكم وأنا عندكم، وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يُعِّلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم"[7]، قال النصارى: إن كلمة (المُعَزِّي) تعني العوض والبديل عن عيسى عليه السلام ، وهي مترجمة عن الكلمة اليونانية (باراكليت)[8]، ويقرُّ الدكتور (سميسون) في كتابه (الروح القدس أو قوة الأعالى) أن الاسم المُعَزِّي ليس ترجمة دقيقة جدًا لبارقليط[9]، وهذا الاسم يعني شخصًا بشريًا يأتي بعد عيسى عليه السلام ، ليبلغ الناس شريعة الله، والدليل على ذلك أن كثيرًا من مدعي النبوة في القرون الأولى سمى نفسه بهذا الاسم، والأوصاف التي جاءت في النص تشير إلى أنه رجل[10]، يرى (أدوين جونس) في كتابه (نشأة الديانة المسيحية) أن معنى البارقليط: محمد، لكنه يطمس اعترافه بكذبة وطامة لا تنطلي على أهل العلم والتحقيق، فيقول: إن المسيحيين أدخلوا هذا الاسم في إنجيل يُوحَنَّا جهلاً منهم بعد ظهور الإسلام، وتأثرهم بالثقافة الدينية للمسلمين[11].
والبارقليط: هو نبي من الأنبياء، يقول يُوحَنَّا: "وأما متى جاء ذلك روح الحق فهو يُرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويُخبركم بأمورٍ آتية"[12].
لقد سارت الترجمات العربية في القرون الأخيرة على اعتماد كلمة المُعَزِّي مقابل الكلمة اليونانية (باراكليت)، بينما نجد النصوص العربية في القرون السابقة تذكر في نص إنجيل يوحنا كلمة (فارقليط)، يقول الفخر الرازي: "والفارقليط هو روح الحق اليقين، هذا لفظ الإنجيل المنقول إلى العربي"[13]، وذكر ابن إسحاق أن هذه الكلمة في إنجيل يُوحَنَّا (المُنْحَمَنَّا) بالسريانية أي محمد، وهو بالرومية - أي اليونانية -: (البَرقْليِطس)[14]، قام (ميل جبسون) بتأليف وإخراج فيلم (آلام المسيح) عن أحداث الصلب المزعوم، وجعل إنجيل (يُوحَنَّا) الأصل في حوار الفيلم وأحداثه، وأضاف إليه من خياله ما يخدم القصة شأن مثل هذه الأفلام، والملفت للنظر أنه وقف عند هذه البشارة، وأن المسيح نطق بالآرامية، واستعان بالمتخصصين والممثلين من أهل هذه اللغة وتوصل إلى أن اسم النبي الموعود هو (منخما)، والفارق بين الكلمتين هو أمر بدهي من لغة إلى أخرى، فكل قوم يلفظ الكلمة باختلاف في أحرف حسب وجود هذا الحرف أو ذاك في هذه اللغة، ويقول القس (متى هنري) في تفسير يُوحَنَّا: كان أحد أسماء المسيا بين اليهود (مناحيم) أي (المُعَزِّي)، كان اليهود يسمون يوم المسيا سنوات التعزية[15]، وذكر القسيس المهتدي عبد الأحد داود المتقن للغة اليونانية: أن هذه الكلمة من الناحية اللغوية تعني: الأمجد، والأشهر، والمستحق للمديح، وأن الكلمة تتكون من مقطعين، (بري) و(كليتوس) وهذه الكلمة مشتقة من التمجيد أو الثناء، مما يعني تمامًا أحمد باللغة العربية، وأن النص اليوناني استعمل كلمة (أونوما) وهي تعني (اسمه) ولكن النصارى عربوا نصها في الأناجيل الحالية: "يرسله الآب باسمي" في حين أن الترجمة الصحيحة: "وأما النبي الحق الذي سيبعثه الله اسمه أحمد"[16]، وفريق من النصارى الأوائل أشاروا إلى أن هذا اللفظ (فارقليط) يعني الحماد، أو الحامد، وممن نقل ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ أبو الفضل المالكي المسعودي[17]، وقيل المخلص، مصداقًا لقوله تعالى: " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ " [الصف:٦].
ولا يستريب عاقلٌ أن جميع هذه الأوصاف - كونه يرشد إلى الحق، ويتكلم بما يسمع، ويخبرهم بأمور مستقبلية - لا تنطبق إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بإخباره عن الله تعالى - بما هو متصف به من الصفات الجلال والجمال -، وعن ملائكته، وعالم الغيب، والجنة والنار بما لاتحتمل عقول بعض الناس في تلك الفترة، ولم يشهد أحد للمسيح شهادة سمعها عامة الناس إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه أظهر أمر المسيح وشهد له بالحق حتى سمع شهادته له عامة أهل الأرض، وعلموا أنه صدق المسيح ونزهه عما افترته عليه اليهود، وعما غلت فيه النصارى، فهو الذي يشهد له بالحق[18].
ومن خلال النصوص السابقة نصل إلى النتائج التالية:
(أ)يبعث بعد أن يرفع عيسى عليه السلام .
(ب) "ماكث معك إلى الأبد" وذلك إشارة إلى بقاء دينه وشريعته.
(ج) هذا الخبر من الله تعالى وقضاء منه.
(د) يرشد إلى جميع الحق، مصداقًا لقوله تعالى:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ " [المائدة:٣]. (هـ)يذكر الناس بما قاله عيسى عليه السلام ويشهد له، " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ "[الصف:٦].
4ـ الملائكة الذين ظهروا للرعاة العبرانيين ذكروا اسم النبي الموعود أحمد:جاء في إنجيل لوقا أنه ظهر للرعاة العبرانيين في الليلة التي ولد فيها المسيح عليه السلام جمهور من الجنود السماوية يترنمون هذا النشيد: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة"[19]، يقول عبد الأحد داود: أن هذه ترجمة غامضة عن النص اليوناني الذي لايمكن الاعتماد عليه أصلاً؛ لأنه لا يتضمن الكلمات الأصيلة باللغة التي رتل بها الملائكة الأنشودة، ومن البدهي أن يكون الملائكة رتَّلت هذه الأنشودة المفرحة بلغة الرعاة العبرانيين العبرية العامية أو الآرامية، وظل القسم الثاني والثالث من الترنيمة غير مفهوم ودون معنى؛ لأن السلام لم يعم الأرض، بل الحروب الطاحنة لم تنتهِ، وظلت الدول في حروب طاحنة، وعيسى عليه السلام صرح بكل وضوح ودون لبس أنه لم يأتِ بالسلام بل بالسيف والنار[20]، وقال: "جئت لأشعل النار في الأرض أتظنون أني جئت لأعطي سلامًا على الأرض أقول لكم بل انقسامًا"[21]، وعلى هذا لا يمكن أن يكون معنى الأنشودة صحيحًا، والسبب الترجمة الخاطئة لكلمة (إيريني) و(يوديكا)، ولا يمكن فهم العبارة إلا بأن تترجما ترجمة صحيحة، فكلمة (إيريني) بمعنى (سلم) و(سلام) ومن المعروف أن لفظ الإسلام يفيد معاني واسعة جدًا ويشتمل على ما تشتمل عليه ألفاظ (السلم، السلام)، ومن خلال المقارنة مع العهد القديم توصل إلى أن السلام يدل على دين سليم ونافع، عكس الدين الشرير السيئ المؤذي المدمر المؤدي إلى الهلاك، وكلمة (يوديكا) اليونانية تقابلها في العبرية (مَحْمَدْ، مَحَمُد، حِمْدَه، حمِدْ)، ولاشك أن هذا يدل على أن المقصود هو اسم الرسول صلى الله عليه وسلم محمد وأحمد، وبذلك يستقيم معنى الأنشودة، وكلمات هذه الترنيمة تكون كالتالي: الحمد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد[22].
--------------------------------------
[1]- التوراة كتابات ما بين العهدين مخطوطات قمران ـ البحر الميت، الكتب الأسينية،(أخنوخ يشهد غبطة الأبرار ومصطفى الحق):2/46ـ47.
[2] - التوراة كتابات ما بين العهدين مخطوطات قمران ـ البحر الميت، الكتب الأسينية،( مجيء المصطفى من أجل الحساب الأخير):2/50.
[3] - التوراة كتابات ما بين العهدين مخطوطات قمران ـ البحر الميت، الكتب الأسينية،(حساب المتنفذين وانتصار الأبرار)(1ـ 3): 2/ 54.
[4] - رواه مسلم في، صحيحه، الصلاة/ 7، ح(384)، 1/ 288 ـ 289 .
[5] - حجَّي، 2 : 6 ـ7 .
[6] - عامر، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المقدسة، ص/ 246، نقلاً عن كتاب ، إلهام في الآثار، جودفري هجيتر: ص/ 679 .
[7] - يوحنا، 14 : 15 ـ 26 .
[8] - راجع السقا، البشارة بنبي الإسلام، 2/ 259.
[9] - راجع السقار، هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ص/ 122 .
[10] - راجع، السقا، اسم نبي الإسلام، ص/ 33،41،43. وممن تسمى بهذا بالباراكليت: مونتانوس، وماني. ،البشارة بنبي الإسلام، 2/ 277.
[11] - راجع، السقار، هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ص/ 122ـ123.
[12] - يوحنا، 16 : 13 .
[13] - التفسير الكبير، 10: 528.
[14] - ابن هشام، السيرة النبوية، 1/ 233 .
[15] - راجع الريس، بشارة أحمد في الإنجيل، ص/ 171 ـ 173 .
[16] - راجع، محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد في كتاب اليهود والنصارى، ص/ 141 ـ 148 . وممن قال بنحو ذلك ابن قتيبة في، أعلام رسول الله المنزلة على رسله، لوحة(5) وابن تيمية في، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 4/ 8ـ 14، وابن قيم الجوزية في، هداية الحيارى، ص/128ـ148. وابن المزين، إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ص/ 37 ـ 38 ، وعبد العزيز آل معمر في، منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب، ص/ 84ـ85.
[17] - راجع ابن تيمية، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 4/ 10 ـ 15، السقا، نبي الإسلام، ص/ 43ـ 44، نقلاً عن ،المنتخب الجليل من تخجيل من حرف الإنجيل، لأبي الفضل المالكي المسعودي، ص/ 146 ـ 147 .
[18] - راجع ابن تيمية، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 4/ 10 ـ 15.
[19] - لوقا، 2: 14 .
[20] - راجع متى، 10 : 34 .
[21] - لوقا، 12 : 51 .
[22]- راجع، الإنجيل والصلب، ص/ 69ـ 75، و، محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد في كتب اليهود والنصارى، ص/ 90ـ 106.