البحث
هديه في التعامل مع أقاربه صلى الله عليه وسلم - تربيتهم وتعليمهم
تربيتهم وتعليمهم .
عن عبد الله بن عباس رضيَ الله عنهما قال : أهدي إلي النبي صلى الله عليه وسلم بغلة ، أهداها له كسرى ، فركبها بحبل من شعر ، ثم أردفني خلفه ، ثم سار بي مليا ، ثم التفت فقال : يا غلام )) قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء ، يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، فقد مضى القلم بما هو كائن ، فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك ، لم يقدروا عليه ، ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله عليك ، لم يقدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل بالصبر واليقين فافعل ، فإن لم تستطع فاصبر ، فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا ، واعلم أن مع الصبر النصر ، واعلم أن مع الكرب الفرج ، واعلم أن مع العسر اليسر )) [1].
نجد في هذا الحوار بين النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وابن عمه عبد الله بن عباس رضيَ الله عنهما توجيهات تربوية هامة ذات مقاصد وغايات جليلة وخلاصتها :
المقصد الأول : غرس الإيمان .
يهدف النبي في حواره هذا إلى غرس الإيمان في نفس هذا الغلام وتعليمه حق الله تعالى عليه ، فالإيمان بالله تعالى هو أول أمر يجب أن يخاطب بها الناشئة ، لكونه أول الواجبات وآكد الفرائض ، قال تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [2].
ولذلك بدأ به لقمان موعظته لابنه ، قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [3].
وهو مهمة لا تتطلب من المربي عناء فكريا كبيرا ، فلا يحتاج إلى سوق الأدلة والبراهين ، ولا أن يتبع مسالك المتكلمين في الإقناع ، فكل مولود يولد على الفطرة ، كما قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة )) [4].
ولذلك يعد ما يقوم به المربي من غرس الإيمان وتعليم التوحيد من باب الشد والتقوية لما هو موجود أصلا ، كما يقوم الفلاح بسقي الزرع وتجنيبه للآفات المفسدة حتى ينمو ويكبر وتؤتي ثماره يانعة .
المقصد الثاني : الأمر بملازمة الطاعة .
يلي الإيمان في الأهمية والمرتبة طاعة الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بعد الإيمان بالله تعالى بحفظ الله تعالى وهو أن يحفظه في أوامره بفعلها ، ويحفظه في نواهيه فيتركها ، ويلتزم بشرعه لا يخالفه ، وأفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى ما فرضه على عباده من الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها من العبادات ، وكذالك الصدق وبر الوالدين وصلة الرحم وغيرها من المعاملات ، وكلها مما يجب أن يدرب الولد على فعلها منذ الصغر حتى إذا كبر وبلغ سن التكليف وجد نفسه منقادة لأدائها بلا حرج أو مشقة .
المقصد الثالث : الإرشاد إلى ربط الصلة بالله تعالى .
ولأن طريق الشباب محفوف بالمشاكل والمخاطر التي تستهدف عقيدته وأخلاقه وسلوكه ، وكذالك صحته وعافيته ، وحاضره ومستقبله ، أرشد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هذا الشاب المسلم إلى ضرورة ربط الصلة بالله تعالى و التحصن بمنهاجه القويم في كل أمور الحياة ، وسلوك الصراط المستقيم ، فيحفظ الله تعالى في دينه علما وعملا ، ليجد الله تعالى أمامه حافظا إياه من كل المكاره وعاصما إياه من كل الفضائح ، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [5]، وقال عز وجل {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [6].
-----------------------------------
[1]المستدرك على الصحيحين ( 3 / 623 )
[2]سورة الإسراء الآية 32
[3]سورة لقمان الآية 13
[4]صحيح البخاري ( 1 / 456 )
[5]سورة الأنفال الآية 24
[6]سورة النحل الآية 97